• 16 آذار 2023
  • أقلام مقدسية

 

 بقلم : الدكتور السفير مانويل حساسيان

يتساءل المرء كيف استطاعت إسرائيل أن تقنع العالم بأنها الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط؟ وذلك عبر تضليل الرأي العام العالمي  من خلال وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي ومن خلال استخدام التاريخ المظلم لها في أوروبا، وبذلك استطاعت الحركة الصهيونية أن تسيس اليهودية كقومية لتبرير خلق وطن يجمع الشتات لليهود في فلسطين على حساب طرد الفلسطينيين واستغلال العالم الغربي في دعم  حركتها الكولونيالية الاستيطانية. 

لقد تبلورت فكرة الصهيونية لدى مؤسسها ثيودور هرتزل النمساوي الأصل في كتابة Der Judenstat والذي طرح فيه لم شمل اليهود من بقاع الأرض في وطن قومي لهم. وهذه ايديولوجية مبنية على العرق والعنصرية بحكم أن اليهود شعب الله المختار البدعة التي لا يوجد لها أصول ولا تبرير. بالتأكيد كانت الظروف الموضوعية مواتية في القرن التاسع عشر بظهور مبدأ القوميات ومدينة الدولة وذلك نتاج الثورة الفرنسية والصناعية لاحقاً، كما برزت القومية العربية في  نهاية الحكم العثماني وأنشأت الصهيونية في نفس الوقت معبرة عن احتجاجها على سياسة الدولة العثمانية بوصفها من أهل الذمة. باتت إذن الظروف الموضوعية في الدولة العثمانية مواتية بتفاعلها مع الظرف الذاتي اليهودي في تجسيد البنية العرقية في صياغة الايديولوجية الصهيونية الاستعمارية. بالإضافة إلى ذلك كانت نتائج الحرب العالمية الثانية وسياسة هتلر تجاه الجالية اليهودية، فرصة سانحة لكسب عطف العالم تحت مبدأ اللاسامية إذا استطاعت الحركة الصهيونية بين الحربين العالميين تجسيد واقعها في وضع برنامج استيطاني لإقامة دولتها على حساب أرض فلسطين وشعبها.

ولا نستطيع إغفال الحقيقة التاريخية بأن إقامة الوطن المزيف للشعب اليهودي كان نتاج سياسة المجتمع الغربي بقيادة بريطانيا والتي بدورها شجعت وسهلت عملية الهجرة إلى فلسطين بصفتها المنتدبة لفلسطين وإعطاء الصهيونية الصك السياسي بوعد بلفور المشؤوم.

وللأسف ومنذ تأسيس ما يدعى إسرائيل والمجتمع والحكومات الغربية تدعم هذا النظام العنصري سياسياً وجغرافياً ومادياَ وعسكرياً بمزاولة احتلالها لشعب اعزل محصن فقط بعدالة قضيته.

إن إسرائيل هي خدعة قرن العشرين وللأسف مازال المجتمع الغربي غير قادر على  أن يرى جليا طبيعة هذا النظام العنصري والاسوء هو دعم هذا النظام لمصالحها السياسية والاقتصادية بالشرق الأوسط. ولا سيما أن الولايات المتحدة والتي تتغنى بـالديمقراطية الليبرالية هي نفسها نظام يتغنى بالعنصرية ضد الهنود الحمر والأصول الافريقية والمهاجرين الأجانب.

إن مفهوم الديمقراطية سمفونية زائفة تستخدمها أمريكا في سياساتها داخل المجتمع الأمريكي وخارجها، إذ خاضت الحروب في العالم تحت شعار زائف لحقوق الإنسان في استغلال موارد النفط والمعادن لمكاسبها الشخصية. ولكن العالم اصبح واعيا الى مأرب أمريكا في السيطرة على الشعوب واستغلال مواردها وتمزيق نسيجها الاجتماعي بخلق تشرذمات سياسية وأحزاب موالية لها في المنطقة تلبي مصالحها، وعلى رأسها إسرائيل اضافة الى التيارات الإسلامية المتطرفة ، وحتى يومنا هذا التمييز العنصري لا زال قائما  بين البيض والسود وبوضوح، لذا من الطبيعي أن تدافع أمريكا عن نظام الفصل العنصري في الأراضي المحتلة، لأن مصالحها تتقاطع بشكل عضوي مع النظام العنصري الإسرائيلي الصهيوني خصوصاً  حاليا بوجود نظام يميني متطرف يحكمها الثلاثي الصهيوني نتنياهو، بن غفير، سموتريش فلقد  أصبح  واضحا بأن هذا نظام  فاشي عنصري .

وفي الآونة الأخيرة شهدت الأراضي المحتلة الفلسطينية فصول رعب وتطهير عرقي من قبل حكومة الاكثر تطرفاً في تاريخ وجود إسرائيل وهدفها واضح كوضوح الشمس  هو بناء المستوطنات على كافة الأراضي الفلسطينية وضمها تحت شعار ما  تسميها يهودا و السامرة ، وترفع هذه الحكومة شعارات منددة بالموت للعرب وطردهم من ارض الميعاد بهذا يكونون قد اخللو بجميع الالتزامات و التفاهمات السياسية السابقة(اي اطار اوسلو) وخلقوا واقعا جديدا لتبرير الاستيطان وارتكاب المجازر البشعة من قتل وتشريد وحرق المنازل والسيارات على مرأى ومسمع المجتمع الدولي الذي اكتفى بدوره في الشجب والاستنكار وليس بوضع عقوبات على اسرائيل لسياساتها العنصرية. ألا يخجل المجتمع الدولي بدعمه السافر لدولة ابرتهايد متغنياً ديمقراطيتها التي هي بإختصار  بدعة كاذبة لا أساس لتبريرها قانونياً أو حضارياً.

واذا امعنا النظر إلى جغرافية الضفة الغربية والقدس الشرقية نرى بأن المستوطنات منتشرة في كافة ارجائها وبعدد 700 ألف مستوطن،500 ألف في الضفة الغربية و    200 الف في القدس الشرقية ضواحيها هذا واقع اليم خاصة  وأن  أعداد المستوطنين وفي تكاثر داخل الكنيست الإسرائيلي حيث يوجد أكثر 15 نائبا  ناهيك عن مناصب وزارية في الحكومات المتعاقبة  وذرتها هذه الحكومة الحالية اليمينية الاستيطانية و المتسمة بنهجها طرد الفلسطينيين والاستيلاء على أراضيهم وممتلكاتهم. 

ماهي خارطة الطريق للتعامل مع التعصب الديني الإسرائيلي وسياسات الحكومة المبينة على العنصرية والتطرف العرقي؟

مايحدث اليوم داخل المجتمع الاسرائيلي من تناقضات بين التيارات العلمانية  وما بين  التيارات المتشددة دينياً، في قضية الإصلاح او الاستيلاء على  المفاصل الرئيسية في السلطة الاسرائيلية  وبلورة واجهة دولة إسرائيل بنظامها السياسي من ديمقراطية لليهود طبعا الى ديكتاتورية لغير اليهود لتمكين رئيس الوزراء بالمحافظة على حصانته القانونية مما تجعله فوق القانون والمحاسبة والمساءلة، وهذه سياسة نتنياهو والتي من خلالها سيتفادى إدانته بالفساد المالي والاداري.

هذه المعضلة بحد ذاتها تشير بأن اسرائيل تتجه نحو الهاوية في مفهوم العلمانيين والليبراليين داخل المجتمع الإسرائيلي، والتأكيد على ذلك المظاهرات المستمرة ضد حكومة نتنياهو والتي خرجت بالآلاف و نتيجتها ستكون اسقاط هذه الحكومة،  نتنياهو بدوره لتفادي اي تصدع في ائتلافية العنصري  مع حلفائه من أمثال بن غفير فإنه يعمل على تصدير الأزمة الداخلية  الى الضفة ضد ابناء شعبنا بالاضافة الى التحريض الدولي ضد ايران،سوريا ولبنان.

إن الحل المثالي لمواجهة هذه الحكومة العنصرية هو التعاون بين الأحزاب السياسية المعارضة لنتنياهو والاحزاب العربية في الداخل لاسقاطها.

لابد من تفاعل جدي وعملي بين المجتمع المدني الإسرائيلي الذي يؤمن بحقوق الإنسان والسلام مع الاقلية العربية داخل الخط الأخضر لمواجهة التحديات لهذه السياسات العنصرية وان تستمر بالنزول إلى الشارع لتغيير المواقف السياسية لهذه الحكومة. ولابد ايضاً  حشد المجتمع الدولي  من اجل ممارسة الضغوطات على حكومة نتنياهو وذلك عن طريق العمل المشترك مع الجانب الفلسطيني في المقاومة السلمية.

 لا يوجد أي أفق سياسي مع الاحتلال والثمن الذي يدفعه شعبنا إزاء البلطجة والعربدة للمستوطنين هو ثمن باهظ من أجل نيل حقوقنا المشروعة بإقامة دولة فلسطين وعاصمتها القدس الشريف.

نشرت هيومن رايتس ووتش في 27 ابريل عام 2021 تقريراً شاملاً يحدد بوضوح ان الشعب الفلسطيني في الأراضي المحتلة ,هم بالفعل ضحايا النظام الفصل العنصري (Apartheid) ,وان المجتمع الدولي قد فشل بمنعها للاسف. وبالرغم من دعم البرلمان الدنماركي للشعب الفلسطيني، إلا  أن الحكومة الدنماركية مترددة في مواجهة إسرائيل، إذ لا يكفي الادعاء بالدفاع عن السلام وحقوق الانسان, بل يجب ان يكرس ذلك في قرارات وأفعال على واقع الأرض. 

ان المطلوب من الحكومة الدنماركية المضي  قدماً بتبني مواقف أكثر حيادية وانسانية. وفي الظروف الراهنة يتعرض الشعب الفلسطيني الى هجمة شرسة من قبل المستوطنين وجيش الاحتلال مما يعطي الفرصة السانحة للحكومة الدنماركية بأن تتخذ مواقف جريئة بنقد سياسة الفصل العنصري وأن تقف إلى الجانب الصحيح من التاريخ والا ستكون الدنمارك فعلاُ في مأزق الفكر الديمقراطي الحر.

وفي الختام نستطيع أن نجزم بأن الصراع الفلسطيني مع الكيان الصهيوني صراع وجودي وحضاري وليس فقط جغرافي وبذلك نرى البطش الإسرائيلي وغلاة المستوطنين لشعبنا يزداد عنفاً في عملية إلغاء الطرف الآخر. إذ تحاول هذه الحكومة الاستيطانية بقيادة نتنياهو أن تصنع مفهوماً جديدا للصراع بتغليف ديني بحيث لا مجال للمهادنة أو التسوية وللأسف عالمنا العربي منشطر على نفسه ودول عربية مطبعة ومجتمع دولي يعاني من انفصام الشخصية وتأنيب الضمير، والابتزاز من قبل إسرائيل, للمجتمع الدولي باستغلال مفهوم اللاسامية.

 ان الانقسام داخل الفكر السياسي الفلسطيني يستغله المستعمر الإسرائيلي في سياسة فرق تسد وفي شق الصف الفلسطيني والذي من خلاله يكرس فصل قطاع غزة عن الضفة الغربية, وهذا ما يصبو اليه الاحتلال في كسر شوكة المقاومة بسط نفوذه لعملية الضم المستمرة كنهج سياسي لحل القضية الفلسطينية.

. أختم القول *لا تقولوا يا فلسطينيين ضاعت القدس بل  ضاعت قدسيتنا".  

*سفير فلسطين في الدنمارك