• 30 حزيران 2025
  • أقلام مقدسية

 

 

بقلم : الشيخ مازن اهرام 

كثيراً ما يتمثَّل الإنسان بكلمات، يرى أنها تعبر عما يجول بداخله وبعض مِن قناعته الشخصية وتختصر كثيرا من المعاني التي يحملها بين جوانحه وأفكاره وحواره يختلج أعماق نفسه اللوامة 

وقد لا يعرف الناطق بهذه الكلمات أنها ظنون وأحوالُ تطفوا على السطح لها مورد ومضرب أما المورد فهو القصة أو الحادثة التي أطلق فيها لأول مرة. أما المضرب فهو الحال الذي نستخدمه فيه لمشابهته لقصة المثل.

يتمثَّل الإنسان بكلمات، يرى أنها تعبر عما بداخله أصدق تعبير، وتختصر كثيرا من المعاني التي يحملها بين جوانحه. ونسي أو ربما تناسى أن ((المرء بأصغريه قلبه ولسانه))

كثيرٌ من النَّاس يهتمُّ بصورته الخارجيَّة ومظهره المشاهَد ولا يهتمُّ بالمخْبَر ولهذا يكون منه أنواع من الزَّلل والخطأ ولا يبالي بذلك مما يخرِم مكانته ويضعف منزلته ويوقعه مواقع الذُّل والهوان بينما إذا عُنيَ المرء بهذين العضوين -اللِّسان والقلب- عنايةً تامَّة وحافظ عليهما واعتنى بإصلاحهما وتقويمهما في ضوء هدي الشَّريعة وآدابها القويمة صَلَحت حاله كلُّها.

الاعتذار فن إنساني لا يتقنه جميع البشر،

الاعتذار عند أهل البيت عليهم السلام هو قيمة أخلاقية وإنسانية عالية، حيث يحثون على قبول العذر من الآخرين والتماس الأعذار لهم، كما يعتبرون الاعتذار من صفات المؤمنين الصادقين،  

فلعلنا نذكِّر بهذه القصة من يُقصْرُ في حقوق أخيه الإنسان وفي حضارتنا وثقافتنا وأخلاقنا وهل يمكن القول إننا جفونا بألسنتنا وما خُفي في قلوبنا أدهى وأمرْ

لأمثال هؤلاء نذكر مقولة عمر بن الخطاب الشهيرة، أصابت امرأة وأخطأ عمر، فهل نال ذلك من مكانة ثاني الخلفاء الراشدين؟! 

أم أن شجاعة عمر رضي الله عنه التي اشتهر بها في كل ميدان تتجلى في هذه المقولة علّنا نتعلم جميعاً أن الاعتذار بالخطأ ليس ضعفاً، بل شجاعة والتزام بالحق ورجوع عن الباطل.

وإن كان الاعتذار شجاعة، فإن الصدق فيه صفة لازمة لا يتحقق إلا بها؛ فكل ابن آدم خطّاء وخير الخطائين التوابون.

الاعتذار من شيم الكرام، وهو سلوك نبيل يدل على التواضع والثقة بالنفس. ويعكس قوة الشخصية والقدرة على الاعتراف بالخطأ وتحمل المسؤولية، وهو من الأخلاق الحميدة التي تعزز العلاقات الإنسانية تعبير يدل على أن الاعتذار من صفات الأشخاص الكرماء والنبلاء، أي الذين يتميزون بالأخلاق الحسنة.

أقوى اعتذار في التاريخ.......

حين قال أبو ذر لبلال: "حتى أنت يا ابن السوداء تُخطْئُني؟!"،

 قام بلال مدهوشًا، غاضبًا، متألمًا، وقال:

 "والله لأرفعنك إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم فلما علم النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم بذلك تغيّر وجهه وقال: "يا أبا ذر، أعيرته بأمه؟ إنك امرؤ فيك جاهلية!". 

فبكى أبو ذر وقال: "يا رسول الله، استغفر لي". ثم خرج من المسجد باكيًا، وأتى إلى بلال واضعًا خده على التراب وقال: "والله يا بلال لا أرفع خدي عن التراب حتى تطأه برجلك. أنت الكريم وأنا المهان!".

لكن بلال، الذي ملك قلبًا عامرًا بالإيمان، بكى واقترب من أبي ذر وقبّل خده وقال: "والله لا أطأ وجهًا سجد لله سجدة واحدة".

 ثم تعانقا وتباكيا.

واليوم، نجد بعضنا يُسيء إلى الآخر عشرات المرات ولا يقول: "عفوًا، أخي" أو "عفوًا، أختي". بعضنا يجرح الآخر في عقيدته، مبادئه، أو في أغلى ما يملك في حياته، ومع ذلك يستكبر عن كلمة "آسف" أو "سامحني".

الاعتذار ثقافة راقية وأخلاق عظيمة، لكنها للأسف تُعتبر عند البعض إهانة للنفس وهي في الحقيقة علامة على قوة الروح ونبل الأخلاق.

نعم نحبُّ أهالينا، ونُساعدهم وننصرهم، ولكن عندما يكونون على حق، ولكن التحزُّب للقريب والصديق وهو ظالم، فهذا من أخلاق الجاهلية، وإن الإسلام جاء ليُعلِّمنا أن الحقَّ هو الذي يُنصر بغض النظر عن صاحبه، والباطل هو الذي يُعادى بغض النظر عن صاحبه، وقد أبدَلَنا الله خيراً من الجاهلية، هذا الدين الحنيف السمح، والعيب أن نُسلم ونتخلَّق بأخلاق الجاهلية!

كلنا راحلون، والزّاد قليل. بين حين وآخر جالِسْ كبار السن.. تأملهم، واقرأ سطور تجاعيدهم، واسمع قِصَص عيونهم، وغُصَص قلوبهم، واعرف مآلاتك إن طالت بك الحياة، ثم تأهَّبْ لشيخوختك بما يجب نسأل الله العفو والعافية والمعافاة في الدنيا والآخرة. لقد حان الوقت منا أن نفيق من غفلتنا، فالقدس لنا وللقدس نحن؛ هي الهواء نتمنى شمه بعمق داخل صدورنا، هي الصلاة التي منها وفيها نصلي بروح أخرى،

قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم اي الناس أفضل 

(قال كل مخموم القلب صدوق اللسان) 

 قالوا صدوق اللسان نعرفه فما مخموم القلب قال هو التقي النقي لا اثم فيه ولا بغي ولا غل ولا حسد هذا حديث عظيم الشأن وندرك عظم شأنه من السؤال الجليل الذي طرح على النبي صلى الله عليه وسلم