• 18 تشرين أول 2024
  • أقلام مقدسية

 

بقلم : سعادة مصطفى ارشيد

 

ما يبدو من حيث الشكل والمظهر ان الحرب اليوم سواء على غزة أم على لبنان لم تعد حربا تحمل مضامين سياسية بالمفاهيم و الطرق المعروفة للحروب اذ انها اصبحت مقتله مجزرة مستمرة تستهدف المدنيين بشكل خاص وكان هدفها هو إبادة السكان وقتل إمكانيات الحياة وذلك بوضعهم أمام ثلاثة خيارات الموت قتلا أو الهروب والهجرة او العيش بذلة وهوان في خدمة العدو، كما سبق أن ورد في خطبة وزير المالية (الاسرائيلي) والتي أصبحت جزء من برنامج الحكومة الحالية ونراها اليوم قد أصبحت خطة خارطة الطريق في إدارة الحرب السياسية والعسكرية، ولكن قراءه اكثر تاني للأداء الاسرائيلي تكشف عن أهداف سياسية لا بل الدخول في مرحلة جديدة وخطيرة. 

وصل الأمر بالجرائم التي يرتكبها الاحتلال إلى حد الفضيحة ولكنه أمر لا يشغل بال رئيس الحكومة (الإسرائيلية) الذي يرى أن أمامه تحديات وجود وبقاء وهو يدرك انا دولته منذ بداياتها قد اعتمدت اسلوب القتل والمجازر في دير ياسين وكفر قاسم الفلسطينيتين وفي بحر البقر المصرية وفي قانا لبنان، ولما كان قتل المواطنين المدنيين واستهدافهم هذا لا يتم بقرار ميداني من ضابط يقود سرية جنود وانما بأمر وقرار حكومي من اعلى مستوى وهذا كما سلف يعود في بدايته الى طبيعة المشروع العنصري الإحلالي ولكنه ايضا يظهر المرامي والأهداف السياسية التي تقول: 

اولا: أن لا تعايش بين هذا المشروع وأمتنا ولا إمكانية لعقد سلام حقيقي ولا موهوم وهذه الارض لا تتسع لنا و لهم، فما هذا وإما ذاك.

ثانيا: إن المشروع اليهو- صهيوني مهدد تهديدا وجوديا لذلك فهو لا يلقي بالا لأي أعراف أو قوانين دولية وانسانية اضافة الى يقينه أن لا عقوبات جدية ستفرض عليه. 

ثالثا: ان هذا المشروع يتلقى الدعم الغربي منذ انشائه قبل قرن ونيف وتضاعف بعد إعلان الدولة قبل سبعة عقود وبقي مستمرا حتى اليوم وذلك لكي يقوم بوظيفته في تفتيت الأمة وبأن يكون مخلب القط الغربي الاستعماري في مواجهتها، وهو أن ضعف و عجز عن القيام بالعمل المطلوب منه، فسرعان ما سيهتم التخلي عنه لذلك فهو يبذل اقصى ما لديه من قوه وقسوه ليثبت لمشغليه صلاحيته للاستمرار في وظيفته وبالتالي بقائه. 

رابعا: ان الشرق الاوسط الجديد الذي يتحدث عنه بنيامين نتنياهو يحتاج تنفيذه الى مقادير عالية من القسوة والدموية وهو يختلف عن الشرق الأوسط الذي أقامه الثنائي الإنجليزي الفرنسي اثر هزيمة الدولة العثمانية، والذي اعتمد الجغرافيا والخطوط المستقيمة في تفتيت بلادنا وتقسيمها وجعلها كيانات، ثم خلق هويات فرعية لهذه الكيانات، أما الشرق الاوسط الجديد الذي يريده بنيامين نتنياهو والغرب فسوف يضيف الى التقسيمات الجغرافية القديمة تقسيمات جغرافية أخرى جديدة ولكن على قواعد تقسيم ديموغرافي سكاني وصولا الى قيام الكيانات و الدويلات الطائفية والأثنية والقبائلية.

يحاول نتنياهو تحقيق اقصى استفادة ممكنة من حالة الفراغ القائمة بسبب الانتخابات الأمريكية وهو يملك من الآن قرابة الاربع شهور لحين ظهور نتائج الانتخابات ثم استلام الرئيس الجديد منصبه فيما لا يملك الأمريكي اليوم الا الطلب من نتنياهو تمرير بعض المساعدات الغذائية لغزة مقرونه بتهديد جاء على شكل كوميديا سوداء وذلك باتصال وزيري الخارجية والدفاع مع نظرائهم في تل أبيب يطلبون منهم التخفيف من استهداف المدنيين، والا فان الإدارة الأمريكية ستوقف بعد شهر من ذلك الاتصال امداد (اسرائيل) بشحنات الأسلحة ولكن تتواصل الكوميديا لتقول ان بعد هذا الشهر لن يكون لا وزير الخارجية ولا وزير الدفاع في منصبيهما وهما ان بقيا لحين تشكيل الإدارة الأمريكية الجديدة فلن يكون الا وزيري تصريف اعمال لا وزيري عمل بسياسات او اصدار قرارات مهمة. 

نتنياهو الذي يتابع معركة الانتخابات الرئاسية الأمريكية بذات القدر من الاهتمام الذي يتابع به حربه المجنونة على الفلسطينيين واللبنانيين ولكنه يعرف في النهاية ان المرشحين هما اثنان فقط، ان فاز ترامب فسوف يمضي معه في التصعيد مع كامل المحور وخاصة مع طهران التي يعتبرونها رأس الافعى، أما في حال فوز كاميلا هاريس فلا شيء سيتغير بما يتعلق بالدعم الأمريكي غير المحدود وستكون سنوات رئاستها استمرار لسنوات بايدن البائسة. 

هذا كله والحرب تسير (اسرائيليا) بلا ضوابط وبلا قواعد اشتباك فدائرة الحرب تتسع وتشمل كامل غزه وكامل لبنان وصولا الى زغرتا في الشمال، في حين لا زالت المقاومة اللبنانية والمقاومة الفلسطينية ملتزمتين بكثير من الضوابط وعلى رأسها عدم استهداف المدنيين إلا بالصوت الكفيل بدفع مليونين منهم إلى الملاجئ... ويتساءل المواطن الى متى ستبقى مقاومتنا ملتزمة بقواعد الاشتباك هذا من طرف احد.

*سياسي فلسطيني مقيم في الكفير- جنين- فلسطين المحتلة