- 9 نيسان 2025
- أقلام مقدسية
بقلم : نافذ عسيلة
في سياق الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، لا تقتصر الصحافة الفلسطينية على نقل الأخبار فحسب، بل تساهم أيضاً في تشكيلها. فهي تتجاوز دور الوسيط الإعلامي لتصبح أداة مقاومة يومية وخطاباً ثقافياً يعكس التفاعل المعقد بين السياسي والاجتماعي والديني. من هذا المنظور، يكشف هذا المقال عن دور الصحافة العربية في فلسطين مسلطاً الضوء على إسهامها في تشكيل الهوية الفلسطينية وتوثيق الرواية الوطنية ومواجهة آلة الاحتلال التي لا تقتصر على القمع المادي، بل تشمل أيضاً حرباً على الروايات. يمكن استعراض الصحافة من عدة جوانب مختلفة:
1. الصحافة كأداة للمقاومة والهوية
- في السياق الفلسطيني، كانت الصحافة أداة لحفظ الذاكرة الجماعية وتعزيز الهوية الوطنية في مواجهة محاولات الطمس والتهويد. منذ فترة الانتداب البريطاني لعبت الصحف دوراً في تشكيل الوعي الوطني. اليوم، تواصل وسائل الإعلام الفلسطينية هذا الدور رغم الضغوط والرقابة.
2. الإعلامية والصراع
- تشكيل الروايات حول الصراع من خلال توظيف الرموز الدينية والثقافية مثل الأقصى والنكبة.
- تُظهر الممارسات اليومية للصحفيين تحت الاحتلال تحديات كبيرة تشمل التضييق والاعتقال والمخاطر التي قد تصل إلى الاستشهاد، كما تجسد ذلك حالة شهيدة الصحافة شيرين أبو عاقلة.
- دور الإعلام الشعبي مثل منصات التواصل الاجتماعي يتمثل في خلق مساحات بديلة للتوثيق والنضال على المستويات المحلي والإقليمي والدولي. هذه المنصات تتيح للفلسطينيين نقل روايتهم وتوثيق ممارسات الاحتلال بشكل مباشر، مما يسهم في رفع الوعي بالقضية الفلسطينية ويؤثر في الرأي العام على مختلف الأصعدة، سواء في المجتمع المحلي أو في العالم العربي والدولي.
3. التحديات البنيوية
- تمثل الرقابة المزدوجة من الاحتلال والسلطة الفلسطينية تحدياً يساهم في تشكيل واقع الصحافة الفلسطينية، حيث يتعرض الصحفيون لضغوط من كلا الطرفين، مما يعكس العلاقة المعقدة بين السلطة والهوية والحرية الإعلامية في سياق الصراع المستمر.
- يمثل التمويل والتبعية للجهات المانحة عاملاً مؤثراً في تحديد الخط التحريري للإعلام الفلسطيني، حيث يمكن أن تؤثر مصادر التمويل الخارجية على محتوى التغطية الإعلامية، مما يساهم في تشكيل الروايات وتوجيه الخطاب الإعلامي بما يتماشى مع مصالح المانحين وهو ما يعكس التداخل بين السياسة والاقتصاد والإعلام في السياقات الاجتماعية والثقافية.
- تعكس التجزئة الجغرافية لفلسطين اختلاف أولويات الإعلام في الضفة الغربية وغزة والقدس والداخل فلسطينيو 48، تأثيرات السياقات المحلية والسياسية لكل منطقة. ففي الضفة وغزة، تتركز التغطية الإعلامية حول القضايا المتعلقة بالاحتلال والمقاومة، بينما في القدس يُعطى اهتمام خاص للأبعاد الدينية والسياسية المتعلقة بالقدس والأقصى. أما في الداخل المحتل، فترتكز الأولويات الإعلامية على قضايا الهوية والمواطنة والنضال ضد التهميش. هذه الاختلافات تتشكل نتيجة لتجارب اجتماعية وثقافية مختلفة، ما يؤدي إلى تنوع في الخطاب الإعلامي يتأثر بالواقع السياسي والاجتماعي لكل منطقة.
4. المقارنة مع السياقات العربية الأخرى
- تختلف التجربة الفلسطينية عن دول الربيع العربي حيث كانت الصحافة أداة للتغيير الثوري، ففي فلسطين يظل الإعلام أداة مقاومة وجود قبل أن يكون مقاومة سياسية. ذلك أن الإعلام الفلسطيني يتجاوز كونه وسيلة للتغيير الاجتماعي أو السياسي ليصبح وسيلة للحفاظ على الهوية الجماعية والذاكرة الجمعية في مواجهة محاولات التهميش والطمس مع تحول بعض المنصات إلى أدوات توثيق للانتهاكات، يصبح الإعلام في فلسطين وسيلة لبث الوعي وإعادة تشكيل الذاكرة الثقافية والاجتماعية، مما يعكس تفاعل السياسة مع الهوية في سياق صراع طويل الأمد.
5. الصحافة الرقمية
- في العقد الأخير، برز دور الصحافة عبر منصات مثل فيسبوك وتيك توك وتويتر، حيث أصبح الفلسطينيون ينتجون محتوى بديلاً يعكس حياتهم تحت الاحتلال، فهذا التحول يُظهر تزايد اللامركزية في الإعلام، حيث أصبح المواطن قادرًا على نقل روايته مباشرة، بعيدًا عن الرقابة أو التلاعب الإعلامي التقليدي، وهذه المنصات أصبحت أدوات فعّالة للتوثيق والنضال، مما يعكس تحولًا في الطريقة التي يتم بها تشكيل ونقل الروايات الوطنية والعالمية.