• 28 أيلول 2023
  • أقلام مقدسية

 

بقلم : أحمد صيام 

تتسارع وتيرة حملات الانقضاض على القضية الفلسطينية من كل صوب وحدب ، من العرب والعجم ومن الشقيق وابن العم ، املا في انهائها ومحو الهوية الفلسطينية الوطنية ، وباتت السفينة الفلسطينية تبحر دون وجهة واضحة ، تتلاطمها امواج عاتية ، ربانها غير قادر على ارسائها الى شاطىء الامان ، يقف امام دفتها يحرفها يمينا ويسارا ولكن دون جدوى .. 

الفلسطينيون حائرون ، تائهون ، منقسمون ، عاجزون ، مضطهدون ، يتخبطون ، يواجهون مصيرهم وحيدين ، ينشدون عدالة محرمة عليهم محللة لغيرهم ، تكالبت عليهم الدول واستبدلت قضيتهم السامية من وطن محتل وشعب تشرد في اصقاع الأرض وثار ينشد العدالة ويصبو الى الحرية ، الى قضية ضرورات إنسانية واحتياجات ملحة ، ومصالح مرتبطة بمصلحة اعدائهم ، وصل الحال ببعضهم ان يستبدل كوفيته " بالبرنيطة " ومن النطق بلغة الضاد إلى لغة " العم سام و سعفص قرشت " .. وبعضهم يتسلح بالدين والوطنية خداعا لتبرير تخاذله وتواطئه مع محتل خطط ونجح بامتياز في جعل قضيته داخلية محلية يعالجها بالرؤية التي يراها مناسبة ، عدو نجح في الهائه بأمور ثانوية زائفة زائلة ليصرف نظره عن مقارعته ، ولعل أبسط برهان على ذلك ، الخارطة التي رفعها رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو أثناء كلمته أمام الجمعية العامة للامم المتحدة - والتي من المفترض انها والمدافع الاساسي عن حقوق الشعوب المضطهدة وعدالتهم وحريتهم - ، دون اي اشارة الى فلسطين والفلسطينيين . 

الفلسطينيون جغرافيتهم تبعثرت بين ( أ  ب  ج ) حتى باتت وشيكة على التلاشي . 

ديموغرافيهم عيونها الى البحر ممرا محفوفا بالمخاطر هروبا إلى مستقبل غامض والاغلب انه مظلم . 

احرارهم أغلقوا أفواههم وصموا آذانهم ، و تغاضوا عن شرور اغيارهم ، الذين كانوا يوما شركائهم في درب الحرية لكنهم انضموا إلى درب "ابي رغال" !! بندقيتهم استبدلوها بأوراق شجر الغرقد !! أقصاهم بات في مهب الريح ، من تقسيم زماني الى تقسيم مكاني الى مكان على وشك ان يحرم المسلمون من الصلاة والتعبد فيه !!   قيامتهم لا تكف عن قرع أجراس الحزن وملح الارض الفلسطينية يصارع من أجل وجوده الذي بات مهددا بالتلاشي !! اسراهم ، الشهداء الأحياء يلاحقهم الجلاد الظالم في أبسط احتياجاتهم ويصارعون وحيدين بلا مدد رسمي او شعبي يرقى الى مستوى تضحياتهم ، سوى كلمات مبعثرة هدارة تارة ، وتارات عدة ركيكة لا تغني ولا تسمن من جوع !! مجتمعيا ، تتنامى في عقولهم الانفلات والفلتان والابتعاد عن الانضباط و أخذ الحق باليد 

أشقائهم يتهافتون ويلهثون لاسترضاء اولاد العم الذين لا يدخرون جهدا في استثمار الواقع المأساوي المؤلم لرسم خارطة ونظام جديد  تحت مظلتهم يحققون ما كانوا وما زالوا يحلمون به ، قائم على استغلال وتوظيف ثرواتهم وترك الفتات لهم يؤمنون منه قوتهم اليومي . 

أما من يطلق عليهم الاصدقاء ، فهم نوعان : الاول ، شاءت ظروفه ان يكون في يوم من الايام شريكا في المعاناة وكابد من ويلات مماثلة ولكن لا حول ولا قوة ولا تأثير له ، والآخر يدعي بالعلن انه داعم ومدافع ولا يتأخر عن التنديد والاستنكار والشجب ، ولكن في الخفاء مخالف بشكل كلي لما يظهره بالعلن ، بل يكيل بمكيالين و يساوي بين الضحية والجلاد في أحيان كثيرة ويذرف دموع التماسيح حزنا في احيان اخرى ، وفي نفس الوقت يحتسي نخب الخديعة ولا يكترث إلا لمصالحه حتى لو كانت على حساب معاناة شعوب أخرى . 

لا يختلف اثنان على تردي الوضع الفلسطيني ، وحالة التيه التي تعيشها القيادة ، وحالة اللامبالاة المخيمة على الشعب باستثناء بعض المناوشات هنا وهناك ، - صحيح أنها تؤرق الاحتلال وتقض مضاجعه أحيانا ، لكنها تفتقر لظهير وطني يساندها ، ما يجعل من مناوشاتها " خفيفة الظل " – وترهل الحركة الوطنية الفلسطينية بكل الوانها واطيافها ، - وحتى الاسلامية طالها الترهل - لأسباب عدة على رأسها الاحتلال واستهدافه للكل الفلسطيني بشتى الاشكال . 

ردات الفعل الفلسطينية الرسمية لا تتجاوز حدود بيانات الادانة والشجب ، ومناشدة المجتمع الدولي بتحمل مسؤولياته وتطبيق شرعيته المحرمة على الفلسطينيين والمحللة على كل من يفكر او يحاول التمرد على السياسات الغربية الاستعمارية ، من العرب والمسلمين وأحرار العالم . 

والسؤال الذي يطرح نفسه ، هل ستستمر سياسة استجداء المجتمع الدولي والتعويل عليه ؟ كم من قرار اتخذته الشرعية الدولية لصالح القضية الفلسطينية ؟ كم من قرار جرى تنفيذه لصالح الشعب الفلسطيني ؟ ألم ندرك بعد ان لغة الاستجداء يستسخف بها المجتمع الدولي ؟ الم نصل بعد الى نتيجة حتمية ان هذا المجتمع الظالم لا يفهم سوى لغة القوة !! 

لطالما حظيت القضية الفلسطينية بالتأييد العالمي والدولي ، وأصدرت الشرعية الدولية قرارت عدة أكدت على حقوق الشعب الفلسطيني المشروعة على أرضه ، وأدانت كافة أشكال الاحتلال والزحف الاستيطاني في فلسطين ، والممارسات اللاإنسانية !! ولكن جميعها بقيت حبر على ورق !! وابعد من ذلك فان هذه الشرعية الدولية تختفي اذا ما تعلق الامر باسرائيل بحجة الحفاظ على أمنها كونها " مهددة " من جيرانها ، فيما تستأسد ذات الشرعية اذا ما تعلق الامر بفلسطين والعرب !! 

ألم ندرك بعد ان الولايات المتحدة الأمريكية الراعي الوحيد لما بات يسمى عملية السلام غير حيادية وما يهمها الحفاظ على امن واستقرار دولة الاحتلال ليتسنى لها القيام بالدور الذي أنشأت لأجله ، حتى تتفرغ لسياساتها في السيطرة على موارد الشعوب وتفكيك الأحلاف المعادية لها وتمزيقها . 

 من دون شك ان هناك انسداد في الأفق السياسي ، والمجتمع الدولي بات غير مكترث ولا يبالي لما يجري في الساحة الفلسطينية ، والسبب في ذلك هو ما وصلت اليه الحالة الفلسطينية من ترهل وانقسام وفساد دك مفاصلها من جميع الجهات أضر بسمعتها وتراجعت اولويتها . 

من دون شك ان العدو ومن يعاونه لا يعرف سوى لغة القوة !! فما هي نقاط القوة التي يمتلكها صاحب الحق وسط حالة التشرذم الداخلي والانقسام وفقدان الثقة أمام باطل ينمو على فطرياتنا العفنة !! وامام الانسداد - حتى اللحظة - في أفق ترميم البيت الداخلي والأمور تسير نحو الانفلات والفلتان ولعل ما جرى ويجري في الخليل نموذج صارخ وناقوس خطر يستدعي التوقف عنده !! 

الشعب الفلسطيني يملك نقاط قوة عدة ، ولعل أهمها إيمانه بحقوقه الشرعية والتمسك بها - وما حق يضيع ووراءه مطالب - ولكن وقبل كل شيء لا بد من الاهتمام بالوضع الداخلي وترميمه والعمل بجدية ووطنية لاستعادة الثقة وجسر الهوة ما بين القاعدة والهرم ، وهذا يتطلب توفر ارادة قوية ونوايا وطنية صادقة لتنظيف البيت الفلسطيني واعادة ترتيبه وتوحيد الصف الوطني وتعزيز القدرات الفلسطينية لمواجهة ما يحاك ضد الشعب الفلسطيني .

 فالوحدة الوطنية أهم نقاط القوة الفلسطينية ، ومن ثم البدء بعملية مصالحة داخلية حقيقية بعيدة عن التجاذبات والمناكفات السياسية والحزبية ، واختيار من يمتلك القدرة والدافع الوطني الخالص وصولا الى رص الصفوف وتوحيد وتعبئة الجهود النضالية الكفاحية لكافة مكونات الشعب الفلسطيني وعمل جماعي يعمل على صياغة برنامج وطني متوافق عليه من كافة القوى الوطنية والاسلامية لا يستند الى المطامع الحزبية ، بل قائم على اعادة الهيبة للقضية الفلسطينية عبر منظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني ، وجمع شمل فصائلها ورفدها باجيال شابة تتمتع بحس وطني وأجندة فلسطينية وطنية بحتة وعلى أساس حوار وطني شامل يصل إلى برنامج وطني متوافق عليه لإعادة القضية الفلسطينية على سلم الأولويات على الصعد المحلية والعربية والدولية .

وقد يخرج البرنامج الوطني المتوافق عليه إلى فكرة عصيان مدني تبادر إليه رموز قيادية وطنية ، كإعلان الإضراب المفتوح عن الطعام أمام مقرات الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي ولو طال أمده ، تشارك فيه سفاراتنا في الخارج بمجموعة من الفعاليات المساندة ، ومدعوم بمجموعة من الطلبات على رأسها تطبيق قرارات الشرعية الدولية المتعلقة بالقضية الفلسطينية وإلزام سلطات الاحتلال بها ، ومحاسبتها ايضا على جرائمها بحق أبناء الشعب الفلسطيني أمام محكمة الجنايات الدولية ، والإفراج عن جميع الاسرى والمعتقلين او كحد ادنى معاملتهم معاملة اسرى الحرب وعدم الاستفراد بهم . 

الحالة الفلسطينية تاريخيا ، حافلة بمثل هذه الفعاليات ، وللتذكير الإضراب عن الطعام الذي قاده المرحوم الشهيد فيصل الحسيني ، أمير القدس ، في أيار 1990 ، في مقر الصليب الأحمر بالقدس ، احتجاجا على مجزرة عيون قارة ، وضم عدد كبير من الشخصيات الوطنية والفعاليات الشعبية ، ومن قبله الإضراب الطويل الذي خاضته فلسطين عام 1936 احتجاجا على الهجرات اليهودية الى فلسطين ، وشواهد نضالية وطنية كثيرة لا حصر لها .