• 23 تشرين أول 2023
  • مقابلة خاصة

 

 

 

بقلم : الدكتور علي قليبو

 

 هذه المقالة للدكتور على قليبو تعتبر من اكثر المقالات صراحة حول واقع المثقف  العربي  المسلم الفلسطيني الذي  تربي على قيم الثقافة الاوروبية الغربية ، مقالة تستحق التفكير العميق بل التعليق ،  وكما قال الدكتور قليبولم تعد جولتي في الفكر الأوروبي تعني لي شيئًا في ظل خيانتهم الإنسانية المفقودة في غزة: ،أكاذيب الثقافة الأوروبية في الشرق، في ظل خيانتهم لنا نحن المخدوعين بالثقافة الأوروبية في غزة ظهر زيف اللوحات الفنية بألوان العنصرية الإنسانية.

 إنّ العيون تتجه صباح مساء نحو غزة التي تعيش أهوال القصف الإسرائيلي  والدمار  والمجازر الجماعية، والذي يزيد من حنقنا تألب الولايات المتحدة الأمريكية ومجموعة الدول الأوروبية علينا، وقد كشف هذا  عن كراهية وازدراء دفين يحط من كرامتنا ويجردنا من إنسانيتنا بصورة عنصرية تضرب جذورها في إمبريالية القرن التاسع عشر، وتردد صدى الكراهية المتأصلة بالحروب الصليبية لتشير إلى إنني كعربي مسلم فلسطيني لا استحق الحياة باحترام، ليجردوني من كرامتي ويمتهنون عزة نفسي متجاهلين عدالة قضيتي وجذوري التاريخية في أرض فلسطين وحقي في تقرير المصير بدولة مستقلة ذات سيادة بأرض الأجداد.

ان اشد ما يؤلمني كفلسطيني خيانة الدول الأوروبية لنا، فلقد نشأت أجيال من عائلات القدس ومنها عائلتي في جو القدس الثقافي المُشبّع بالحضارة والثقافة الأوروبية حيث لعبت المدارس التبشيرية في مختلف الأديرة ومن كل الطوائف دورًا خطيرًا في تشكيل فكرنا وهويتنا الثقافية في إطار الخطاب الأوروبي الإنساني، فلقد جلست في مقاعد الدراسة في مدرسة أوروبية في خطى والدي وجدي رحمهما الله وتشكّلت أفكارنا في الخطاب الفني  التشكيلي والموسيقي والأدبي والفلسفي الأوروبي من شعر وموسيقا وأدب وفلسفة حتى خال لنا أن باريس ولندن وروما بنمط حياتهم وإيقاعه الجمالي هو تجسيد لهويتنا.

سيان في روما أو باريس أو في لندن أو في ميونيخ، يقودني سائق التكسي عبر شوارع أعرفها من عبر أسفاري ودراستي وعبر زيارات وإقامات متواصلة، فأعرف تقريبًا معظم اللوحات التشكيلية والتماثيل الكلاسيكية، كما أعرف مواضعها في متحف "اللوفر" أو في متحف "دورساي" أو في متحف "البلفيدير" في الفاتيكان، وفي كل كنيسة في روما وفي لندن، فهنا تمثال لاوكوون وهناك الموناليزا وهناك بعيدا في لندن لوحات "فكتور تيرنر" وفي أحد زقاق البندقية كنيسة أعود لزيارتها مرارًا وتكرارًا، لتأمل جمال اللون الأزرق في رسم "جيوفاني بيليني" لمريم العذراء.

وفي باريس أمرُّ بالكوليج دي فرانس وأعرف أن "كلود ليفي ستراوس" الذي كنت أتواصل معه أيام دراستي كان يداوم في هذا المبنى، وأن المفكر "جاك لاكان" و"رولاند بارث" قد حاضرا هنا وهناك، وهناك في زاوية مقهى في "سان جرمان" جلس جان بول سارتر مع لفيف من المفكرين الوجوديين. ويتابع السائق مرورًا بدار الأوبرا في باريس أو مسرح الكوميدي الفرنسي والتي لا يعلم السائق الفرنسي عن جوهرها شيئًا والتي شكّلت مسرحياتها وموسيقاها أشعارها وفلسفتها هويتي الذاتية!

وكنت أدرك أنه وبالرغم من إلمامي بالفكر والأدب والفن الكلاسيكي الأوروبي والفرنسي والألماني والبريطاني وانتمائي للخطاب الثقافي الأوروبي إلا أن محصلتي الثقافية لن تجعلني فرنسيًا ولا إيطاليًا ولا أميركيًا؛ لكننا جميعا متآخون بالإنسانية، وهذا المفهوم ترسخه المتاحف العظيمة في الغرب حيث يعدّ التراث الإنساني تراثًا تتشارك به الإنسانية جمعاء فكنتُ أرنوا خاصة إلى فرنسا حيث تُعدّ الحرية والمساواة والأخوة ببعدها الإنساني شعارًا لها.

تخيّلوا هول الصدمة وإحساسي الغامر بالغدر والخيانة وقد أُضيء برج "إيفل" رمز الحرية والعدالة بالعلم الإسرائيلي باللون الأزرق والأبيض.

"انصر أخاك ظالما أو مظلوما" مقولة عربية تدل على العصبية القبلية وتشير الى تعاضد العالم الغربي مع إسرائيل.

في العلم الإسرائيلي المنتصب في العواصم الأوروبية دلالة ورسالة واضحة مفادها:

ان أوروبا تعتبر الإسرائيليين اليهود جزءًا لا يتجزأ من هويتها وتشملهم بمفهوم الحرية والمساواة والإخاء، أما نحن، الشرقيين سواءا كنت تركيًّا أو إندونيسيًّا أو باكستانيًّا أو عربيًّا – فسنبقى الغرباء وشعبًا "آخر" مُجردين من الإنسانية وستكال علينا جميع المساوئ التي كالها الإغريقيون على الفرس في عصر أثينا الذهبي وحروبهم السجال مع الفرس، وعند المحك تزول المجاملات لتصبح كرامتنا عرضةً للامتهان نُعاني من الاحتقار  في خساسة ودناءة بدون مواربة ونعامل كبرابرة يعاقبون بدون رحمة أو هوادة.