- 23 كانون الثاني 2025
- أقلام مقدسية
بقلم : سعادة ارشيد
فور اندلاع الحرب في السابع من تشرين أول 2023 جرت محاولات كثيرة لوقفها وشاركت بهذه المحاولات قوى عالمية وإقليمية ذات تأثير على طرفي الحرب، إلا أنها لم تصب نجاحا وكانت هناك محاولة ثانية في أيار من العام الماضي لتلقي ذات المصير حتى ان المبادرتين بفشلهما قامتا بتسعير نار الحرب. فيما نجحت المحاولة الثالثة الأخيرة والتي كانت عوامل نجاحها من خارج ميدان المعارك ونتائج القتال، فالمقاومة واهل غزه ابدو من الصبر والشجاعة ما يفوق قدرة العقل على تصوره فيما (الاسرائيلي) كان ماضيا في سياسة القتل وتدمير المدمر وهدم المهدم.
جاءت الصفقة انعكاسا لمجموعة من المتغيرات الإقليمية والدولية كان أهمها ما تعرضت لها المقاومة اللبنانية من الضربات المؤلمة التي أدت إلى خروجها من حالة الإسناد والدعم وانكفائها إلى الداخل، كذلك انكفاء الدور الإيراني وسقوط النظام في دمشق، اضافة الى فوز دونالد ترامب في الرئاسة الامريكية، حيث كان نتنياهو قد عطل كثير من المحاولات لإنهاء الحرب خلال الحملة الانتخابية في واشنطن على قاعدة ان تحقيق وقف لإطلاق النار سوف يرفع من فرص فوز المرشح الديمقراطي فيما هو يرغب ويسعى لفوز الجمهوري دونالد ترامب.
على مدى أيام طويلة من التفاوض حتى بعد التوصل للاتفاق تداولت الأوساط الإعلامية اخبار مكثفة حول ما كان يجري كما صدرت تصريحات يتنافس فيها المصرحون حول أحقية من ينسب له هذا الإنجاز وذلك ما بين المحورين الإقليميين: محور قطر- تركيا- الإخوان ومحور السعودية- الامارات- مصر كذلك دار سجال في واشنطن كما بدا واضحا في خطاب بلينكن أمام قمة الاطلسي حيث اعتبر ان وقف الحرب كان من إنجازات الإدارة الديمقراطية فيما تفيد مصادر ترامب بتبجح انه استطاع بهيبته انجاز وحل عدد من المسائل العالقة حتى قبل استلامه مهامه الدستورية ومنها وقف الحرب في غزة.
نشرت اخيرا نصوص الاتفاق التي تتحدث عن مواعيد إنجاز الانسحابات ومواعيد إطلاق سراح الأسرى قوائم بأسمائهم ولكن الصيغ العامة كانت ملتوية و ملتبسة بحيث يستطيع كل طرف ان يدعي الانتصار، وأنه قد حقق ما اراد ولعل في الملاحق غير المنشورة تربض الشياطين وكذلك الوعود التي سيتم الالتزام بتنفيذها لصالح دولة الاحتلال فيما قد يتم الالتزام ببعض منها لصالح غزة.
صباح اول امس الاحد بدء سريان الاتفاق، وبما أن النصوص ملتبسة كما سلف القول، و بسبب طبيعة السلوك الاسرائيلي المعروف الذي يريد إثبات أنه هو فقط من يضع القواعد و الضوابط، قام باختلاق مشكلة قوائم اسماء اسراه كشرط للشروع في سريان العمل بالاتفاق، الأمر الذي لم تنصاع له المقاومة التي نشرت عناصرها في شوارع غزة.
بعيدا عن حديث النصر والهزيمة، وفي جردة حساب يمكن القول ان مطالب المقاومة كانت خمسة وهي الانسحاب الكامل من قطاع غزة ووقف شامل لإطلاق النار وفتح المعابر وإعادة الإعمار وتبادل السجناء، فيما كان البرنامج الرسمي للحكومة (الاسرائيلية) يتحدث عن سحق المقاومة مرة واحدة والى الابد وتحرير الاسرى من أماكن احتجازهم عنوة وبالقوة دون قيد او شرط، وافراغ شمال غزة من سكانه وإقامة مستوطنات فيه، والبقاء العسكري في معظم القطاع والسيطرة الكاملة على موقعي فيلادلفيا نتساريم والاخطر تهجير أعداد كبيرة من أهل غزة إلى سيناء ومنها الى جهات الدنيا الأربع.
أما النتيجة فكانت الانسحاب (الاسرائيلي) من معظم قطاع غزة بما فيها موقعي فيلادلفي ونتساريم، وان القوى الأمنية التابعة لحكومة غزة (حماس) موجودة في مواقعها ومكاتبها لحفظ الأمن وذلك خوفا من الفراغ الذي لم تستطع (اسرائيل) ان تعبئه لا بالاحتلال المباشر ولا عبر هيئات من صنائعها، ويفترض أن المعابر ستفتح كليا أو جزئيا، وان الاعمار ستتولى تمويله جهات خليجية فيما تقوم مصر عبر شركاتها الخاصة بتنفيذه، اما اطلاق سراح الاسرى فتلك مسألة قد بدأت عجلاتها بالدوران والنتيجة أن غزة باقيه رغم الضربات والخسائر و أنها تعوض عن خسائرها بتجنيد أعداد غفيرة من الشبان - كما يقول بلنكين في خطابه آنف الذكر- وقد يكون من الصحيح ان صوت المدافع قد خفت الا ان غزة بذلت اقصى ما يمكن بذل في هذه الجولة وقد تجمد او الغي مشروع التهجير الى سيناء.
الخوف هو في الملاحق السرية وفيما وعدت الإدارة الأمريكية الجديدة نتنياهو به مقابل تنازلات التي أرغمته عليها في غزه، وهي ولابد وعود مغرية و ثمينة، وقد يكون على قائمه الثمن اطلاق يده في الضفة الغربية تعويضا عن كف يده في غزة، ان كفت يده اصلا فهو سيواصل خرق أي اتفاق و لديه بذلك غطاء من الرئيس الأمريكي شخصيا الذي صرح السبت الماضي: انه و برغم الاتفاق فان على اسرائيل ان تفعل ما يلزم لضمان أمنها، وذلك بتنفيذ المشروع المعلن للحكومة والمستند الى خطط وزير المالية سموتريتش التي نشرها عام 2017 حيث تعتبر ان الضفة الغربية هي يهودا والسامرة ممالك (اسرائيل) القديمة والتي يجب ان تعود اليهم بالضم وطرد السكان الفلسطينيين منها.
غزه واهلها قاموا بما عليهم وحالهم كحال بيت الشعر:
لا تلم كفي إذا السيف نبا صح من العزم والدهر ابا
وهم يحتاجون الى الرعاية واستعادة ظروف الحياة الإنسانية، المعركة القادمة ستكون في الضفة الغربية في مواجهة هذه الحكومة التي أعلنت عن نفسها عند تشكيلها بالقول إن الحكومات (الاسرائيلية) المتعاقبة منذ عام 48 حتى تشكيلها كانت حكومات تدير الصراع أما هذه الحكومة فهي تريد حسم الصراع و الميدان هو الضفة الغربية التي ستكون أمام مواجهة لا تقل خطرا عما جرى في غزة .
ختاما بعيدا عن المبالغات في الحديث عن نصر مؤزر أو هزيمة فغزه كما سبق القول قدمت ما عليها ولم تنهزم وهذا يكفي اذا اخذنا في الاعتبار مفاهيم النصر والهزيمة في الحروب غير المتناظرة بين قوه ضعيفة قليلة العدد و العتاد و محاصرة و بين قوة غاشمة تملك إمكانيات لاحد لها ودعم عالمي غير مسبوق.