• 2 تشرين الثاني 2025
  • أقلام مقدسية

بقلم : تحسين يقين

 

"ما بجيب الرطل الا الرطل ووقية". 

كبرنا، فصرنا نتذكر الأمثال الشعبية،

 و لنا كفلسطينيين وعربا أن نتذكر مقولة الرئيس جمال عبد الناصر: "ما أخذ بالقوة لا يسترد الا بالقوة". 

عودة إلى توازن القوى الذي زهدنا به، والذي هو أهم أصل من أصول السلم والحرب. ولعل كل أمة كونت أدبيات لها عميقة في هذا الشأن.

تحفل الثقافات الشعبية في بلادنا وبلاد كثيرة بمضمون ضرورة الاستعداد الدائم، بل يمكن استقصاء ذلك في الثقافة العربية، كثقافة قومية، كذلك في التراث الشعبي الفلسطيني. وسنجد أن حكمة الشعوب أجمعت على الإعداد والاستعداد. وعليه فإن الدول العربية مطالبة اليوم في معظمها بإعادة بناء جيوشها، بل والتفكير بعمق في توظيف العلاقات الدولية سلما وحربا، بهدف ضمان موضعة فاعلة لنا.

يصدر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب  تعليماته لوزارة الدفاع إلى استئناف تجارب الأسلحة النووية على الفور، في سياق إجراء روسيا تجربة لسلاح جديد بعيد المدى يعمل بالطاقة النووية تحت الماء، التي اختبرت مؤخرًا صاروخًا قادرًا على حمل رؤوس نووية، ولم يمرّ سوى أقل من شهرين، على آخر استعراض عسكري كبير للصين، وجهت فيه رسالة تتعلق بقدراتها العسكرية الفائقة، خاصة الصاروخية. وللدول الكبرى في الغرب والشرق، فلم تزهد بتطوير سلاحها التقليدي وغيره والنووي، كما وقد لحقت  للدول الإقليمية الكبرى، بهذا الفعل؛ فالصراع والتنافس مستمر لم يتوقف، أما الحديث عن  إيقاف الولايات المتحدة طوعًا تجارب التفجيرات النووية منذ عام 1992، فنحن عن بعد لا ندري ما تفعله الدولة الأولى، متذكرين انه خلال فترة ولاية دونالد ترامب الأولى، حين سعى إلى زيادة الترسانة النووية الأمريكية بنحو عشرة أضعاف. 

ليس مفاجئا ما نقرأه عن تنافس الدول عسكريا، لا قديما ولا حديثا؛ حتى الدول التي عقدت اتفاقيات سلام بينها، فقد استمرت بتطوير قدراتها العسكرية، من منطلق الاستعداد للدفاع عن أوطانها ومصالحها الاستراتيجية، ولم تختف الحروب أبدا، فلا تسكت حرب حتى تندلع أخرى.

فلسطينيا، وعربيا فإن الصراع العربي الصهيوني، قد ولد أصلا في ظل الصراعات الدولية، فقد كانت نتيجة الحرب العالمية الأولى "وعد بلفور"، الذي ظهر قبل انتهاء الحرب بعام. أما نتيجة الحرب العالمية الثانية، فقد كانت "تقسيم فلسطين"، وقيام دولة الاحتلال عام 1948. أي بعد انتهاء الحرب بثلاثة أعوام. ثم بعد 8 أعوام على إنشاء الكيان الصهيوني، تحالفت بريطانيا وفرنسا مع دول الاحتلال مع هذا الكيان في حرب السويس عام 1956 من خلال ما صار يعرف بالعدوان الثلاثي. وهكذا حلقة وراء حلقة وصولا الى الآن، حتى أن حلقة اتفاقيات السلام هنا، لم تكن إلا أشكالا أخرى للصراع.

مشكلة فلسطين المحتلة أن الدول الكبرى هي من رعت الصراع، وهي من رعت قيام دولة الاحتلال، فكان من الصعب الوصول لحلّ عادل للقضية الفلسطينية، فقد اتفقت مصالح دولة الاحتلال مع مصالح هذه الدول. وهكذا تبخرت الأخلاق، وقد تبخرت بشكل كامل في الحرب الجبانة على غزة.

لقد استطاعت دولة الاحتلال توظيف الصراعات الدولية خلال قرن لمصلحة تفوقها، في حين لم ننجح نحن بذلك، فكان تشتتنا سبب ضعفنا، كما اننا لم نركز في علاقاتنا، فكنا نعادي في العلن فيما نسالم بالخفاء.

واليوم، وكون قضايانا العربية ومنها قضية فلسطين قضايا صعبة، فإن من الطبيعي ان تركز الدول العربية علاقاتها الدولية بما يخدم قضايانا.

وهنا لربما ينبغي التذكير بأن قضية فلسطين هي قضية عربية، ليس من منطلق الشعور القومي المتضامن فقط، بل لأن وجودها يعني ان الاستلاب لم يقف عند حدودها، بل امتد الى الدول العربية. ولا أظننا بحاجة للتذكير بتفاصيل ما حدث وما زال يحدث.

إن الدول العربية التي تقف مع فلسطين إنما تقف مع نفسها؛ ففلسطين هي قضية أمن وطني قبل ان تكون أمنا قوميا. وقد أثبتت السنوات ان الزهد بفلسطين أدى الى زهد الدول العربية بحالها.

من هنا، وفي ظل تخويف الاحتلال لبلادنا العربية، فما علينا إلا العودة الواعية لبناء جيوشنا، من خلال توظيف العلاقات الدولية، بما فيها من سلم وحرب وصراع ونزاع وتنافس.

لقد تم تفكيك الجيشين السوري والعراقي، فصار لزاما إعادة البناء، فليس البناء هو للعمران، بل لمن يحمي العمران، وحين نسأل عن التسليح، لنا ما نقوله ولنا ما نفعله. ويمكن للدول العربية في شمال أفريقيا التعاون فيما بينها، من خلال تعاون تونس والجزائر والمغرب في جميع المجالات. في حين يمكن للشقيقة الكبرى مصر المساهمة في بناء الجيوش العربية، ويمكن للدول الغنية أن تساهم في تمويل التسليح، وسداد الديون العربية، لأنه مهما ستدفع تلك الدول، فسيكون أقل كثيرا مما تنهبه الولايات المتحدة التي تدرك جيدا أنها ليست في وارد الدفاع عن أحد. وبناء العسكرية يعني بناء منظومات الأمن والأمان.

نستطيع التعاون مع دول كبرى وغيرها، فلم يعد السلاح محتكرا لدى دولة بعينها. وهكذا، فإن دولة الاحتلال ستعرف أن العرب يتحدثون عن السلام من موقع قوة لا ضعف.

إننا فعلا كعرب جادون في الوصول الى تسوية تضمن الحقوق الدنيا فلسطينيا وعربيا، فإذا تماسكنا قطريا وقوميا، فإننا نستطيع بناء تحالفات جادة، نضمن البقاء العربي الكريم والشجاع.

ان طريق حل الصراع هنا في ظل الصراعات الدولية متعددة الجوانب، يأتي عبر توظيف الصراعات الدولية، ولنا ومعنا ما يمكن أن نقدمه.

واليوم، في ظل الإعلان عن التسليح الدولي، وسباق التسلح، فإن علينا التسلح عسكريا وسياسيا واقتصاديا، فيما يمكن شراؤه أو تصنيعه عربيا، للضغط على دولة الاحتلال حتى تقبل على السلام من داخلها، لا دفعنا للاستسلام عن طريق تخويفنا.

حل صراعنا العربي مع الاحتلال، في ظل ما نحياه من صراعات قديمة وحديثة، لا يمكن أن يتحقق الأمن خلال التأثير على ميزان الصراعات الدولية. وحتى يمكننا التأثير، فإن علينا أولا تقوية استقلالنا عبر الباب القومي.

وأخيرا، إن تحقيق الاستقلال العربي، ولكل دولة عربية على حدة، لن يتم في غياب استقلال فلسطين وتحررها.

إن ما حدث في شرم الشيخ، وبعده، شكل بداية جادة للفعل العربي-الدولي، الذي يفتح الباب على علاقات عربية مع العالم، وألا تكون مقتصرة على دول معينة، فلا مجال لاحتكار علاقاتنا الدولية من جانب دولة أو أكثر. بل إن الاستمرار بذلك سيقوي حالة التضامن الدولي مع الحق العربي والفلسطيني، يضمن ذلك ويقويه حركة شعوب العالم، الأوروبي والشرقي، شمالا وجنوبا، والأمريكي فيما بعد.

إعادة الاعتبار لتوازن القوة، وإعادة الاعتبار لأنفسنا وعلاقاتنا مع العلم، الشقيق والصديق وغيرهما؛ هكذا فقط سنحسم المعركة مع العدو سلما وحربا، ولعله أخيرا سيصغي لصوت العقلانية والإنسانية.