• 19 كانون الثاني 2023
  • أقلام مقدسية

 

بقلم : أحمد صيام 

 

يتضح مع الايام ومن خلال مجريات الأحداث المتصاعدة في مدينة القدس ودرتها المسجد الأقصى المبارك ، ان سلطات الاحتلال ومع تبوء اليمينيين المتطرفين سدة الحكم في دولة الكيان ، تسابق الزمن في محاولاتها الرامية الى تهويد المدينة وسائر مقدساتها الاسلامية والمسيحية ونقض الاتفاقيات الثنائية المبرمة مع بعض دول الإقليم خاصة المملكة الاردنية الهاشمية ، وتغيير الوضع التاريخي القائم في المسجد الأقصى ، كمقدمة لإلغاء الوصاية الهاشمية والتدخل السافر في شؤون دائرة الأوقاف الاسلامية في القدس والحد من عملها في إدارة شؤون المسجد .

 وفي الوقت تخرج التصريحات من مسؤولي الاحتلال بأن دولة الكيان ملتزمة بالحفاظ على الوضع القائم وليس التاريخي بالاقصى ، فان العكس تماما ما يجري على أرض الواقع ، وما الخطوة العنجهية التي أقدمت عليها شرطة الاحتلال ومنع السفير الاردني في تل أبيب غسان المجالي من دخول المسجد ، إلا دليلا واضح الأهداف على هذه الممارسات المنافية لكافة الاتفاقيات الثنائية المرعية دوليا ، واستغلال واضح للموقف العربي المترهل و المهرول للتطبيع ودولة الكيان ، لفرض أمر واقع جديد ، تأمل سلطات الاحتلال أن يجري التعايش معه من جميع الأطراف . 

وما يؤكد ذلك اشتراط شرطة الاحتلال على السفير الأردني الحصول على إذن مسبق لما اسمته الزيارة وكأنه زائر غريب وليس بصاحب المكان ، واعلانها انها المسؤولة عن تطبيق القانون في الحرم القدسي الشريف وضمان الأمن العام فيه ، كذلك تداول وسائل الإعلام الإسرائيلية النبأ بالاشارة الى اعادة السماح للسفير الأردني بزيارة ما اسمته " جبل الهيكل " . 

ومعطيات مختلفة من أبرزها استصدار أوامر منع بوليسية بحق شخصيات اعتبارية من دخول الأقصى لفترات كما تراها تناسبها ، كمنع سماحة الشيخ عكرمة صبري ، رئيس الهيئة الاسلامية العليا وخطيب المسجد الأقصى ، الشيخ ناجح بكيرات مدير المسجد ، وغيرهما من العاملين والنشطاء المحليين ، واستفزازات لا حصر لها تتعمد سلطات الاحتلال والمستوطنين المتطرفين ممارستها ، من أخطرها إقامة صلوات تلمودية في باحات المسجد ، وغيرها من العربدات التي أشبه ما تكون كمن يصب الزيت على النار ، ما يدلل ان الاقصى على وجه الخصوص ، ومدينة القدس على وجه العموم باتت على فوهة بركان قد ينفجر في كل لحظة ، وبكل تأكيد هذه المسألة ما هي الا بما انها مؤشر النوايا الشيطانية لفرض تقسيم مكاني وزماني للحرم القدسي الشريف تماما كما حصل في غفلة من الزمن في الحرم الإبراهيمي الشريف في مدينة الخليل  .

اشتعال الأوضاع ليست وليدة اللحظة ، وربما ألفت القدس ومنذ انتهاء الولاية العثمانية الاسلامية عنها ووقوعها تحت نير الانتداب البريطاني عام 1917 على التنقل بين الثوران والهدوء النسبي ، ولكن يبقى المسجد الاقصى الشرارة الكفيلة بإشعال الأوضاع في المنطقة برمتها وقد تصل نيرانها للعالم اجمع ، لانه اصل الحكاية الفلسطينية العربية الاسلامية ، ومحاولات النيل منه كاللعب بالنار التي ستمتد لتحرق الجميع ، والشواهد التاريخية واضحة وبارزة للجميع . 

ان ما يجري في المسجد الأقصى وعموم أراضي دولة فلسطين المحتلة ، من اعتداءات سافرة يعتبر تجاوزا لكل الخطوط الحمراء ، وما خطوة منع السفير الاردني من دخوله إلا أداة قياس ردود الفعل الأردنية والفلسطينية ومن ثم العربية والإسلامية والدولية ، ما يدعو إلى ضرورة اتخاذ مواقف جدية من الأطراف المعنية اولا والشروع  بخطوات من شأنها العمل على إنقاذ المسجد الأقصى ومدينة القدس : 

اولا : موقف أردني ، يتمتع بالصلابة يؤكد على اعتراف واحترام وتطبيق سلطات الاحتلال والوصاية الهاشمية التاريخية ، من خلال عمل دبلوماسي دؤوب على كافة الصعد العربية والدولية ، للجم هيجان الثور الإسرائيلي ومنعه من اجراء اي تغييرات في الحرم القدسي الشريف ورفع الإجراءات التعسفية بحق العاملين في المسجد وإتاحة المجال لدائرة الأوقاف الإسلامية القيام بواجباتها ومسؤولياتها تجاه هذا المكان المقدس . 

ثانيا : موقف فلسطيني ، يبدأ برسم استراتيجية وطنية موحدة تبدأ اولا بلملة الاوراق المقدسية المبعثرة وجمعها في اطار واحد يحظى بثقة المقدسيين عامة ، قادر على حشد الطاقات المقدسية للدفاع عن الاقصى ، ومن ثم رأب الصدع بين الأطراف الفلسطينية المختلفة واتمام المصالحة الداخلية ، بشكل يصبح قادرا على العمل  لتعزيز صمود المواطن المقدسي الذي يمثل رأس الحربة في الدفاع عن المدينة ومقدساتها الإسلامية والمسيحية ، وحشد الرأي العام المحلي والإقليمي والعربي والدولي بفضح سياسات الاحتلال العنصرية والدعوة الى انقاذ الاقصى والقدس وتحديد العلاقة مع الاحتلال وأجهزته المختلفة والمضي قدما بشكل جماعي بالبعد الدولي للعمل على استصدار ما من شأنه ان يعمل على انهاء الاحتلال واقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها الابدية القدس الشريف ، وتمكينها من ممارسة سيادتها كسائر الدول المستقلة على كافة أراضيها . 

موقف عربي وإسلامي : مطلوب من الامتين العربية والاسلامية وخاصة الدول التي لها اتصالات مع دولة الكيان ، اتخاذ موقف قطعي جدي يحذر الاحتلال من عواقب ممارساته ومحاصرته في مختلف المحافل ، وحشد الطاقات لتعزيز التضامن الرسمي والشعبي مع الشعب الفلسطيني والمقدسات وعلى رأسها المسجد الأقصى ، وعكس رسالة واضحة من العالمين العربي والإسلامي ان القدس خط أحمر لا يجوز القفز عنه واستهدافها كاللعب بالنار ستحرق الأخضر واليابس ، هذه الرسالة أن اتسمت بالجدية المطلقة ، من كل بد سيأخذها المجتمع الدولي على محمل الجد . 

موقف دولي : في حال كان هناك موقف عربي إسلامي جدي ، من دون شك فإن المجتمع الدولي والذي يحمل النصيب الأكبر من المسؤولية لرعايته الاتفاقيات الثنائية ومن ثم لدعمه لدولة الكيان ، لكنه يلتزم الصمت ويغض الطرف في أغلب الأحيان ، ويقف عاجزا عن تنفيذ الشرعية الدولية ، ما يشجع الاحتلال على تصعيد عدوانه وجرائمه بحق الشعب الفلسطيني ومقدساته ومقدراته ، ومن منطلق حرص المجتمع الدولي على مصالحه مع العالمين العربي والاسلامي ، سينظر إلى هذه المواقف بعين الجد والاعتبار ، وربما تأخذ سياساته منحى جديد بعيدا عن سياسة الكيل بمكيالين ويبدأ التحرك لوضع حد للممارسات الاسرائيلية المنافية لكافة الاعراف والقوانين الدولية وينتصر للحقوق الوطنية الفلسطينية المشروعة ويعمل على إنهاء الاحتلال من خلال تنفيذ قرارات الشرعية الدولية . 

آن الأوان لوقفة عربية اسلامية مشرفة ضاغطة على الاحتلال والمجتمع الدولي لإنقاذ الاقصى والقدس والانتصار بالفعل لا بالقول فقط للحقوق الوطنية الفلسطينية المشروعة ، المسجد الأقصى ومدينة القدس باتا فوق صفيح ساخن وعلى فوهة بركان يغلي ، وينتظرهما وقت عصيب ان لم يكن هناك موقف صلب ضاغط على دولة الكيان لاجبارها الاذعان للاتفاقيات الثانية واحترام مصالح الغير .