- 22 أيلول 2024
- أقلام مقدسية
بقلم : تحسين يقين
ترى ما الذي تعده دولة الاحتلال لشعوب عربية أخرى غير لبنان، حتى لتلك الشعوب التي لنظمها علاقات سلام معها؟
وهل كانت غير ذلك حتى مع فلسطينيي عام 1948، الذي تعتبرهم مواطنين في دولتها!؟ هل يعرف أبناء العروبة ماذا تصفهم إسرائيل؟
إنها تصفهم في أدبياتها الاستراتيجية بالأكثر خطرا عليها! واهم من يظن أن الاحتلال يفرق بين هذه الدولة أو تلك، فكما أعدّت إسرائيل خطتها على موبايلات اللبنانيين، فإن هناك خطط تكنولوجية نائمة، تحتاج فقط إلى إيقاظ عند الحاجة للتهديد والإرهاب.
ما تفعله إسرائيل يتم من خلال القوة. أما ما تفعله الدول أو لا تفعله، فإنه يتم من خلال التخويف على أكثر من صعيد: عسكري واستخباراتي واقتصادي وسياسي. أي أن "بلطجي الحارة" يحكمها بالقوة، "فإن لم تنفع القوة، فلا بد من المزيد منها" على حد نصيحة أرئيل شارون.
وهكذا فإن المحتلين يلتزمون الوصايا الجديدة غير الإنسانية، زاهدين بأية وصايا إنسانية مقدسة. "العربي الجيّد هو العربي الميت"، ترى من الذي أطلق هذه العبارة؟ من خلال محرك بحث جوجول، عرفت أنه شعار سريّ لأعضاء منظمة "غوش إيمونيم" اليمينية المتطرفة التي نشطت في الثمانينات.
ونضيف: والعربي المقبول هو العربي المستسلم. بانتظار رفع الراية البيضاء من الجميع، الفلسطينيين جميعا والعرب جميعا، ومن هم في حكمهم: الدول الإسلامية. صوت العقل لا تريد أن تستمع له دولة الاحتلال؛ لأنها لا ترى إلا نفسها، وبالطبع هي لا ليس فقط لا ترانا في مكاننا، بل لا ترى معظم العرب والعالم. ألف باء أي صراع هو الوصول إلى تسويات؛ إلا دولة الاحتلال، فهي فقط تريد الاستسلام التام، وإلا...!
لذلك قدمت إسرائيل عرضا جديدا للولايات المتحدة يتضمن "الخروج الآمن لرئيس حركة حماس يحيى السنوار من غزة، ونزع سلاح القطاع وتطبيق آلية إدارة للقطاع وإنهاء الحرب، مقابل إطلاق سراح جميع المحتجزين الاسرائيليين دفعة واحدة، وإطلاق سراح أسرى فلسطينيين".
إنه الاستسلام، وفقط الاستسلام. هذا ما تفكر به دولة الاحتلال، المعتمدة فقط على القوة، وعلى الحلفاء الأقوياء. والسؤال: هل سيتحقق ذلك فعلا حتى في ظل الترهيب من قول أو فعل؟ ثمة سؤال آخر: هل تحقق الاستسلام فعلا حتى بعد استخدام القوة المفرطة؟
كانت صدمة العالم تجاه الجريمة التي تمت في لبنان، أقل بسبب الجرائم الفظيعة التي ما زالت ترتكب حتى الآن على مدار عام.
لم يشبع القتلة من سفك الدم البريء في قطاع غزة، وهذا أمر في أشد الغرابة، كونه ينبئ عن نفسية وصلت حدّ عدم المبالاة لا بالإنسانية ولا بالقوانين ولا بالدول العربية والإسلامية بل ولا بالعالم.
ربما هي صدمة تكنولوجية فيما يخص تواصل أنصار حزب الله اللبناني، ولكن في ظل جهود العالم للتهدئة، فإن إصابة المدنيين وقتلهم في لبنان لا يعني إعادة مستوطني الشمال، بل تعميق النهج الإسرائيلي:
الإرهاب، والمزيد منه، فلا ندري ما الذي تخبئه من إرهاب جديد؟
ما الذي يمكن قراءته؟ منذ بدء اتفاقيات السلام من عقود خمسة، فإن إسرائيل تعمق يوميا ما صارت تنجح به، ألا وهو عزل العرب عن فلسطين، عن طريق إشغال العرب بمشاكل، إضافة للتخويف الدائم منها ومن حلفائها.
تريد الاستفراد بفلسطين تفعل بها ما تريد ضاربة بالبعد القومي عرض الحائط؛ فلا يجوز أن تدعم الدول العربية شعب فلسطين الأعزل إلا من إرادته، في حين يتم دعمها من الدول القوية، ولها أن تشتري المزيد من الأسلحة دون قيد أو شرط ناهيك عما يهبه حلفائها. إبعاد الدول العربية عن فلسطين هو نهج صهيوني، لأن الاحتلال بذلك يسعى إلى استسلام الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة تحديدا.
ولأننا هنا في هذه الأرض التي ابتليت بهذا الاحتلال ما زلنا مؤمنين بحقوقنا، وما زلنا مؤمنين بقوميتنا العربية، و بإنسانيتنا كوننا شعبا عريقا ينتمي الى هذا العالم القديم والمعاصر، فإننا سنبقى ولن نتبخر أبدا؛ فالشعوب دوما تنتصر إلا إذا طبقت إسرائيل شعار "غوش ايمونيم" وأبادة العرب. فهل ستبيد إسرائيل العرب؟
" سجِّل: أنا عربي ورقمُ بطاقتي خمسونَ ألفْ وأطفالي ثمانيةٌ وتاسعهُم..
سيأتي بعدَ صيفْ! فهلْ تغضبْ؟"
نعم يا محمود درويش، إنه غضب وما زال يغضب حتى قبل إصدارك ديوان "أوراق الزيتون" عام 1964.
كان محمود درويش عظيما في قصيدته، لما تحمله من معاني البقاء والتجذر، والتحدي: :سجِّل! أنا عربي سلبتُ كرومَ أجدادي وأرضًا كنتُ أفلحُها أنا وجميعُ أولادي ولم تتركْ لنا.. ولكلِّ أحفادي سوى هذي الصخورِ فهل ستأخذُها حكومتكمْ.. كما قيلا؟
إذنْ سجِّل.. برأسِ الصفحةِ الأولى أنا لا أكرهُ الناسَ ولا أسطو على أحدٍ ولكنّي.. إذا ما جعتُ آكلُ لحمَ مغتصبي حذارِ.. حذارِ.. من جوعي ومن غضبي!
" مر ستون عاما على هذه القصيدة، ترى ما الذي تغيّر؟ ولكن أن يصل العبث الصهيوني بأرواح المدنيين العرب (الآن الفلسطينيين واللبنانيين) وممتلكاتهم الى هذا الحد فأمر لا يطاق. من الآخر:
ما تفعله دولة الاحتلال من جرائم، إنما هو تجليات مقولة: العربي الجيد هو العربي الميت.
فإذا اختار العربي أن يكون مقبولا عند الاحتلال، فليستسلم، وحتى وإن استسلم لها، فإنا ما زالت تفضّل غير ذلك. لم يكن "اللعب على المكشوف" واضحا كما هو الآن! لم يقل درويش سجل أنا جليليّ، كما لم يقل أنا فلسطينيّ، بل قال سجل أنا عربيّ، فهو حتى في ظل استلاب الوطن لم يكفر بعروبته. إن تموضع كل منا تجاه ما يحدث، سيشكل تحديا لنا جميعا من المحيط الى الخليج، لسبب بسيط، وهو أن الاستهداف لا يقتصر على فلسطين، ولنا جميعا حكاما ومحكومين أن نفكر بمسؤولية، فإن فعلنا، فسنكتشف بسهولة ضرورة تصالح الشعوب ونظمها، وصولا لحالة استقرار تشكل ضمانا للطرفين، فلا يضطر الحاكم الى الاستجارة من الرمضاء بالنار.
وقوفنا على أرض صلبة، سيجعلنا نمشي ونركض…
ووقتها سنردد مع درويش:
سجل أنا عربي.