• 23 آذار 2023
  • أقلام مقدسية

 

بقلم سعادة مصطفى ارشيد

 

كما هو متوقع، عقد لقاء شرم الشيخ (العقبة 2)، و في حين أكد الناطقين بإسم الطرف (الإسرائيلي) أن اللقاء سيكون في مظهره و جوهره ذو طابع ووظيفة أمنية تهدف إلى مواجهة العنف الذي يجري في شمال الضفة الغربية، و خاصة ما تقوم به كتائب مخيم جنين و قراها و عرين أسود نابلس، إلا أن رئيس الوفد الفلسطيني وهو الرجل الثاني في الهرم القيادي باعتباره أمين سر منظمة التحرير الفلسطينية فقد قال: أننا ذاهبون لشرم الشيخ للدفاع عن حقوق شعبنا في الحرية والاستقلال، ومن أجل وقف العدوان (الإسرائيلي) المتواصل الذي يستبيح الدم الفلسطيني، أما إثر انتهاء اللقاء فقد أشاد الفريقان بنتائجه، القيادي الفلسطيني وصفه على أنه جاء على شكل إشتباك أو معركة مع الوفد الإسرائيلي، فقال: لقد تمسكنا بموقفنا الثابت الرافض للخوض في أي مسار أمني أو إقتصادي قبل الوصول إلى إتفاق سياسي يلزم (إسرائيل) بوقف الإجراءات الأحادية، و لكن الطرف الإسرائيلي أشاد أيضا بنتائج اللقاء باعتباره حقق المطلوب منه (إسرائيليا)، فمن نصدق؟

 الطريقة المثلى للإجابة على هذا التساؤل هي في قراءة البيان الختامي الصادر عن وزارة الخارجية المصرية التي نظمت اللقاء وسجلت محاضرة و صاغت قراراته.

جاء في البيان الختامي أن الطرفان قد التزما بتعزيز الأمن و الإستقرار للفلسطينيين             و(الإسرائيليين)، وعلى الحيلولة دون مزيد من العنف وعلى فتح آفاق سياسية، و يمكن  التساؤل: هل يمكن مقارنة الطرف المعتدي بالطرف المعتدى عليه؟ وبالتالي فإن الأمن والإستقرار هو للطرفين المعتدي و المعتدى عليه وكيف أن الأمن و تعزيزه يسبقان الآفاق السياسية التي أتت بصيغة ضبابية.

تم الإتفاق على أن توقف (إسرائيل) مناقشه أي وحدات استيطانية جديدة  لمدة أربعة شهور (نص غامض وضبابي) و تمتنع عن إصدار رخص استيطانية لستة شهور،وهذا إن صدق أو لم يصدق و لن يصدق، لا يعني أكثر من إجازة أو هدنة قصيرة في معركة مستمرة وغير متكافئة، أما بما يتعلق بالمصداقية ففي يوم اللقاء قامت الحكومة (الإسرائيلية) بالسماح للمستوطنين بالعودة إلى أربع مستوطنات تم إخلائها و تسليمها للسلطة الفلسطينية عام 2005، اثنتان منها تعتليان مدينة جنين وثالثة ورابعة قادرتان على قطع الطريق الرئيس بين جنين ونابلس.

أكد البيان على حق السلطة الفلسطينية في السيادة الأمنية على مناطق (أ) كما وردت في خرائط إتفاق أوسلو، و لكن إن هي إلا ساعات و قبل أن يعود الوفد إلى رام الله كان الجيش (الإسرائيلي) يتجول داخل مدينة جنين وفي شرق مدينة نابلس، في قلب المنطقة (أ) ولا يزال حتى طباعة هذا المقال.

أهم ما جاء في البيان هو في أن الطرفان إتفقا على استحداث آلية مشتركة للتصدي للعنف والتحريض و التصريحات التي تهدف إلى إشعال الموقف، و هنا يجدر التوقف قليلا عند تصريحات الوزير القوي في الحكومة الشريكة في إتفاق شرم الشيخ بتسيئيل سموترتش الذي يطالب بمحو بلدة حوارة جنوب شرق نابلس، والذي ألقى خطابا في باريس تزامن تقريبا مع لقاء شرم الشيخ، نقتبس منه القليل:  أن ليس هناك شعب فلسطيني، و أن الشعب الفلسطيني أكذوبة تم إختراعها قبل أقل من مئة عام بهدف التصدي للمشروع الصهيوني و للحيلولة دون عودة أصحاب الأرض الشرعيين (اليهود) إلى أرضهم و أرض آبائهم و أجدادهم، وأضاف صارخا: أريد أن يسمع ذلك من في قصر الأليزية و من في البيت الأبيض، بهذا رد سمترتش على آلية الحد من العنف و من التصريحات التي تهدف لإشعال الموقف، و إذا كان هذا رده فأفضل أن يأتي الرد عليه من قبل أبناء جلدته (إن توافرت مثل هذه الجلدة المشتركة) الأول المفكر و الفيلسوف اليهودي آرثر كوستلر الذي نشر نظريته حول العرق اليهودي عام 1976 في كتاب القبيلة الثالثة عشرة، يرى كوستلر أن اليهود الأشكناز - الذين يعود سموترتش بنسبه لهم- لا علاقة لهم من قريب أو بعيد بيعقوب و أبناءه الإثنا عشر (الأسباط) الذين كونوا لاحقا إثنتي عشرة قبيلة، و أنهم من شعب وثني كان يعيش على ضفاف بحر قزوين (الخزر) و أنهم تحولوا إلى اليهودية قبل حوالي أحد عشر قرنا.

شلومو ساند أحد أهم المؤرخين الجدد في (إسرائيل) يرى أن القومية اليهودية هي قومية ملفقة ولا أساس لها، وإنما اخترعها نظريا يهود ألمانيا الذين شاهدوا الوحدة القومية الألمانية التي قادتها بروسيا و مستشارها بسمارك في القرن التاسع عشر الذي عرف بعصر القوميات،  يرى ساند أن اليهود الحاليين لا يجمعهم وحدة سلالية أو جد موهوم مشترك، لا بل و لا علاقة لهم بيعقوب واسباطه أو باليهود الذين عاشوا سابقا على هذه الأرض قبل ألفي سنة و الذين تحول قسم منهم للمسيحية في العهد الروماني،  و تحول قسم آخر للإسلام في العصر الإسلامي و لم يبق على يهوديته إلا قليل منهم، شلومو ساند يرى أن عملية تمت على يد الصهيونية باختراع الشعب اليهودي وهذه العبارة هي عنوان كتابه الأول في ثلاثيته، التي يعانون جزئها الثاني: اختراع أرض إسرائيل و جزئها الثالث: كيف لم  أعد يهوديا.

عند صدور هذا المقال يكون قد بدأ شهر الصيام، و رابط الفلسطينيون في باحات المسجد الأقصى،الذي أكد البيان على احترامه وعلى دور الأردن التاريخي ثم الخاص في هذا المكان المقدس، وأضاف على ضرورة الالتزام بالحفاظ على الوضع التاريخي الراهن في الأماكن المقدسة دون تغيير قولا  وفعلا، فهل دخول المستوطنين اليومي إلى باحات الحرم القدسي وأدائهم شعائرهم التلمودية يمثل استمرارا لوضع راهن؟  المستوطنين من  قبل الاتفاق وبعده لا يحترمون المكان ولا يعترفون بحرمته ويقتحمونه بحماية شرطتهم لأداء شعائرهم التلمودية كل يوم و بما لا يتفق مع شرم الشيخ وما تحقق به من إنجاز فلسطيني.

اليوم ومع بداية الشهر يعلن آلاف الاسرى في سجون الاحتلال اضرابا مفتوحا، هؤلاء لم يدخلوا السجن بجريمة جنائية أو أعمال احتيال مالي، وإنما بسبب نضالهم ضد الاحتلال وبموجب انتماءات تنظيمية شاركت قياداتها في شرم الشيخ، فماذا فعلت من أجلهم؟

فمن نصدق؟