• 13 تشرين أول 2024
  • أقلام مقدسية

بقلم :  تحسين يقين 

 

فعل كبير، هو ما تمنياه، للخروج من حرب الاحتلال والحلفاء. مهما بلغ التوصيف براعته، فإنه إن لم يوصلنا الى برّ الأمان، فسيظل كلاما مهما كانت براعته. 

"برّ الأمان" لا بد من وصوله، حتى نظل ونبقى، لذلك فنحن وإن تمنينا أن تجري الرياح بما يقرب مركبنا من البرّ، فسنظل بحاجة الى حكمتنا وإرادتنا معا. 

وستكون يدا الشقيق والصديق يدين كريمتين نبيلتين تقربنا من النجاة.

 - .................؟ 

- ليس لديّ كمواطن فلسطيني هنا الكثير من الكلام لأقوله بعد عام على المجزرة، التي امتدت الى لبنان.

 - .................؟

 - استمر الذبح، والتدمير الممنهج، فيما فشل العالم، من وسطاء ودول ومؤسسات أممية من وقف الحرب على الإنسان الفلسطيني وبيته وأشجاره وطرقه ومؤسساته وحتى الهواء لم ترحمه الحرب، لا هو ولا اللبناني بل والسوري. 

في ظل التقييم بعد عام على المجزرة المستمرة، نختصر الحديث بمثل يدل على الحكمة: "أنقذني أولا ودع الملامة ثانيا". كلام قليل، بل أقل الكلام الموصل لفعل نبيل هو المدي اليوم. لم تكن إسرائيل المحتلة جادة في عقد صفقة تبادل الأسرى، بل استغلت (حدث 7 أكتوبر) لاغتنام فرصة تغييب أكبر قدر من الغزازوة. وليس هذا بالجديد، فلو عدنا الى الوراء، سنجد أن الاحتلال مثلا تتبع خطى اللاجئين الفلسطينيين، ولم يكتف بتهجيرهم من موطنهم، بل لحق بهما ليستأنف قتلهم وتدمير بيوتهم، ولاجئو لبنان مثالا واضحا.

 كنا في الأسابيع الأولى للحرب متفائلا بالوصول الى وقف الحرب، أو كما يقال وقف إطلاق النار، لذلك حملت مقالاتي الأولى مضامين تتعلق بخطط الإغاثة والإعمار، إيمانا منا بأن المنطقي والطبيعي هو وقف الحرب، وإغاثة الشعب وتطبيبه وتهيئة ظروف استئناف الحياة، خصوصا تعليم الأطفال، ومن ثم التخطيط لإعمار ما تخرب.

 ولكن الاحتلال لم يصغ لا لصوت القلب ولا لصوت العقل. وبدا أنه غير مكترث بمصير الأسرى الإسرائيليين، بل راح من جانب آخر يمعن في التضييق على المعتقلين الفلسطينيين؛ ففي الوقت الذي يحمي الفلسطينيون الأسرى الإسرائيليين في غزة، ويطعمونهم من ما يأكلون منه على قلته، ويجتهدون في إبقائهم أحياء في ظل القصف، فإنه على الجانب الآخر، تفنن سجانو الاحتلال في التضييق على الأسرى الفلسطينيين، وتم حرمانهم من معظم مقومات الحياة:

 "إنهم كانوا يطعموننا فقط لنبقى على قيد الحياة". 

هكذا قال الأسرى المفرج عنهم، بل إن رواياتهم عن العام الأخير صادمة وموجعة، بسبب سلوكيات السجان المعيبة. 

لكن لا تهتم حكومات الاحتلال لا بالعيب، ولا بالحرام، ولا بالقوانين الدولية التي تم سنها منذ عقود، للحفاظ على الأسرى.

 وكيف نستغرب هذا الفعل اللاإنساني، وقد تفنن جنود الاحتلال بتعذيب المختطفين الغزيين خلال الحرب؟ وعليه، فإنه رغم تأخر التدخل الدولي في وقف الحرب الأكثر قذارة، فما زال هناك هامش للتدخل لإنقاذ ما يجب إنقاذه من بشر ومن معاني الحياة وعلى رأسها العيش المشترك، ضمن عقد دولي يقوم على الأخلاق والإنسانية والعقلانية، بعيدا عن الثأر والنزق وتعقيد الأمور الذي يتم من خلال إتاحة المجال للمتطرفين بالإدارة والحكم، الذي زاد من سفك الدماء.

 الإنقاذ الأول: وهو معروف، وقف الحرب على فلسطين ولبنان، وعقد صفقة تبادل الأسرى دون تعقيدات، والبدء بإغاثة حقيقية، الى جانب البدء في عملية الإعمار، تخطيطا للمستقبل، وتنفيذا من خلال تمويل دولي، وهو أضعف الإيمان، كون هذا العالم لم يوقف قتل الشعب الفلسطيني، فليكفر عن صمته بكرم التمويل. 

الإنقاذ الثاني: إنقاذ العملية السياسية، عبر التأكيد على أن الحل هو سياسي فعلا، إن صفت نوايا الاحتلال، فلا بد من التفكير الجدي في المشروع الوطني الفلسطيني المجمع عليه. ولن يكون لذلك قيمة وديمومة إلا إذا كان الحلّ شاملا، فلن يدوم السلام المنفرد لا من قبل ولا من بعد.

 وعليه فإن مبادرة السلام العربية تشكل مرجعية عربية عليها إجماع.

 الإنقاذ الثالث: إجراء تغييرات سياسية شاملة، تترك لأجيال جديدة تجنب خطايا الماضي، والحكم وفق تقاليد إنسانية مهنية، تقوم على ان الخلاص الحقيقي هو خلاص الشعوب، لا الأفراد ولا النخب ومراكز القوى.

 الإنقاذ الرابع: إنقاذ القيم، فلا يمكن أن يستمر منطق القوة الغاشمة بهذا الشكل، بل قوة المنطق الإنساني، ليكون تقليدا سائدا، تحل من خلاله الصراعات الدولية. 

هو كذلك، ولكل منا أفكاره الإنسانية لنمنح البشرية الأمل بمستقبل آمن. العقل والقلب هو ما نحتاجه هنا جميعا، فأي معيقات أمام إنهاء الاحتلال يجب إزالتها، حتى يصبح ذلك وظيفة الحكومات والمؤسسات. 

إن تأمل ما يتم إنفاقه على الحروب يثير الحقد على مسببيها، لأن جزءا من تلك النفقات كفيل بحل الكثير من المشاكل الاقتصادية والاجتماعية في الإقليم بل والعالم. كما أنه آن الأوان، واستجابة لحق الشعوب في تقرير مصيرها، تجاوز المحاور الدولية المتصارعة بحثا عن مصالح الحكومات وحلفائها لا مصالح الشعوب.

 لو كانت المحاور والحكومات جادة لأنجز الكثير في طريق السلام؛ ولعل النظر في مظاهرات الشعوب يدل تلك الحكومات أية بوصلة تتبع.

 فلسطين المحتلة منذ قرن، منذ الاحتلال الإنجليزي، الذي تم إطلاق مصطلح الانتداب عليه تخففا، وما تبعه من استلاب لفلسطين، تحتاج اليوم تحريرا من الاحتلال، لتستأنف فلسطين حياتها الإنسانية، ولتضيف للعالم جمال الإنسان الفلسطيني، ابن التعددية الدينية والثقافية والجغرافية، ابن الشعب المزارع والمبدع. عربيا، إن إنقاذ فلسطين، سينقذ بلادنا العربية من الاستلاب الاستعماري، الذي يريدها مستسلمة له تسبح بحمده. سينقذ حقها بالتمتع بوارداتها، وحقها في اختيار حياتها الثقافية والإنسانية.

 ربما ليس المقام مناسبا للحديث عن إنقاذ آخر، لكن ذكاء القراء سيقودهم إلى قيادة الاحتلال التي لن تجلب لا أمنا ولا سلاما لأحد.

 وعليه، فإن على الدول الكبرى الآن أن تقوم، ولأول مرة، بما ينبغي فعله، للتكفير عن اختيار فلسطين ملجأ لتهجير اليهود إليها، وجعلهم موظفين في خدمة الاستعمار الغربي. وبعد، هل هناك من طرق أخرى للإنقاذ؟

 من كانت لديه طرق سالمة وسليمة فليقدمها لنا وللعالم. 

آن الأوان لنوايا صافية: 

لي ولكم ولهم، ولكل ذي صلة. أما الخطوة الأولى الآن فهي وقف الحرب بدون شروط، لا غالب ولا مغلوب، لتكن الغلبة للعقل والقلب. 

لا بدّ من وقف الحرب، لأن أمامنا الكثير لننجزه هنا. 

المفارقة الغريبة المدهشة أنه في ظل استطلاعات الرأي، فإننا نصفع بآراء المجتمع الاستيطاني اليهودي في فلسطين، الداعم للحرب على فلسطين ولبنان، نجد الشعب الفلسطيني شعبا يتسم بالحكمة والإنسانية والانفتاح للسلام الحقيقي القائم على الكرامة للجميع. 

إن شعبنا الفلسطيني يستحق تحية الكون كله، تحية وحية لشعبنا، ومن يدري فلربما ينطلق السلام العالمي من فلسطين. فلسطين أرض الديانات، وأرض الأبجدية، وأرض الزراعة التي تزين الأرض بالألوان الزاهية.