• 10 تشرين الثاني 2024
  • أقلام مقدسية

 

بقلم : تحسين يقين

 

من المجدي نفعا أن نفعل ولا نكتفي بالتساؤل عما يمكن أن يفعله الرئيس الأمريكي المنتخب، لأن ذاكرتنا مع الرؤساء الأمريكيين ليس طيبة.

- الرئيس الأمريكي ودولته، ترى ما المسافة بينهما؟

- ....................!

في الوقت الذي يملك رئيس الولايات المتحدة أكبر صلاحيات يملكها حاكم، فإن القرار الأمريكي تتقاسمه عدة مؤسسات؛ فبالإضافة للبيت الأبيض هناك وزارة الخارجية والبنتاجون والكونجرس ووكالة الأمن القومي الشهيرة بالسي أي ايه. ولا أدري كيف يكون تأثيرها من حيث الفعالية. المهم (يا خال)، فإن الرئيس واحد من 5، أو أكثر، دون نسيان مراكز أخرى مثل المؤسسات اليهودية بشكل خاص، واليهود المتغلغلين في تلك المؤسسات. لذلك، فإن الرئيس له هامش من الحسم، لكن في ظل قضية فلسطين فإنه يحسم لغير فلسطين بالطبع، أي لإسرائيل، كون معظم العناصر المؤثرة في المؤسسات الأمريكية متأثرة باللوبي المؤيد لإسرائيل.

إن تتبع سياسة رؤساء الولايات المتحدة لا يجد كبير فرق بين اتجاهات الرئيس والإدارة الأمريكية، حيث أن الحسم دوما كان لصالح الدولة العميقة هناك. ومعروفة جذور وسيقان تلك الدولة.

كل وذاكرته مع الولايات المتحدة ورؤسائها، حسب العمر، وحسب موضعة الفكر والشعور والمصلحة!

في فلسطين، ننظر دوما إلى إنهاء الاحتلال.

في طفولتي سمعت بنيكسون، وفورد: الأول، من خلال لقب لأحد الأولاد لقّب به من الفتيان، ولم أكن أعرف من نيكسون هذا، لكن حينما شعرت أنه على صلة بدولة الاحتلال، شعرت بالتضامن مع ذلك الطفل الملقب بنيكسون. أما فورد، فقد ربطته صغيرا وكبيرات بسيارات فورد.

 كان جيمي كارتر صاحب الابتسامة الجميلة أول رئيس أمريكي يتعرف إليه أبناء جيلي؛ وكنا أبناء 10 سنوات، حين جاء الى الحكم. وللصدفة نفسها، لقبت أحد الزملاء الذي كان يصغرني بعامين أو ثلاثة بكارتر، فقد كان شبيها له في الوجه وطريقة تصفيف الشعر. أمضى كارتر أربع سنوات، كان أكثر ما يمزها معاهدة السلام بين مصر و(إسرائيل). وقد ربطت فترة رئاسة كارتر بحفر بئر جمع ماء في "التعميرة"، حيث خط أخي سعيد، الأكبر مني، تاريخ تأسيس البئر.  أما الرئيس ريغان، فصرنا فتيانا عام 1981، وأصبحنا 14 عاما، ولم يمض عام حتى كان اجتياح إسرائيل للبنان عام 1982. طالت مدة حكم ريغان 8 سنوات، وعندما جاء جورج بوش الأب عام 1989، كنت طالبا في الجامعة، وفي تلك الفترة تفكك الاتحاد السوفييتي وحدثت حرب الخليج الأولى عام 1991، وأصبحت الولايات المتحدة هي الدولة الأولى في العالم، وفي أواخر حكمه حدث مؤتمر مدريد للسلام في مثل هذه الأيام وكنت وقتها طالبا جامعيا. أما بيل كلينتون، فجاء الى الحكم وجاء معه اتفاق أوسلو عام 1993، حيث كنت معلما، وانتظرنا لنشاه مصافحة أبو عمار ورابين؛ كنت ووالدي نتابع البث المباشر، لكن ما جمعنا ووالدي وقتها هو الشك بنوايا إسرائيل، لكن قلنا "خلينا نشوف وين بنروح". عشنا مع كلينتون 8 سنوات بأمل أن يتم تطبيق اتفاقية أوسلو للوصول الى مفاوضات ما أطلق عليه الحال الدائم والنهائي، وكان ما كان من مذكرة واي ريفر عام 1999، وسرعان ما تبدد أملنا بكلينتون، خاصة بعد قصة مونيكا لوينسكي. لكن قبل عام من انتهاء حكمه، انطلقت الانتفاضة الثانية، وكان ما كان، وصولا لرحيل أبو عمار، حيث عبرنا مرحلة إدارة الصراع لا حله.. ومنينا ب 8 سنوات أخرى انحازت فيها الولايات المتحدة بشكل سافر لدولة الاحتلال، فلم تكن جدية فعلا في إنهاء الاحتلال. لكن في ظل سنوات باراك أوباما، وخطابيه في القاهرة وإستانبول، فقد لاح بعض الأمل، لكن هذا الأمل ظل يخف وصولا الى التبخر؛ فلا حل دائم ولا نهائي، وصولا إلى حكم دونالد ترامب 2017، والاعتراف بالقدس عاصمة لدولة الاحتلال، وإغلاق مكتب منظمة التحرير بواشنطن وإغلاق القنصلية الأمريكية في القدس، والوصول الى قطيعة سياسية ما بين الولايات المتحدة ومنظمة التحرير. وخلفه جو بايدن قبل 4 سنوات، كان أهم إنجاز له تدمير غزة ب 85 ألف طن متفجرات معظمها من المصانع الأمريكية، حيث تم إهداء دولة الاحتلال بقنابل وزن 2 طن، تمسح الأخضر واليابس. ولم يعد بايدن فتح القنصلية بالقدس، وكل ما فعله هو أنه يفخر بكونه صهيونيا، وها هو ترامب يعود ثانية في ظل الحرب الأمريكية على غزة ولبنان، فليست دولة الاحتلال إلا أداة ووسيلة تنفذ بها الولايات المتحدة سياستها الإمبريالية في عالمنا العربي. هل هناك وصف آخر؟

لقد بدأ الاهتمام الأمريكي بمنطقتنا يتزايد بشكل خاص في فترة فرانكلين روزفلت الذي قاد حكومة الولايات المتحدة الحرب العالمية الثانية. تلاه ترومان وإيزنهاور وكندي، وانخرط جونسون، ونيكسون بشكل خاص بدعم إسرائيل، التي غدت الحليف القوي للولايات المتحدة بعد هزيمة عام 1967.

إن تتبع سياسة رؤساء الولايات المتحدة لا يجد كبير فرق بين اتجاهات الرئيس والإدارة الأمريكية، حيث أن الحسم دوما كان لصالح الدولة العميقة هناك. ومعروفة جذور وسيقان تلك الدولة.

لقد باعت الولايات المتحدة مئات الملايين من العرب والمسلمين، لصالح التحالف مع الاحتلال الصهيوني لفلسطين، وأسست بذلك حالة من الشك بها؛ فلا تعكس العلاقات العربية والإسلامية- الأمريكية واقع الشعوب، بل واقع النظم التي إنما تفعل ذلك خوفا منها، ومن حليفتها هنا، ليس الشرطي كما وصفت بل البلطجي العصري!

واليوم يأتي ترامب ليعلن إنه جاء لإنهاء الحروب، فهل سيكون إنهاء الحروب إنهاء للشعوب مثلا، كما يحصل الآن في فلسطين ولبنان؟

معروف طرق إنهاء الحروب، وآن الأوان لرئيس أمريكا اليوم، أن يفعل شيئا!

أمام الرئيس المنتخب دونالد ترامب أن يقرأ التاريخ العام والعالمي، وأن ينظر الى المستقبل، فلم يعد مقبولا أبدا أن تساهم الولايات المتحدة، الدولة العظمى بالحرب على غزة. عيب في شأن هذه الدولة التي فقدت معظم عناصر مصداقيتها.

لعل يكون هناك تغيير في أثر الرئيس القادم، حتى تتغير ذكرياتنا عما فعله من تجاوز ضد فلسطين عندما كان رئيسا، وحتى يبني ذاكرة مقبولة لدينا ونحن نرقب تتابع الرؤساء في الولايات المتحدة.

عربيا وإسلاميا، هل سنبادر الى تغيير أنفسنا أولا، والاتجاه نحو عناصر التأثير جميعها داخل الولايات المتحدة، وليس الاكتفاء بزيارة البيت الأبيض حين يزورها الزعماء!