• 15 آذار 2023
  • أقلام مقدسية

 

بقلم : عزام توفيق أبو السعود

 

ما الذي يجري في العالم ؟ وهل تجري الرياح بما لا تشتهي السفن؟ أسئلة لا بد أن أي مستمع لنشرات الأخبار في محطات العالم يفكر فيها .. والسؤال الأهم منها : كيف نقرأ ما يجري في العالم ؟ سياسيا .. عسكريا .. اقتصاديا .. وأمنيا .

في الحرب العالمية الأولى تم تقاسم أراضي الإمبراطورية العثمانية بين الدول المنتصرة .. وخرجت ألمانيا مهزومة تتوجه الى إعادة بناء إقتصادها وقوتها العسكرية .. وفي الحرب العالمية الثانية حلت أمريكا محل إنجلترا كإمبراطورية بدون إمبراطور.. وانقسم العالم الى حلفين كبيرين حلف شمال الأطلسي الذي تغير اسمه لاحقا الى حلف النيتو  وحلف وارسو .. أحدهما قادته أمريكا وتبعتها دول أوروبا الغربية، والثاني قادته روسيا وتبعتها دول أوروبا الشرقية وبعض دول آسيا الوسطى .. وبينهما ظهرت قوتان .. قوة عددية شيوعية كبرى مثلتها الصين، بدأت بتنظيف نفسها من الداخل لتنتقل بعدها الى بناء إمبراطورية إقتصادية كبرى، وبدون إمبراطور أيضا.. والقوة الثانية كانت قوة دول عدم الانحياز، وهي قوة عددية كبرى جمعت بين الهند وإندونيسيا ويوغوسلافيا ومصر.. كان هدفها المعلن أن لا تكون شرقية ولا غربية، وأن تسعى لاستقلال الدول التي تقبع تحت نير الاستعمارين البريطاني والفرنسي اللذين نهبا ثروة الدول التي استعمروها.

سعت أمريكا دوما الى إيجاد السبل الكفيلة بتحطيم القوى الثلاث : روسيا وحلفاؤها.. دول عدم الانحياز، والصين .. دول عدم الانحياز كنت عملية تفكيها أكثر سهولة ساعدهم بذلك وفاة زعمائها نهرو وتيتو وعبد الناصر وسوكارنو، شغلوا الهند بحرب مع باكستان، وفككوا يوغوسلافيا الى عدة دول تناطحوا بين بعضهم في حرب بلقانية، واشتروا الزعامة المصرية بعد عبد الناصر وجعلوها تدين بالولاء لأمريكا وكذلك فعلوا بأندونيسيا.. بينما استغرقهم تفكيك حلف وارسو قرابة خمسين عاما ليخرجوا دول أوروبا الشرقية من التبعية لروسيا وذلك بواسطة محاولة هدم النظام الشيوعي من الداخل على يد يلتسن وغورباتشوف .. وبقيت الصين هي القوة التي لم تستطع أمريكا تفكيكها حتى الآن، بالرغم من دعمها للصين الوطنية التي أصبحت تسمى تايوان فيما بعد، وهي جزيرة هرب اليها تشينج كاي تشيك وأتباعه (الرئيس الصيني الذي ثار عليه ماوتسي تونج ) وأسسوا فيها نظاما دعمته بريطانيا وأمريكا.

عندما بدأ الرئيس الروسي بوتين بإعادة بناء روسيا بأسلوب جمع بين الفكر السياسي الشيوعي، والمنهجية الإقتصادية المنفتحة .. ولرغبته بإعادة أمجاد روسيا الامبراطورية ، بدأ الأمريكيون يخشوه مرة أخرى كقوة عسكرية وإقتصادية ونووية وصناعية وزراعية ، فبدأوا باستدراج  دول حلف وارسو السابقين ليصبحوا أعضاء في حزب النيتو، خرج بوتين من قمقمه وبدأ الحرب بأوكرانيا ليمنعها من الانضمام إلى حلف مع الأمريكيين .. ونحن نعرف بقية القصة ونعايشها يوميا في حرب أراد الأمريكيون أن يحاربوا روسيا ويحدوا من شوكتها بشكل مباشر عبر جنود أوكرانيون وبسلاح أمريكي وغربي دون أن يريقوا دم أي أمريكي .. يتم فيها تدمير أوكرانيا رويدا رويدا ، وتنتعش صناعة الأسلحة في أمريكا، فيزدهر الاقتصاد الأمريكي الذي ينافسه فقط الاقتصاد الصيني في الشمولية والسعر المنخفض.

بقيت الصين .. هي القوة التي تخشاها أمريكا.. يريدون أن يلعبوا معها نفس اللعبة كما مع الروس، يلهونهم بحرب داخلية بين الصين وتايوان ( صينيين في بعضيهم) . ويحاولون إضعافها إقتصاديا بدءا بال " التيك توك" الصيني! ومنع تصدير مكونات اليكترونية من أمريكا للصين تحتاجها في صناعاتها الالكترونية المتقدمة. 

كي يتفرغ الأمريكيون لخططهم الموجهة نحو الصين ، كان لا بد من إغلاق أو تأجيل  ملفات بعض الجيوب هنا وهناك في العالم .. ولعل أهمعا الملف الايراني .. وتهدئة الأمور في إسرائيل والأراضي الفلسطينية، وكلا الملفين عليهم بإقناع اسرائيل بالتروي في مهاجمة ايران أو الضغط عليهم ليهاجموها هم أو يدعموها في هجومهم، وكذلك خفض التصعيد والقتل في الأراضي الفلسطينية ، ولذلك أرسلوا لاسرائيل رئيس الأركان ووزيري الدفاع  والخارجية الأمريكية . 

الأوراق التي لم يحسب حسابها الأمريكيون كانت متعددة:

- الكونجرس  الأمريكي ذو الأغلبية الجمهورية يرفض زيادة الدين العام الحكومي الأمريكي؟ فمن أين لهم بالمال إذن لتمويل الأوكرانيين بالسلاح؟ او بتزويد تايوان بالأسلحة المتطورة ؟ 

-  إنهيار بنك وادي السيليكون وبنك آخر في نيويورك أدى إلى ضعضعة النظام المصرفي الأمريكي، والى ضربة إقتصادية  كبيرة بهبوط الأسهم والسندات في البورصات الأمريكية، يضاف اليها البدء العالمي بالتخلص التدريجي من اعتماد  اليورو دولار في تعاملهم في سوق البترول، مما يؤدي الى ضعضعة وضع الدولار  . 

- الاتفاق السعودي الإيراني لاعادة العلاقات بينهما بوساطة صينية، وكان ذلك مفاجأة لأمريكا تعني أن الصين بدأت تتنحنح وتقول للأمريكيين " إحم إحم نحن هنا" وذلك يعني أن الشرق الأوسط لم يعد ملكا مطلقا للأمريكيين.. !

- صفقة طائرات روسية جديدة لإيران! وتزويد روسيا للإيرانيين بأسلحة أمريكية غنمتها روسيا سليمة في أوكرانيا ! وعدم التأكد من أن يصل الحد بروسيا أو الصين الى مساعدة الايرانيين أكثر في برنامجهم النووي.

- عدم تأكد الأمريكيين من قيام الصين بتزويد الروس بأسلحة وذخائر ، وأن الاستخبارات الأمريكية محتارة في هذا الموضوع. 

- ورقة محيرة إضافية عن دور تركيا التي تلعب على الحبلين .. لديها قواعد أمريكية وهي عضو في حلف النيتو، بينما تشتري منظومة دفاعية من روسيا، علاقاتها جيدة مع روسيا ومع الأمريكان، أصبحت مركزا دوليا  لتوزيع القمح والذرة، ومركزا وسيطا لتوزيع الغاز الطبيعي، ولدى أردوغان أحلام بإعادة الامبراطورية العثمانية، ويسمونه في تركيا " عبد الحميد الثالث".

- ورقة أخرى هي ورقة  كوريا الشمالية، ورئيسها المتهور الذي يثير الجدل دوما .. مشغول بتطوير صواريخة ، "ويهمهم" هو الآخر قائلا: أنا يجب أن تحسبوا حسابي وأنا " يا قاتل يا مقتول"!

- الورقة الأخيرة هي زيادة الميزانيات العسكرية لجميع دول العالم الكبرى والمتوسطة: أمريكا بأكبر ميزانية عسكرية، ودول أوروبا تنتج وتشتري أسلحة وخاصة ألمانيا، اليابان تتسلح وتضاعف ميزانيتها الدفاعية، والعالم لا يعرف حجم ميزانية الدفاع الروسية والصينية لكنه متأكد من أنها ضخمة جدا.. 

هذه الأوراق المتناثرة لا بد أنها تنبئنا بشئ ، وكل ورقة بحاجة الى توسع بالبحث وتدقيق أكبر لفهم المغزى من كل منها .. جميعها تدل أن حربا عالمية قادمة لا محالة.. الكل يستعد لها، والكل لا يريد أن يكون هو مطلق شرارتها الأولى.. الكل خائف منها رغم أنه يتحضر لها.. أما  نحن العرب فنكاد نكون قوة صفرية أو حول الصفر في الأهمية الدولية ! ولا حول ولا قوة إلا بالله!