• 23 آب 2023
  • أقلام مقدسية

بقلم : أحمد صيام

وسط أعمال المقاومة الجارية في الضفة الغربية و حالات استهداف المستوطنين من قبل المقاومين الفلسطينيين وما يتلو ذلك من اجراءات اسرائيلية تعسفية بحق المواطنين، من اغلاق تام وفرض حصار مطبق عليها يطال الزائرين من مناطق العمليات ، طفى على السطح الفلسطيني من جديد موضوع الحاضنة الشعبية ، حيث تجلت النخوة الشعبية لدى المواطنين ، وسارع الأهالي للإعلان عن فتح بيوتهم لايواء العالقين ومن تقطعت بهم السبل للمغادرة ، حتى يأتي الفرج وينظر الله في أمر كان مفعولا .

هذه الحاضنة الشعبية ، ليست غريبة على ابناء شعبنا ، فقد تجلت على مر التاريخ ، ومنذ عهد الانتداب البريطاني والثورات الفلسطينية المتعددة التي أعقبت ذلك الاحتلال البريطاني ، ففي عقد الثلاثينات إبان ثورة عام 1936 استبدل الفلسطينيين الطربوش بالكوفية والعقال للتغطية على الثوار ، وكل منا يذكر كيف قام شبان القدس بحلق رؤوسهم للتغطية على فرار الشهيد علقم والذي استهدف جنود الاحتلال على حاجز مخيم شعفاط ، وكثير من النماذج التي تؤكد على اللحمة الاجتماعية بين أفراد الشعب الفلسطيني .

وبرهن شعبنا ، بالرغم مما كان يعصف به من انقسامات بالرأي أو الأيديولوجيا أو بالجغرافيا ، اكثر من مرة انه شعب غير قابل للقسمة ، و كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد ، ومتمسك بحقوقه غير القابلة للتصرف ، وعلى استعداد للتضحية بالغالي والنفيس وتشكيل حاضنة شعبية للمقاومة والمقاومين.

وأبعد من ذلك ، يمكن القول ، ان الشعب الفلسطيني اسقط كافة الرهانات الاسرائيلية ، وإفشال المؤامرات التي حيكت وما زالت تحاك من الاحتلال وأعوانه ، والسياسات التي دأبت حكوماته المتعاقبة والتي كانت ترمي الى القضاء على الحاضنة الشعبية وتغييب دورها او كأضعف الإيمان تحييدها عن دعم المقاومة ، وذلك عبر وسائل مختلفة ودك الاسافين الخبيثة بين ابناء الشعب الواحد ، ومحاولة اسقاط او افساد البعض ، وجرهم الى مربع بعيدا عن الوسط الجماهيري .

الحاضنة الشعبية ، لم تقتصر على إيواء العالقين ، إنما كان لها دور بارز في دعم المقاومة ورفع معنويات المقاومين ، ودفعهم الى الاقدام على مزيد من عمليات مقارعة الاحتلال ومقاومته وقض مضاجعه ، بإيمان مطلق ان خلفهم ظهير شعبي داعم لهم بكل ما يؤتى من قوة ، بالتالي هي تحد من محاولات سلطات الاحتلال الاستفراد بالمقاومين .

جملة من الأشكال تجلت فيها الحاضنة الشعبية ، ومجموعة من الفعاليات والنشاطات والمواقف مساندة للعمل المقاوم ، وفي معظمها تأتي انعكاسا مبادئ غير قابلة للمساومة ، و مواقف أيديولوجية تؤكد الانتماء الى ثقافة مشتركة بين أبناء الشعب الواحد ، ما يجسد القناعة لدى المقاومين بالظهير الشعبي المساند وعدالة القضية التي يضحون لاجلها بأغلى ما يملكون وفي المقدمة أرواحهم .

هذا التناغم بين الحاضنة الشعبية والمقاومة ، لم يرق للاحتلال وأعوانه ، فلجأت سلطات الاحتلال الى سلسلة من الإجراءات والتدابير للقضاء على هذه الحاضنة ، ومن أهمها سياسة العقاب الجماعي وفرض حصار مطبق وتقطيع أوصال المدن والبلدات الفلسطينية واعتقال العشرات من شيب وشبان وأطفال ونسوة ماجدات ، ووصل الامر احيانا الى ارتكاب مجازر بحق البشر والحجر ، في محاولة نتيجتها كانت محسومة بالفشل ، يائسة لبث الرعب في نفوس وقلوب عامة الناس ، ناهيك عن محاولات أيضا باءت بالفشل حتى اللحظة لتغييب الوعي الوطني وتهويد الإنسان والأمكنة وعبرتتها ، خاصة مدينة القدس ، وفرض وقائع جديدة تأمل سلطات الاحتلال في ديمومتها واحتلال العقل الفلسطيني .

فالوعي الوطني الجماهيري في تزايد ، وهو احد الاسلحة في مواجهة الاحتلال ، وشعبنا ضرب اروع واسمى آيات التضحية والفداء ، دعما واسنادا المقاومين ، بل صار يتغنى بالعمليات البطولية وينظم الاناشيد والاهازيج في مناسباته المختلفة ، ويسارع العامة الى توزيع الحلوى ابتهاجا بالعمليات البطولية ، وذلك ما هو الا تعبير عن مدى الظلم والقهر الذي يكابده الشعب الفلسطيني من ويلات احتلال ظالم ، ويسارع العامة ايضا الى ايواء اسر ذوي منفذي هذه العمليات فيما لو جرى هدم منازلهم ، مؤكدين ان الشعب الفلسطيني كالجسد الواحد اذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى .

من دون شك ان الحاضنة الشعبية احدى وسائل المقاومة الشعبية ضد الاحتلال ، تلك المقاومة التي لم يكف الرئيس محمود عباس والقيادة الفلسطينية ، عن الدعوة اليها بالرغم من ضبابية الدعوة بعدم وضوح استراتيجية واضحة وآليات هذه المقاومة ، وبالرغم من بعض حالات التفكك الاجتماعي التي تضرب المجتمع الفلسطيني والناجمة عن اختلاف الثقافات ودخول ثقافات مستوردة على مجتمعنا تتعارض وثقافته وبيئته وعاداته وتقاليده وقبل ذلك كله دينه ، تبقى الحاضنة الشعبية العنصر المشترك والجامع لجميع هذه الثقافات ، الأمر الذي يدفع الى التساؤل ؟ هل تستطيع هذه الحاضنة مواصلة الصمود أمام استهداف الاحتلال لها ؟

وسط حالة الانقسام الفلسطيني الجغرافي والأيديولوجيا الراهنة ، ووسط حالة الصراع " الناعمة " لأجل الخلافة والبقاء في سدة الحكم ، ووسط حالات الفشل المتكررة للمصالحة الوطنية ، ووسط حالة فقدان الثقة بين الهرم والقاعدة التي تعيشها الضفة الغربية وقطاع غزة ، وربما هناك العديد من المآخذ على الوضع الفلسطيني الراهن ، الا ان الشعب الفلسطيني ما زال محافظا على لحمته المجتمعية إلى حد ليس بكبير ولكن ليس بالقليل ، هذه اللحمة والمتمثلة وفق المعطيات بالساحة الالتفاف حول المقاومة وبذل الجهد المستطاع توفير حاضنة شعبية مجتمعية لها .

ولكن هل تعفى القيادة والمسؤولين من مسؤولياتهم و يتوقف الامر عند ذلك وحسب ، أم ان هناك خطوات لا بد منها تتحملها القيادة في كلا من الضفة وغزة وحتى ابناء شعبنا في الشتات بالرغم مما يكابده من معاناة شأنهم شأن باقي الشعب الفلسطيني في الوطن وكافة أماكن تواجده ؟

اولا : القيادة مطالبة باحتضان هذه الحاضنة وتعزيزها حتى لو استمر الانقسام ، مع أنه لو كان هناك نوايا حسنة تصب في المصلحة الوطنية العليا من جميع الأطراف ، لا بد من انهاء هذا الانقسام فورا ومواجهة التحديات التي لم يسبق لها مثيل في الحالة الوطنية الفلسطينية !! الا ان اضعف الايمان هو دعم رسمي لهذه الحاضنة ما يعزز من العمل المقاوم الشعبي وتعزيز الوعي الوطني خاصة لدى عنصر الشباب ، بصرف النظر عن الاختلاف الأيديولوجي .

ثانيا : الاتفاق على برنامج وطني متفق عليه من الجميع يعزز من العمل المقاوم والحاضنة الشعبية ويواجه مخططات الاحتلال ، وبالوقت نفسه من شأن ذلك ان يقلص الفجوة بين الهرم والقاعدة ويعزز من الالتفاف حول المشروع الوطني .

ثالثا : وضع خطط تراعي الوضع الداخلي والإقليمي والعربي والدولي ترمي الى تطوير العمل المؤسساتي خاصة تلك العاملة في الميدان الاجتماعي والمجتمعي وذلك من شأنه خلق آليات تواصل بين المؤسسة الرسمية والمؤسسات المجتمعية الداعمة للحاضنة الشعبية .

محاولات الاحتلال بكل تأكيد لن تكف عن مطاردة المقاومين و حاضنتهم الشعبية ، واتخذت هذه المحاولات أشكالا مختلفة ، سياسية واقتصادية وجغرافية لالغاء دور الحاضنة الشعبية ، لكنها أغفلت ان الشعب الفلسطيني حي لا يموت وثورته انطلقت لتبقى وتنتصر طال الزمان ام قصر ، ولا يقاوم عن عبث انما لانتزاع حقوقه المسلوبة ولا يطلب سوى حريته وكرامته ، وإجراءات الاحتلال مهما بلغت قسوتها الى زوال ، واثبت شعبنا انه وحدة واحدة غير قابلة للقسمة ، تجمعه مظلة الوحدة الوطنية ، مسقطا رهان المحتل بخلق فجوة بين الشعب والمقاومة على غرار تلك التي نجح فيها حتى اللحظة الآخذة بالاتساع بين القيادة والقاعدة