• 12 كانون أول 2024
  • أقلام مقدسية

 

بقلم : احمد الصفدي *

لطالما كانت سوريا ركيزة أساسية في التضامن مع الوجع الخارجي القومي  للأمة ألا وهو فلسطين . سوريا قيادة وحكومة وشعبا بلا استثناء تضامنت مع مظلومية فلسطين واحتضنتها ودعمتها اكثر من أي طرف عربي آخر . 

لكن الشعب السوري كان موجعا بمظلوميته الداخليه الوطنية أسوة بكل الشعوب العربية الواقعة تحت سطوة الأنظمة الشمولية المركزية الفاسدة . قيادة سوريا استغلت كغيرها قضية فلسطين كيافطة جذابه لتبييض صفحتها وقدمت لها أكثر من بقية الأنظمة بل ودفعت بلا شك ثمن موقفها من خلال الحصار والاستهداف الصهيوامريكي. الربيع العربي كان خطة معدة لنشر "الفوضى الخلاقة" على أساس استغلال المظلوميات والتناقضات والشروخ الداخلية وإعادة تركيب الأنظمة العربية لبناء شرق أوسط جديد . هذا الربيع استهدف بالأساس بالأساس دول الطوق من اجل بناء حزام أمني حول اسرائيل وتطبيع وجودها الهجين و المستهجن . 

الربيع العربي الذي يمتطي صهوة المظلومية والوجع الداخلي والمدفوع  بتيارات مضادة خاصة من الإخوان المسلمين وغيرهم ومن الشرائح المضطهدة والموجه خارجيا فكك مصر وتونس واليمن والعراق وسوريا ولاحقا السودان واصابت فلسطين منه "طرطوشة انشطاريه  ". 

في سوريا الدولة المحورية تكثفت الخطة الربيعية وتم تضخيم العامل الديني الطائفي وتضخيم "الثورة " واستغلال الأعراق وتم التحشيد بشكل هائل بمشاركة إقليمية عالمية واسعة نظرا لمركزية سوريا في الوطن العربي بجوار اسرائيل وخطوط التجارة والنفط والغاز . 

في جولة الربيع الأولى تعثرت الخطة الغربية العربية بسبب تدخل روسيا وإيران ومحور المقاومة في  مواجهة  حشود المرتزقة الجهادية والتسليح والتمويل العربي الغربي ضد الحكومة السورية ووصل الأمر في ٢٠١٦ إلى نقطة توازن وفك اشتباك ومنع التصعيد  وبقيت الدولة جالسة على برميل بارود . وفي ذات الوقت فرضت أمريكا قانون قيصر الخانق  ضد  سوريا  وقامت تركيا وأمريكا  باستغلال ثروات سوريا المختنقة وسلحوا المعارضين على اختلاف مشاربهم وبالرغم من تصارعهم على الغنائم واختلاف تبعياتهم ولاءاتهم الخارجية  .

طوفان الاقصى أشعل  فتيل الصراع في غزة قبل عامين ونيف لاعتراض طريق صفقة القرن ولحقته مقاومة لبنان المتضامنة ومن قم تضامن كل من اليمن والعراق . هذا الوضع الحرج  الوجودي المخيف دفع المحور الصهيوني الأمريكي الغربي للتسريع في خططه الاستكمالية لتركيع المنطقة كليا واستغلال انشغال روسيا بأوكرانيا . اسرائيل تحركت بأمر من محور امريكا وضربت في كل مكان وبلا قيود وضوابط أخلاقية أو قانونية مما يدلل على الشيك المفتوح الذي اعطي لها للتحرك . الغرب كله ايد مجازرها وسلحها ورفض مجرد وقف إطلاق النار وسكت عن التجويع رغم الادعاء برفضه له .

بعد البطش الإجرامي بغزه انتقلت تل ابيب للبطش بلبنان بدعم وتسليح امريكي نوعي واضح . الغرب كله كان يقصف غزة ولبنان وليس اسرائيل وحدها وربما بمشاركة عربية اماراتيه وربما مغربيه خفيه لتعزيز حلف الدم والأمن العربي الغربي الابراهيمي . 

تفعيل خطة الإجهاز على سوريا فور الانتهاء من وقف إطلاق النار الملغوم في لبنان لم يكن اعتباطيا مثلما لم يكن الانتقال من غزة للشمال اعتباطيا .

مقاومة غزة ولبنان واليمن والعراق سجلوا حضورا واسطورة كفاحية ولكن ميزان القوى ليس في مصلحتهم على الإطلاق خاصة في ظل صمت الأنظمة والشعوب العربية قاطبة باستثناء اليمنيين المعتصمين في الساحات . إيران هي الدولة الوحيدة التي دعمت المقاومة بوضوح ولكنها تبقى دولة محاصرة مستهدفة ولا يمكنها ان تدخل الحرب مباشرة وترتكب نفس خطأ صدام الذي دخل في بطن الحوت بنفسه فالتهمه . ولا يمكنها ان تحارب عن حزب الله او عن حماس او عن الجيش السوري او ان تفتح حربا مباشرة . هي ردت على الهجمات  ضدها  للحفاظ على توازن معين للرعب ولكن من دون الوقوع في بطن الحوت الذي يتأهب لافتراسها .

الغرب فعل خطة سوريا بريادة تركيه هذه المرة  (وليس قطريه) وتبين  ويا للمفاجأة  أن الجيش السوري قد فقد الرغبة والجاهزية للقتال  ولذلك لم يقاوم في حلب . نموذج حلب شجع تركيا وأمريكا على دفع المعارضين الداعشيين للاستمرار جنوبا وانهارت حجارة الدومينو سريعا دون قتال تقريبا. لم يكن بإمكان روسيا او ايران القتال بدلا عن أصحاب المصلحة السوريين أنفسهم . في هذه المرحلة تبلور قرار خروج الأسد وتسليم السلطة سريعا ودون قتال .

وهكذا سقط  رمز اضطهاد السوريين منذ عقود والمسبب بوجعهم  الداخلي ولكن ويا للمفارقة على يد رموز لا يقلون شراسة وبطشا وطغيانا وذوي ولاءات خارجية واضحة لا لبس فيها  مهما  تسترت وتزركشت .

انشغال السوريين بالتغيير وخوفهم منه ومشاعرهم المختلطة  خرجت  كالطوفان تكيفا او تفجرا او نشوة الى حين ….وقام الاعلام الغربي  بتوجيهها بمنهجية واضحة نحو الشيطنه والتضخيم لجرائم النظام الراحل  من أجل التغطية على مقتلة غزة المستمرة وهجمات اسرائيل وتركيا على المقدرات السورية والجيش السوري ومن أجل تلميع صورة دعاة الثورة الموصومين الملطخين وابرازهم وكأنهم ممثلين حقيقيين اصيلين اطهار الأكف عن الشعب السوري. هدف الغرب معروف من وراء ذلك  يشاطرهم( كل لاسبابه ) في هذه الحملة التجميلية التيارات الإسلامية الاخونجيه وحزب التحرير وتركيا والخلجان على راسهم قطر كبيرة المتامرين على سوريا.

الان بعد سقوط دمشق الذي يصفق له البعض ويبكيه الآخرون …اصبحت سوريا مستباحة تماما وفي مهب الريح والطريق مشرع نحو الاحتلالات والقضم والتقسيم والطائفية والعرقية والدويلات والاقتتال وتصفية الحسابات الخ الخ 

اهم انجاز سلبي في هذا التغيير هو  ان سوريا الدولة  العربية  القومية العلمانية الممانعة قد انتهت على الأقل لعقدين قادمين وأصبحت جزءا من المنظومة  الصهيو الامريكيه وسنعود مرة أخرى لصفقة القرن وخارطة طريق تصفية  المسألة الفلسطينية التي تقض مضجع الوجدان العربي والدولي .

كل الحديث عن الثورة والتحرير والحريات والديمقراطية والمساواة القادمة في سوريا التي ترقص وتبكي فرحا وحزنا وخوفا ونشوة تحت علم الانتداب ،ضحك على ذقون السوريين وتجميل للنفق المظلم الذي دخلوه بقيادة الجولاني الداعشي المعصرن . الهدف المركزي هو تمرير  مشروع تفكيك سوريا تحت يافطة "التحرير والثورة الملتحية " .  

على محور  المقاومة  ان يعيد حساباته وخططه وان يقر بالخسارة النوعية وأن ينتقل من الهجوم للدفاع حفاظا على نفسه ومن اجل اعادة التقييم وبناء طاقاته وقدراته بانتظار حصول تغيرات اقليمية دولية كاسره  للتوازنات وتغير مهب الرياح لمصلحة الشعوب .الفصل الحالي من المقاومة  انتهى لمصلحة الحلف الرجعي الصهيو أمريكي رغم الإنجازات  والتضحيات العظام  ومن الان ستدخل المنطقة في العصر الصهيو أمريكي .

ما بين مظلومية  ووجع الشعب  السوري الحقيقي وبين مظلومية  ووجع فلسطين المديد  ضاعت البوصلة وانفصم  الوجدان العربي الموجوع .

  •  الآراء الواردة لا تعبر الا عن رأي كاتبها فقط