• 21 تموز 2024
  • أقلام مقدسية

 

 

بقلم : تحسين يقين

 

ترى ماذا سيفعل الوسطاء وهم يستخلصون نوايا الاحتلال في الحرب الأكثر قذارة في التاريخ على غزة؟

أما الاستخلاص فهو: إطالة أمد المفاوضات هو لكسب وقت لإفناء الغزيين والغزيات وتدمير ممتلكاتهم بل وتخريب الأرض الزراعية، لا لتحرير الأسرى.

هو استخلاص المتابعين والمراقبين، وبالطبع هو ليس اكتشافا.

ماذا نحتاج من أدلة حتى يتعمق إيماننا بأن الاحتلال لم يغير نواياه تجاه بلادنا؟ 

وبلادنا التي أقصدها ليست فقط فلسطين المحتلة، بل بلادنا العربية، التي شاءت النظم فيها أو لم تشاء، فإن خلاص كل قطر عربي مرتبط بخلاص فلسطين؛ فلم يغير الاستعمار نواياه ولا مقاصده. إنه استلاب لم يستثن أحدا. وما دام حالنا العربية هكذا، فليس أمام أبناء العروبة وبناتها إلا إسناد فلسطين، وليس في ذلك إلا تقوية للبقاء العربي القومي المهدد. ولا نظن أن كلامنا هذا من قبيل الإنشاء والخطاب، بل تلك هب الحقيقة الأكثر سطوعا.

ظل الاحتلال مؤمنا بأن فلسطين أرض بلا شعب لشعب بلا أرض، ولا تهمه الحقائق، كما لا يهمه كيف يرى العالم هذه الأرض أمس واليوم وغدا. وهو بغروره يظن نفسه آلهة تقرر مصير الكون، فما على المتفجرات إلا تنفيذ المقولة من خلال القتل الجماعي، الذي تعول عليه الدولة المحتلة بأن يدفع شعبنا للرحيل، ليس من غزة والضفة، بل من الجليل والنقب والمثلث، بل ومن مخيمات اللجوء في سوريا ولبنان والأردن ومصر. 

لم تكن فلسطين أرضا بلا شعب في يوم من الأيام، كما لم يكن اليهود شعبا بدون أرض، فقد عاشوا في بلاد الله وكان لهم حضور لافت.

أما غزة التي يراد لها أن تكون أرضا قليلة، وشعبا أقلّ، (تم اقتطاع ثلث غزة في مباحثات الهدنة)، فيبدو أنه مهما قلّ أهلها، فإنها لن تصبح غزة بلا شعبها.

في كل يوم نسمع عن أحاديث لا نعلم دقتها، لكن كما يقول المثل الشعبي "فش دخان بدون نار"، نسمع عن خطط تهجير تتم عبر عرض جزء من أهل غزة على الدول الشقيقة وغيرها، كأننا ثقل ينبغي التخلص منها. ونحن كذلك ثقل على الاحتلال:

"هنا ..على صدوركم،  باقون كالجدار

وفي حلوقكم كقطعة الزجاج، كالصبار
وفي عيونكم زوبعة من نار
هنا .. على صدوركم، باقون كالجدار"

رحم الله شاعرنا الكبير توفيق زياد، الذي نعيش معه قصيدته القديمة الجديدة الخالدة "كأننا عشرون مستحيل".

وبعد هل فعلا هناك ما يفاجئنا من قرار الكنيست الإسرائيلي بالتصويت ضد الدولة الفلسطينية؟ وهل فوجئنا في شباط 2024 رفض الكنسيت الاعترافات الدولية "أحادية الجانب" بالدولة الفلسطينية؟

ينص القرار الجديد (القديم طبعا) على أن "الكنيست يعارض بشدة إقامة دولة فلسطينية غرب الأردن"، ويعتبر أن "إقامة دولة فلسطينية في قلب أرض إسرائيل سيشكل خطرا وجوديا على دولة إسرائيل ومواطنيها، وسيؤدي إلى إدامة الصراع الإسرائيلي الفلسطيني وزعزعة استقرار المنطقة".

لنتأمل في تعليق رئيس حزب "اليمين الرسمي"، جدعون ساعر على تبني الهيئة العامة للكنيست للقرار، حينما قال، "إن القرار يهدف إلى التعبير عن المعارضة الشاملة الموجودة لدى الشعب الإسرائيلي لقيام دولة فلسطينية من شأنها أن تعرض أمن إسرائيل ومستقبلها للخطر، مخاطبا العالم بأن "الضغوط (الدولية) الرامية إلى فرض دولة فلسطينية على إسرائيل لن تجدي نفعا". 

إذن هذا إعلان صريح بأن إسرائيل المحتلة، حكومة ومعارضة، تقاوم الدولة الفلسطينية، وتعلن أنها ضد حق تقرير المصير، في وقت لا يريد مجتمع الاستيطان اليهودي في فلسطين أية حلول، فلا حل الدولتين، ولا حل الدولة الواحدة. (فقط أرض أقل للفلسطينيين الذين بتم استيعابهم عملا في الورش والمصانع والمزارع). 

على شاطئ غزة، يظهر مدّ الموجات، ويظهر الجزر الكثير مما كتب ومحته موجات الغزيين من قرن ربما، نقرأ:

"أنهى الجيش الأميركي إنهاء مهمة الرصيف العائم الذي شيّده قبالة ساحل قطاع غزة، بزعم توصيل المساعدات إلى القطاع، مشيراً إلى أنّ "المساعدات سيتم نقلها عبر السفن التي تبحر من قبرص إلى ميناء أسدود. وبحسب ما صرّح به برادلي كوبر، وهو نائب قائد القيادة المركزية الأميركية، فإنّ المساعدات التي تصل إلى أسدود "ستُنقل بعد ذلك بالشاحنات التي تعبر شمالي قطاع غزة"

وسواء أبدى الرئيس الأميركي، جو بايدن، "خيبة أمله من فشل الرصيف في إيصال المساعدات إلى القطاع"، متمنياً لو أنّه كان "أكثر فعاليةً". أو لم يبديها، وسواء سنصدق أنّ إعلان إنهاء مهمة الرصيف الموقّت يأتي بعد تعرّضه لظروف جوية صعبة، أدت إلى جرف أجزاء منه، أو لا نصدق، فإن هناك كما يبدو أن هناك ظروفا أخرى غير جوية سرّعت بالقرار.

وهكذا، في ظل مفاوضات جادة أو غير جادة، فإن الهدف هو أن تحتكر دولة الاحتلال ما ستفعله بفلسطين، فهي المؤتمنة على حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره في اليوم التالي، لذلك فهي في ظل نفي اليومي للحياة بغزة، فإنها، وخلافا ما يصرح به قادة الاحتلال، تقترب كل يوم من إضعاف المقاومة المحاصرة، لذلك فإنها في لحظة مؤاتية ستعلن وقف إطلاق النار من جانب واحد، فيما ستستمر الاغتيالات، ولربما ستنسحب من معظم أراضي غزة باستثناء الممرات الضرورية لتحرك الآليات العسكرية.

ماذا سيترك الاحتلال لغزة؟

سيترك لها تدافع الناس على الخبز والماء والدواء، وستدفع الشعب لمفاوضات تتعلق بالحياة اليومية، لا المفاوضات السياسية التي تتعلق بمصير شعب. 

هكذا يخطط الاحتلال، لكن موجات البحر الإنساني المقاوم هنا، وموجات التضامن مع فلسطين في العالم، وكل ما يندرج تحت (الإشغال والمساندة)، لن يترك الاحتلال يحقق هدفه الظلامي غير الإنساني أبدا.

إن شعبا عريقا لم يستسلم ولن يفعل ذلك، يعني أنه في طريقه للخلاص.

بقي أن نحسن المرور معا في هذا الطريق؛ وكل بما وهب وكل بما يستطيع، وسيكون الكل الفلسطيني صلبا تتكسر عليه النوايا الهشة والانتماء الزائف.