• 24 نيسان 2024
  • نبض إيلياء

  بقلم : خليل احمد العسلي 

 

 في القدس  لدى أهلها مصطلحات خاصة بهم ، مصطلحات هي الواقع ، ففي القدس  يتحدثون عن حارات وازقة البلدة القديمة وليس كما حاول الاستعمار البريطاني ومن بعده اسرائيل إدخال  مصطلحات استعمارية الى قاموس المدينة  واى مفردات أهلها،  ومنها مصطلح الأحياء وفق الانتماء العقائدي الديني  وبفضل هذا البغيض البريطاني أصبحنا نسمع  ونقراء في كتب التاريخ المزور "الحي الإسلامي "  "الحي المسيحي"  و"الحي الأرمني"  حتى الحي اليهودي الذي لم يكن قائما وتم استحداثه بالقوة  هذا التقسيم المصطنع الذي خلقه المستعمر البريطاني عن قصد يهدف إلى  تفتيت  نسيج المجتمع المقدسي الذي لا يفرق بين أبناء المدينة وفق الدين، القصص كثيرة و حكايات جداتنا أكثر ، التي تثبت ذلك 

 ولكن للاسف فان اسرائيل استمرت بتعميق الهوة بين الحارات والأزقة ( وليس الأحياء) بهدف خلق وعي انتمائي ضيق لا يمت للقدس ، فنجد السلطات الإسرائيلية كثفت بصورة كبيرة من جهودها لعزل الحارات عن بعضها البعض فنحن أنها ركزت جهودها في الحارات الواقع غرب البلدة القديمة عن بقية الحارات ، بدأ من باب الجديد  إلى  باب الملك داود مرورا باب الخليل ، ويمكن القول للاسف انها حققت جزءا من النجاح بمساعدة ضعاف النفوس أو الذين لم يتمكنوا من تحديد هويتهم  الانتمائية : 

فهل هم ينتمون الى المدينة التي ولدوا وعاشوا فيها ؟ 

أم أنهم ينتمون لشئ  هلامي  مشوه لن يساهم إلا في رحيلهم عن المدينة ، وسيطرة اسرائيل على الحيز المكاني الذي ساهموا بتدميره هم بانفسهم لفقدان انتمائهم ؟ 

 ما علينا ،

 المهم ،  هذا السؤال اثير كثيرا أثناء الجولة التي قمنا بها  مع أحد أبناء القدس الصادقين العاشقين للمدينة التي يحييها كل دقيقة، فهو ينتمى الى المدينة اولا .  

 هذا الصديق هو شخصية معروفة في القدس والتي يعود تاريخ عائلته في المدينة إلى أيام حملة إبراهيم باشا على فلسطين .

 هذا المقدسي الهادئ المثقف الغيور على القدس يثير الإعجاب  عمق انتمائه  للمدينة أكثر  من انتمائه الديني وهذا ما يتضح من خلال حديثنا الطويل الذي شمل مشوارا في أزقة الحارة  الهادئة التي تعاني الكثير من المصاعب والمشاكل البعيدة عن السطح والتي تؤكد انها مثل اي حارة في القدس تعاني من التفكك الاجتماعي وفقدان البوصلة،  وسط غياب رؤية استراتيجية  شاملة تساهم في إبقاء أبناء المدينة المسيحيين والذين هم عنصر أساسي في المشهد المقدسي  العام في المدينة ، رؤية استراتيجية تعمل على تعميق الانتماء إلى المكان من خلال تعزيز الرواية والتاريخ والارتباط به .

 والا فاننا سوف نصحو ذات يوم ونجد أن القدس لم تعد متعددة ولم تعد حاضنة للجميع ولم يعد فيها هذا الطيف الذي تتفاخر فيه القدس  بين جميع مدن العام .

 الانتماء إلى المكان  ليس محصورا في المسيحيين بالقدس فقط رغم انه الوضع هناك صعب  وبحاجة إلى معالجة فورية ، ولكنه ايضا ينسحب على المسلمين في المدينة والذين لا زالوا يعانون من فقدان البوصلة بغياب قيادة ومرجعية مع ضعف الانتماء الذي يحاول البعض ربطه بالبعد الديني فقط رغم اهمية هذا البعد كمدخل لتعزيز  الانتماء للمدينة  إلا أنه ليس كافيا . 

 وكما قال أحد الخبراء والمحللين المهنيين الذين التقيناهم في هذه الجولة فان خلق الانتماء الى المكان يتطلب الكثير من الجهد والكثير من العمل والكثير من كل شي ، بدا من المدرسة في المراحل المبكرة وصولا إلى   خلق جميع الظروف التي تساهم في بقاء هذا الطيف المقدسي من خلال إيجاد نوع من الوظائف التي يحتاج إليها تعميق الانتماء ، اضافة الى الكثير من الجهد على الصعيد الثقافي والتاريخي .

 طبعا مما يعنى كتابة ونشر أكبر عدد من الكتب لتكون مرجعا للأجيال القادمة لنثبت لهم أن هذا الجيل لم يتساهل مع حب القدس ولا يتركها  للغريب  ونثبت أن الانتماء للمدينة كان عندنا اقوى من اي مغريات الدنيا رغم كثرتها ورغم كل ما يقوم به  الآخر  من تضيق الحياة على أهل المدينة من أجل الرحيل .

 وللحديث بقية  طالما في العمر بقية