• 13 تشرين أول 2018
  • مقابلة خاصة

 

                              

بقلم : القاضي المقدسي فواز ابراهيم نزار عطية

                                                                                     

كانت فكرة تقديم حلقة بحث ثان عام 2013م لنيل درجة الماجستير في موضوع دور الوقف الذّري" الأهلي" في القدس الشريف في مقاومة تهويد المدينة المقدسة، كنتيجة للهجمة الشرسة في تهويد المدينة المقدسة تحت مسميات مختلفة من الجانب الإسرائيلي، الذي لم يراع وجود المسيحيين والمسلمين على الأرض، كما ولم يراع الحضارة العربية الاسلامية في المكان، بل الإجراءات السريعة والتي تدل على سباق الزمن،  من الدوافع الرئيسية في إعمال دراسة عن دور "الوقف الذري في منع تهويد المدينة المقدسة " باعتباره وسيلة فعّالة في كبح جماح التهويد، ولتشجيع أصحاب العقارات في القدس الشريف لحبس عقاراتهم لذرياتهم منعا من تسريب العقارات. 

 إن عنوان البحث بالمفهوم المشار اليه أعلاه، له اهدافه على الصعيدين الشخصي والاجتماعي، لكن عامل الزمن ما بين عامي 2013م وبدايات عام 2018م أدى لتطورات كثيرة جعلت من تنقيح وادراج معلومات جديدة في طبعة اضافية أمرا مهما،  ليتمكن القارئ الكريم من مواكبة الظروف والمستجدات على مختلف الاصعدة. و قد ارتأيت ادراج في الطبعة المنقحة الثالثة معلومات اضافية تحت عنوان جديد " دور الوقف الذري في القدس الشريف في منع تهويد المدينة المقدسة وفي تثبيت النسب والحفاظ على المكتسبات بين الواقع والمأمول"، تزامنا مع اعلان جمعية الوقف المقدسي الذّري والهيئة الاسلامية العليا لعقد مؤتمر دولي بالقدس الشريف حول الوقف في بيت المقدس بين الواقع والمأمول في شهر تموز من عام 2018. 

ومما لا ريب فيه ان الشغف بالتراث والتاريخ والتصميم على وضع الهدف نصب العينين، بعون وفضل من الله عزوجل، بحيث تمكنت في فترة زمنية قياسية لا تتجاوز العام الواحد، من الاطلاع والبحث في جميع معاملات وقف جدّي الاعلى لأبي المرحوم الصدر الأجل الكبير المحترمالشيخ ابراهيم السافوطي منذ عام 998 هجري حتى عام 1342 هجري، علما أنني رصدت معاملات لجدّي قبل هذا التاريخ بسنوات طوال ابتداء من عام 936 هجري، إذ الاطلاع والبحث في سجلات المحكمة الشرعية بالقدس - إبان حكم الخلافة الاسلامية العثمانية – المحفوظ  نسخا عنها في مؤسسة إحياء التراث والمحافظة على الوقف الكائنة في بلدة ابو ديس قضاء القدس، ونسخة ثانية محفوظة في المكتبة الوطنية بالقدس الغربية، مكنني من كشف المخفي من تلك البيانات والمعلومات ، رغم أن هناك نسخة ثالثة لدى دار اسعاف النشاشيبي في القدس محفوظة من خلال المايكرو فيلم غير متاح الاطلاع عليها بصورة ميسرة. 

ومن خلال استكشاف الفترة التي حكمت بها الدولة العثمانية القدس خلال الفترة الممتدة بين الاعوام 922 هجري الموافق ل 1516 ميلادي حتى العام 1342 هجري ، اطلعت على وثائق ومعاملات لم تكن تخطر بالبال، وما أذهلني هو حجم وكمية المعلومات الدقيقة والكثيرة التي دُونت في سجلات المحكمة الشرعية بالقدس، والتي عكست نظام حياة الناس الذين عاشوا في تلك الفترة، كما وعكست التطور الحضاري الذي تبنته الدولة العثمانية للرّقي برعايها، مما أثبت وبحق كم كانت تلك الدولة تواكب التطور والمستجدات، إذ وجدت أن السجلات كانت تشير لمرآة عزة وقوة ومنعة وسمو الدولة العثمانية التي تمتعت بها، من خلال صياغة الحجج التي دونت في السجلات، لما فيها من دقة البيانات والمعلومات ورصانتها.

في هذا المقام، أدعو ومن منطلق الامانة العلمية والتاريخية، العائلات المقدسية لتكتشف تاريخها وعظمة أسلافها، للإطلاع على السجلات التي كشفت أمرين لا ثالث لهما، الأول: اصول العائلات المقدسية وتاريخ قدومها للقدس، والثاني: كيفية تغيير اسم العائلة وتشعبها اما بسبب الحِرف أو الوظائف التي عمل بها اصحابها أو نتيجة الظروف الاجتماعية التي كانت تلازم اصحابها.

مما سيُدهش كل من سيغوص في بحر السجلات، أن معظم الكتب التي تناولت اسماء العائلات المقدسية وتاريخ وجودها في القدس أغلبها لا يمت للواقع بصلة، بل لا أعلم كيف تم تقسيم العائلات القديمة والجديدة، وحُدد عام 1100 هجري وما قبل فيما إذا وردت أية معاملة  في السجلات، تعتبر العائلة قبل ذلك التاريخ من العائلات التي أتت مع ركب التحرير زمن السلطان الناصر صلاح الدين الايوبي رحمه الله، ومنذ 1100 هجري وبعده أُدرجت من ضمن العائلات الجديدة، بل تناسى صاحب كتاب المفصل في تاريخ القدس ومن سار على نهجه أن هناك عائلات قدِمت من المغرب وشرق آسيا ومن إفريقيا، ومكثت في بيت المقدس منذ ما يزيد على الخمسة قرون وما زالت ولم تُذكر في كتبهم، في حين آثار تلك العائلات زاهرة في سجلات المحكمة الشرعية حتى يومنا هذا وما زالوا في بيت المقدس. وما ازعجني اكثر هو أن من اعتمد على المعلومات في كتاب المفصل في تاريخ القدس لم يُعمل أسس منهجية البحث العلمي وأدواته في التثبت والتحقق من المعلومات وفق منهجية كتابة المعلومات واصول البحث العلمي.

 وبالتالي فإن معظم الكُتاب، وقعوا في الخطأ ذاته بسبب عدم التدقيق في السجلات الشرعية بصورة علمية ومهنية ممنهجة، أو أنه تم نقل المعلومات بصورة عشوائية دون توثيق وتحقق، وفي كلتا الصورتين إخفاق علمي. وقد يسأل سائل ما هو الهدف من نشر هذه المعلومات التي استقرت في وجدان كتب التاريخ، وأين تكمن المصلحة في اثارة هذا الواقع؟ أقول جوابا على ذلك، أنني وبعد ان تمكنت بفضل من الله تعالى الاطلاع على الحقيقة من خلال واقع السجلات، فلم تصبح تلك الحقيقة ملكا لي، وإنما من حق الجميع أن تنقل لهم بكل امانة واخلاص، مما يستدعي إعادة صياغة التاريخ من قبل المتخصصين واصحاب الامانة العلمية وفق منهجية علمية سليمة. 

واخيرا وليس آخرا، هذه السجلات غنية بالمعلومات الدينية والاقتصادية والاجتماعية التي تشكل مدخلا حقيقيا لنيل الدرجات العلمية، وعلى وجه التحديد مرحلتي الماجستير والدكتوراة. ومن هذا المنطلق أدعو أولي الامر في دائرة الاوقاف الاسلامية بالقدس الشريف السماح للعامة بالحصول على المعلومات القيمة لما فيه خير البلاد والعباد، وتقديم كل سبل التيسير على الباحثين لنهل العلم دون تعطيل أو اجراءات تحول دون معرفة الحقيقة، في الوقت ذاته هذه السجلات متوفرة في المكتبة الوطنية غربي القدس، كما وأدعو دائرتي الاوقاف الاردنية والفلسطينية بضرورة الحصول على صور من سجلات الدولة المملوكية المحفوظة في دولة مصر لأن في القدس تاريخ وحضارة عربية اسلامية.......