• 6 آذار 2023
  • أقلام مقدسية

                                    

بقلم : د. أحمد عبده طرابيك*

 

  ترتبط مصر وتركيا بعلاقات تاريخية وثيقة وقوية، وعلي اختلاف تموجات العلاقات السياسية التي تربطها المصالح الآنية، فقد ظلت تلك العلاقات بين الشعبين المصري والتركي علي مدار التاريخ ثابتة وراسخة لا تؤثر فيها أي عوامل أو مواقف أخري، وقد تجلي ذلك في كثير من المواقف والشدائد، كان آخرها كارثة الزلزال الذي وقع في تركيا صباح 6 فبراير 2023، عندما سارع الجميع في مصر علي المستويين الرسمي والشعبي للتضامن مع الشعب التركي خلال هذه الكارثة. 

 هذه العلاقات الطيبة التاريخية الممتدة لقرون جعلت الكثير من الطلاب المصريين يتوجهون إلي تركيا للدراسة بجامعاتها العريقة التي ذاع صيتها، لما تتميز به من سمعة علمية علي المستوي الدولي، وهذا ما ترجمته الأرقام عندما جاء الدارسين المصريين الذين يدرسون اللغة التركية في معهد يونس امره للثقافة التركية في المرتبة الأولي علي مستوي معاهد يونس امره المنتشرة حول العالم، سواء كانوا طلاباً في أقسام اللغة التركية في الجامعات المصرية، أو غيرهم من الدارسين الأخرين الراغبين في تعلم اللغة التركية للتواصل مع الشعب التركي أو العاملين في مجالات تتعلق بالعلاقات مع تركيا سواء مجالات التجارة أو السياحة أو غيرها. هذا إلي جانب وجود قسم للغة التركية وآدابها في مختلف الجامعات المصرية الحكومية بالإضافة إلي العديد من الجامعات الخاصة. 

 هذا الاهتمام بالدراسات التركية بشكل عام، وفي ظل وجود العديد من الجامعات الأجنبية في مصر "الأمريكية، البريطانية، الروسية، الألمانية، الفرنسية، الصينية، وغيرها"، فإن ذلك يدعو إلي إنشاء جامعة تركية في مصر، تضم العديد من الكليات والأقسام والتخصصات التي تتميز بها الجامعات التركية، والتي يذهب الطلاب المصريين والعرب لدراستها في تركيا، أو الذين يرغبون في التوجه لتركيا للدراسة بها، ولم تساعدهم ظروفهم علي الذهاب لتركيا للدراسة لأسباب مختلفة.   

 وجود جامعة تركية في مصر، سوف تعمل علي جذب ثلاث فئات من الطلاب للدراسة بها، الفئة الأولي وهم الطلاب المصريين الذين يدرسون في الجامعات التركية حالياً، والذين يبلغ عددهم 2400 طالب مصري، وفق تصريحات للدكتور عادل عبد الغفار المتحدث باسم وزارة التعليم العالي المصرية في 7 فبراير 2023. وإن كان بعض التقديرات التركية تشير إلي أن عددهم يبلغ 2700 طالب، وبصرف النظر عن الاختلاف في التقديرات بين الجانبين لأسباب قد تتعلق بالطرق المتبعة ونوعية البيانات المستخدمة في عملية الإحصاء. فإن الجامعة التركية من شأنها تخفيف أعباء السفر والاغتراب ومصروفات الإقامة والابتعاد عن الأهل في هذه الفترة من حياتهم. أما الفئة الثانية التي تستهدفهم الجامعة التركية للدراسة بها، فهم الطلاب المصريين الذين يرغبون بالدراسة في تركيا، وتمنعهم بعض الظروف الاجتماعية من السفر إلي تركيا للدراسة، كالعوامل الاقتصادية، أو عدم رغبة الآباء في ابتعاد أبنائهم عنهم في هذه المرحلة العمرية. أما الفئة الثالثة فهم الطلاب العرب والأفارقة المقيمين في مصر، أو الذين سيأتون لمصر خصيصاً للدراسة بالجامعة التركية. ومن ثم فإن الجامعة التركية بالقاهرة سوف تستقطب أعداداً كبيرة من الطلاب تفوق أعداد الطلاب الذين يلتحقون بأي جامعة أجنبية أخري في مصر، وكذلك من شأن هذه الجامعة مضاعفة أعداد الطلاب الدارسين في الجامعات التركية أو في مجالات تتعلق بالدراسات التركية. 

  نشأت الجامعات الخاصة التي تعمل في مصر وفق قانون إنشاء الجامعات الخاصة والأهلية في مصر، الصادر عام 1972، وتعديلاته الصادرة عام 2009، والذي ينص علي "يصدر بإنشاء الجامعات الخاصة وتحديد نظامها قرار من رئيس الجمهورية بناء على طلب جماعة المؤسسين وعرض وزير التعليم العالي وموافقة مجلس الوزراء". وقد نشأت الجامعات الخاصة في مصر سواء الجامعات الخاصة المصرية، أو الجامعات ذات الصبغة الدولية "أي التي يتم فيها الدراسة بلغة الدولة ووفق مناهجها" باستثناء الجامعة الأمريكية التي نشأت قبل هذا القانون عام 1919، حيث نشأت الجامعة الألمانية والجامعة الفرنسية عام 2002، والجامعة البريطانية عام 2005، والجامعة المصرية الروسية عام 2006، والجامعة المصرية الصينية عام 2013، وكل هذه الجامعات تأسست وفق قانون الجامعات الخاصة والأهلية في مصر، وهذا يعني أن تأسيس الجامعة التركية في مصر يتم وفق قانون واضح دون أي عقبات قانونية.  

 ترحب مصر بالاستثمار في التعليم بشكل عام، ولذلك فقد شهدت مصر خلال العقود الثلاثة الأخير إنشاء العديد من الجامعات الخاصة، والتي استقطبت الكثير من الطلاب المصريين الذين كانوا يتوجهون للدراسة خارج البلاد، كما أن هذه الجامعات وفرت فرصاً للطلاب الذين كانوا يرغبون في الدراسة في الخارج ولم تمكنهم ظروف من تحقيق هذه الرغبة. ولذلك فإن إنشاء جامعة تركية في القاهرة من شأنه أن يحقق العديد من المزايا سواء بالنسبة للبلدين مصر وتركيا، حيث أن هذه الجامعة التركية التركية في مصر سوف تزيد من جسور التواصل والعلاقات بين البلدين، ومن ثم تسهم في تنمية تلك العلاقات في مختلف المجالات بما تقدمه الجامعة التركية من برامج وتخصصات تعليمية يمكن من خلالها تغطية جوانب عديدة في تخصصات يحتاج إليها سوق العمل المصري، أو يفتح مجالات انتاجية جديدة في مصر. 

كما أن الجامعة التركية في مصر من شأنها أن تحقق رغبات الكثير من الطلاب المصريين الذين يرغبون في الدراسة بتركيا ولم يكن لديهم ظروف مهيأة لتلبية تلك الرغبة، إلي جانب أن وجود الجامعة في مصر من شأنه أن يعمل علي تحفيز الكثير من الطلاب علي الدراسات التركية، ليس في مجالات الأدب واللغة والتاريخ التركي وحسب، بل في المجالات العلمية والعملية التي تتميز بها الجامعات التركية. خاصة مع وجود أكثر من 300 شركة تركية تعمل في السوق المصرية، يبلغ حجم استثماراتها أكثر من 2 مليار دولار، وقد تعهد ممثلي الشركات التركية خلال اجتماعهم مع رئيس الوزراء المصري في 15 فبراير 2023، عن عزم تلك الشركات لزيادة استماراتهم بنحو 500 مليون دولار في الفترة القادمة. هذه الشركات التركية تكون في حاجة دائما إلي أيدي عاملة لديها دراية وخبرات علمية وعملية بما يتوافق مع أنظمة الشركات والمصانع التركية، ومن ثم فإن الجامعة التركية في مصر ستكون قادرة علي تلبية احتياجات تلك المصانع والشركات التركية. هذا إلي جانب حاجة سوق العمل المصرية إلي المزيد من الأيدي العاملة المدربة والتي يتوافق تعليمها مع تطور مجالات العمل، والجامعات التركية من أكثر جامعات العالم مراعاة لربط مقرراتها الدراسية وتخصصات جامعاتها مع تطور سوق العمل الدولية، وحتي في المجالات العلمية الطبية والتخصصات الحديثة كالبرمجيات والسيارات الكهربائية وغيرها. 

 تحدثت مع بعض رجال الأعمال المهتمين بالاستثمار في مجال التعليم بشأن إنشاء جامعة تركية في مصر، وعن مدي امكانية في الاستثمار بإنشاء جامعة تركية في مصر، فكان ترحيبهم بالاستثمار في تلك الجامعة يفوق التوقعات، نظراً لمعرفتهم كمستثمرين بأهمية الاستثمار ليس في مجال التعليم الجامعي وحسب، ولكن في التعليم الجامعي التركي علي وجه التحديد، نظراً لتوقعاتهم من خلال ما يرونه علي أرض الواقع من اقبال كثيف للطلاب المصريين علي الدراسة في الجامعات التركية.          

*باحث في شئون آسيا والعالم التركي