• 7 أيلول 2024
  • أقلام مقدسية

في إطار التعاون بين جريدة "اخبار البلد" المقدسية والمؤسسات الأكاديمية الفلسطينية من أجل صقل المهارات والقدرات المهنية للطلبة في المجالات المختلفة بما في ذلك الإعلام وتمكين الطلبة من إيصال رسالتهم للجمهور ، فإن جريدة " أخبار البلد"  تقوم  بنشر سلسلة التقارير والمقالات والحوارات الخاصة  لمجموعة مميزة من الطلبة في جامعة بوليتكنك فلسطين ، هذه المقالات والتقارير والحوارات  ذات طابع علمي واجتماعي واقتصادي هام.  

 وفي هذا المقام نخص بالشكر على انجاح  هذه المبادرة الأولى من نوعها في التعاون الصديق العزيز الدكتور "نزار الحرباوي"  وهو الإعلامي الناجح الذي عرفناه في مجالات الإعلام المختلفة المحلية والدولية وفي المجال الأكاديمي أيضا.

 

بِقلم: تالا نمر مرقه

رؤيةٌ محدثةٌ للواقعِ تقودُنا إلى استنتاجٍ مفادُهُ أنَّ الأحلامَ الورديةَ لا يمكنُ تحقيقُها إلا من خلالِ الجدِّ والمثابرةِ ومن خلالِ سعيٍ دؤوبٍ يختزلُ المسافاتِ ويحطُّ بنا على شواطئِ الأملِ، وهذا الأمرُ لا يأتي من خلالِ تفكيرٍ زائدٍ دونَ عملٍ يقودُ إلى نتيجةٍ أو مسارٍ لا تقودُه وتضللهُ الرؤيةُ وهو ما يجعلُ من الإنسانِ قيمةً حقيقيةً تسمو به فعلاً لا قولاً بأنه قادرٌ على تحويلِ الأحلامِ إلى حقيقة.

الصناعةُ مكلفةٌ, وأعظمُ صناعةٍ هي صناعةُ النجاحِ. إنَّ البعدَ المؤسسيَّ الذي يسودُ مجتمعَنا العربيِّ عموماً وفي واقعِنا الفلسطينيِّ على وجهِ التحديدِ يقودُنا إلى خلاصةٍ واضحةٍ هي أنَّ الارتجالَ سمةٌ فارقةٌ وأنَّ هذا الارتجالَ غيرُ المدروسِ والانتشار على مستوى المساراتِ والاتجاهاتِ ومجالاتِ الاهتمامِ بهذه الشركاتِ، إضافةً إلى توزعِها ما بينَ الشركاتِ العائليةِ والتجاريةِ الصغيرةِ والشركاتِ الكبرى القابضةِ يجعلُ من هذه العشوائيةِ صورةً مشوهةً للواقعِ الاقتصاديِّ العامِّ، تحتاجُ بكلِّ تأكيدٍ إلى إعادةِ هيكلةٍ على المستوى العامِّ، ولكنها على المستوى المؤسسيِّ والفرديِّ تحتاجُ إلى عملٍ ناضجٍ وتشبيكٍ هادفٍ لتحقيقِ الغاياتِ المنشودةِ بكلِّ فردٍ ومؤسسةٍ.

حديثي عن التشبيكِ هنا أو ما يُعرفُ باللغةِ الإنجليزيةِ بـِ Networking حديثٌ يدفعني إليه مجالُ تخصصي في العلاقاتِ العامةِ ورغبتي في بناءِ نموذجٍ قابلٍ للحياةِ في مجالِ الاستفادةِ مما هو متاحٌ لتحقيقِ أعلى سقفٍ ممكنٍ من الإنجازِ. وهنا أجدُ أنَّ رسالةَ العلمِ التخصصيِّ وهويةَ النجاحِ تكمنُ بصورةٍ أساسيةٍ في أن يتمَّ هضمُ هذا المصطلحِ وحسنُ التعاملِ معه لكي تتمَّ قولبةُ منظومةٍ تشبيكيةٍ هادفةٍ يمكنُ من خلالها تحديدُ مقياسِ النجاح.

إنَّ أولَ أبجدياتِ العملِ الإداريِّ هي أشكالُ بناءِ الأهدافِ المرسومةِ لأيِّ قطاعٍ وشركةٍ وهذا لا يتمُّ إلا من خلالِ معرفةِ الإداراتِ العليا بأهدافِها ثمَّ حسنُ قراءتِها للبيئةِ والواقعِ ومعرفةُ نقاطِ الضعفِ والقوةِ فيها من خلالِ تحديدِ الجسورِ الممكنةِ للربطِ بينَ القطاعاتِ المتشابهةِ أو المؤسساتِ التي يمكنُ أن تتلاقى على أهدافٍ معينةٍ. وما بينَ النضجِ في الرؤيةِ وما بينَ تحقيقِها مساحةٌ للتأملِ والتخطيطِ وحسنِ الإدراكِ والتنفيذِ.

في عالمِ العلاقاتِ العامةِ العصريِّ، يمثلُ التشبيكُ المؤسسيُّ دعامةً أساسيةً في التعريفِ بمكانةِ الشركةِ وقدراتِها وحيويتِها واستعداداتِها للمستقبلِ ويعتبرُ التشبيكُ الهادفُ والمدروسُ رسالةَ فهمٍ من الشركةِ لواقعِها ورغبةً حقيقيةً منها في اختزالِ المواردِ وتعزيزِ القدراتِ وتطويرِ الكادرِ، والبحثِ في الخياراتِ المستقبليةِ، وتطويرِ مجالاتِ العملِ من خلالِ التكاملِ وتضافرِ الجهودِ وتوفيرِ الإمكاناتِ والمواردِ اللازمةِ.

في ظلِّ التحولاتِ السريعةِ التي يشهدها العالمُ اليوم، تُصبحُ القدرةُ على التكيفِ والابتكارِ عنصرين أساسيين لتحقيقِ النجاحِ في أيِّ مجالٍ، خاصةً في بيئةٍ اقتصاديةٍ وتكنولوجيةٍ معقدة. وهنا يبرزُ دورُ التشبيكِ المؤسسيِّ ليس فقط كأداةٍ لتحقيقِ التكاملِ وتعزيزِ التعاونِ، بل كوسيلةٍ لتطويرِ استراتيجياتٍ مرنةٍ تُسهمُ في تجاوزِ التحدياتِ الراهنةِ واستشرافِ فرصٍ جديدةٍ في المستقبل. فالقدرةُ على بناءِ علاقاتٍ استراتيجيةٍ مع شركاءٍ متنوعين واستخدامِ هذه العلاقاتِ كرافعةٍ لابتكارِ حلولٍ إبداعيةٍ تتوافقُ مع التغيراتِ المستمرةِ، هي ما يميزُ الشركاتِ القادرةِ على البقاءِ والنموِّ في ظلِّ ظروفٍ غيرِ مستقرة. وهذا يتطلبُ من القياداتِ الإداريةِ التركيزَ على تعزيزِ مهاراتِ التشبيكِ لدى فرقِ العملِ، وتطويرِ ثقافةٍ تنظيميةٍ تُشجعُ على التعاونِ والانفتاحِ على تجاربِ الآخرين، مع التركيزِ على تكوينِ شبكاتٍ مهنيةٍ قويةٍ تمتدُّ داخلَ المؤسساتِ وخارجَها.

إنَّ دعوتي في هذا اليومِ لاستثمارِ ما هو متاحٌ لدى الشركاتِ في مجالِ القدراتِ العقليةِ والتسويقيةِ والتخطيطيةِ لديها في رسمِ الأهدافِ المشتركةِ على قاعدةِ الربحِ المشتركِ، وتنظيمِ الجهودِ ومنعِ التكرارِ المملِّ فيها يعطي لكلِّ قطاعٍ من قطاعاتِ الاقتصادِ الناشطِ روحاً جديدةً يبثُّ فيه الأملَ بإمكاناتٍ مستقبليةٍ وفتحِ أسواقٍ مستحدثةٍ والارتقاءِ بالعاملينَ في هذا المجالِ على مستوى الأفرادِ والمؤسساتِ إلى مستوياتٍ أرقى وأشملَ.

إنَّ مصطلحَ Networking المنبثق عن خبرةٍ بشريةٍ تراكميةٍ يمثلُ حصادَ تجاربِ أممٍ وشعوبٍ يدفعُنا في فلسطينَ إلى اقتناصِ الاسمِ وتطويرِ المحتوى لنصنعَ نماذجَنا الرياديةَ الخاصةَ، بحيثُ يستكملُ كلُّ باحثٍ وعاملٍ في مجالِ العلاقاتِ العامةِ رسمَ مخططِه الذاتيِّ ورؤيتَه لشكلِ التعاملِ المطلوبِ مع المؤسساتِ وآليةِ التشبيكِ الفاعلِ معها بما يحققُ قفزةً نوعيةً لها في بناءِ واقعِها ومستقبلِها. وهنا أوجهُ الرسالةَ مباشرةً إلى طلبةِ الجامعاتِ ليبادروا من خلالِ أبحاثِهم العلميةِ ومشاريعِ التخرجِ في طرحِ هذا الموضوعِ كأولويةٍ اقتصاديةٍ ناظمةٍ، فهِمةُ الشبابِ وتوثبُهم وروحُهم الجديدةُ وتمكنُهم من التقنيةِ العصريةِ يمَّكنُ لهم ابتكارُ النموذجِ المحددِ وغيرِ المستنسخِ من صناعةِ المجالِ المرتبطِ باسمِهم.