• 21 شباط 2025
  • أقلام مقدسية

 

بقلم : سعادة مصطفى ارشيد

 

كلما وصل رئيس جديد للبيت الأبيض كنا نفترض انه اكثر الرؤساء دعما لدولة الاحتلال وانحيازا لها، ولكننا في حالة دونالد ترامب نجد اننا امام حالة فريدة في شكلها ومضمونها عما سبقها وكذلك في الظروف التي رافقتها.

 سياسات وأفكار ترامب تشابه تماما صورته التي نشاهدها، وهي على قدر كبير من الوضوح والفظاظة، فهو يريد شطب المسالة الفلسطينية شطبا تاما ونهائيا وللابد، لا ان يجد حلولا لها حتى وان كانت تلك الحلول منحازة و في غير صالح فلسطين وأهلها، كما كان يفعل من سبقه من الرؤساء الأمريكان.

 يقول دونالد ترامب: لقد قررت ذلك، ويقول: سأشتريها، وبهذا نكون قد عرفنا المشتري ولكن علينا ان نعرف البائع والثمن وهو ما سنعرفه سريعا، سال الصحفيون ترامب اثناء استقباله الملك عبدالله الثاني هذا السؤال فأحاله إلى ضيفه وكان جواب الملك أن قمة خماسية ستعقد في الرياض لبحث الخطة ووضع تصور عربيا مشترك يسبق عقد قمة عربية موسعة ثم قمة منظمة العمل الاسلامي التي تحضرها 50 دولة تنتظر التطبيع السعودي مع (اسرائيل) لتلحق به، فهل ستكون هذه القمم للدخول في مشروع التطبيع مع دولة الاحتلال ام للتصدي لمشروع دونالد ترامب؟.

 يترافق مع خطة دونالد ترامب ملاحظة أن الوضع القومي اولا قد وصل إلى حالة متردية بعد ما قدمت المقاومة في غزة اقصى ما يمكن تقديمه، ثم سيطرة جماعة التكفير على دمشق وهي التي لا ترى أنها في حالة صراع مع دولة الاحتلال كما يصرح المسؤولون هناك، ثم في انكفاء المقاومة اللبنانية ودخول لبنان في ذات الحالة التي تسيطر على دمشق وإن بطريقة مختلفة.

 أما وضع العالم العربي وما وصل إليه من ضعف وهوان فهي لا تترك أي انطباع بان هذه القمة ستكون مفيدة أو أنها ستخرج بنتائج جديه وقرارات حاسمة للتصدي إلى خطة ترامب صاحب الشخصية والعقلية التي لا تقبل التفاوض وإنما تفرض إرادتها بالقوة والأوامر. 

من الغريب أن كثيرين يتفاءلون بهذه القمة مفترضين انها ستكون مختلفة ومن اسبابهم ان السعودية قد تعرضت للتهديد خاصة بعدما أعلن (الاسرائيلي) انها تملك أرضا واسعة تتسع لإقامة دولة للفلسطينيين المهاجرين، ومنهم من رأى ان البيان السعودي الذي دعا  الى القمة الخماسية استعمل كلمة تصدي ومجابهة و كأن السعودية قد تعلن الحرب على الولايات المتحدة و (إسرائيل)، وان السعودية قد أصبحت قوة دولية يحسب لها حساب ومن دلائلهم على ذلك ان القمة الأمريكية- الروسية بين ترامب وبوتين ستعقد في الرياض. لكن مؤشرات اخرى تذهب باتجاه المعاكس فعندما تحدث ترامب عن العودة لتزويد تل أبيب بشحنات السلاح التي كانت قد علقتها الإدارة الأمريكية السابقة 

قال: ان السلام يجب ان يتحقق من خلال القوة والمزيد من الدعم (لإسرائيل) واضاف قلت لنتنياهو افعل ما تريد، فيما أكد نتنياهو أن لا خطة تملك فرص النجاح سوى خطة دونالد ترامب وان غزه منطقة حرب وعلينا أن نفكر بسلامة الناس بإقناعهم بالخروج الطوعي خوفا على حياتهم، و بالطبع فمن يبقى عليه أن يتحمل تبعات ذلك، أما وزير الخارجية الامريكي فقال انا من لا تعجبه هذه الخطة فعليه أن يقدم البديل الذي يحقق ذات الهدف بالطبع. تبدو ملامح الخطة البديلة في إعادة إعمار غزة وهدم الأنفاق وكل ما له علاقة بالمقاومة وشطبها كمؤسسات سياسية حتى وإن تخلت عن سلاحها، و كأشخاص أو كفكرة، واقامة وديان سيليكون لصناعة الرقائق الإلكترونية وريفيرا سياحية وما الى ذلك، انها تحقيق المطالب الأمريكية (الإسرائيلية) ولكن بطريقة مختلفة، وعلى كثير من أهل غزة أن يغادروها مؤقتا ريثما تتم عملية إزالة الأنقاض وإعادة الإعمار وهي التي ستطول وتطول، وتتحول حالة من غادر الى هجرة دائمة، الأمر الذي يذكرنا بمن قال للفلسطينيين عام 1948 عليكم مغادرة مدنكم و قراكم لبضعة أسابيع ريثما يتم القضاء على العصابات اليهودية وهكذا انقضت آلاف الاسابيع أي ثلاثة أرباع القرن دون أن يعودوا، واذا بهم مهددون بهجره جديده.

 باختصار فإن الواقع القومي والإقليمي قد وصل إلى حالة بالغة الخطورة من العجز، فلا رؤية قومية ولا عمل مقاوم بالسلاح او السياسة على المستوى الرسمي، فيما تمت مقايضة الأمن القومي بالبقاء السياسي للحاكم وحاشيته وهذا ما يجعلنا لا نتوقع شيئا مفيدا من القمة العربية القادمة. فهل خطة ترامب قدر من السماء لا يمكن التصدي لها؟ قطعا يمكن التصدي، ولكن بالمقاومة وحشد الطاقات وتجنيد الأمة في خدمة المشروع المقاوم وهذه وظيفة القوى الحية في الامة، لا اعتمادا على قمة ستعمل على تلبية المطالب الامريكية وان بثوب شرعي من النظام العربي الذي تتآكل مشروعيته، أو بإصدار بيانات الشجب والاستنكار التي لن تكون أكثر من مفرقعات العاب نارية و جعجعات لا تقتل ذبابة.