• 15 تشرين أول 2022
  • حكايات مقدسية

بقلم : محمود شقير

 

في  184 صفحة من القطع الكبير، صدر هذا الكتاب عام 2020 من المتحف الفلسطيني في مناسبة إقامة المتحف معرضًا في مقره الكائن في بيرزيت تحت عنوان "طبع في القدس: مستملون جدد" فيه استعراض شامل لنشوء الطباعة وتأسيس المطابع في مدينة القدس، الذي يرى فيه المستشار الاقتصادي د. سمير جرّاد "رسالة واضحة ومحفزة للإبداع والتميز في إبراز الوجه الحضاري والتاريخي والثقافي والوطني لمدينة القدس عبر التاريخ"ص9.

     وبحسب الدكتورة عادلة العايدي-هنية المديرة العامة للمتحف الفلسطيني فإن هذا المعرض يحاول "رصد تفاعلات البنى الاجتماعية من خلال الإنتاج الطباعي، المعرفي والثقافي، ضمن سياقات تاريخية مختلفة، لبناء صورة موضوعية لشكل الحياة في القدس كمدينة نابضة بالحياة، ويسمع، من خلاله، صوت الفلسطينيين في رواية قصتهم"ص13.

     الجدير ذكره أن هذا المعرض قد تم بالشراكة بين متحف التراث الفلسطيني ومؤسسة دار الطفل العربي في القدس مع المتحف الفلسطيني، وليس غريبًا والحالة هذه أن يتصدر الكتاب مقال لخالد الخطيب، مدير متحف التراث الفلسطيني التابع لمؤسسة دار الطفل العربي يتحدث فيه اعتمادًا على مذكرات غير منشورة للسيدة هند الحسيني التي بادرت إلى تأسيس دار الطفل منذ العام 1948، وفي المقال وصف لإنجازات المؤسّسة في رعاية الأيتام وفي الاهتمام ببعض جوانب التراث الفلسطيني، وبخاصة الثياب المطرزة.

     حفل الكتاب بمقالات وبمواد متنوعة وبصور لها علاقة الطباعة والمطابع و وثائق لها علاقة بمدينة القدس والنضال الوطني الفلسطيني، ومثال ذلك، نشر البيان السادس للانتفاضة الشعبية الأولى الذي أصدرته آنذاك القيادة الوطنية الموحدة للانتفاضة، وكذلك صور لبعض الصفحات الأولى للصحف المحلية الصادرة في القدس، في زمن الانتداب البريطاني وفي زمن الاحتلال الإسرائيلي، وفيها مربعات بيضاء فارغة، تعني أن الرقيب العسكري قد منع خبرًا أو تقريرًا صحفيًّا من النشر، فصدر العدد من الصحيفة وفيه هذا الفراغ الاضطراري للدلالة على عسف الرقابة وعلى تشديد قبضتها على الصحافة الفلسطينية.

     من أبرز المواد التي وردت في الكتاب دراسة متميزة للإعلامي والصحافي محمد سليمان بعنوان "أمهات المطابع وأثرها في نشوء الثقافة الفلسطينية" يستعرض فيه الكاتب بدايات ظهور الطباعة وتأسيس المطابع في القدس ابتداء من عام 1830، التي استدعتها الدوافع الدينية في الأساس، وكذلك نشاط الجمعيات التبشيرية التي أسهمت في نشر الكتب الدينية عبر الطباعة والمطابع، وفي نشر الكتب المدرسية حين راحت تهتم بتأسيس مدارس للأولاد وللبنات منذ القرن التاسع عشر، "ويكفي أن نذكر هنا (...) أن عدد المطابع التي أنشئت في القدس في الربع الأخير من القرن التاسع عشر كان قد بلغ 11 مطبعة، وأن ضغط الطلب على تلك المطابع، وأنواع الكتب التي طبعتها، والكمية التي وزّعت منها، كان يشير لانفتاح آفاق جديدة في البرنامج الثقافي لحركة النهضة القومية في فلسطين، ولقوة موقعها في بنية حركة الإصلاح والتحديث في ولايات الدولة التركية جميعها" ص23.

     ثم يستعرض الكاتب العوامل التي أسهمت "في تعزيز مكانة الثقافة الحديثة في المجتمع الفلسطيني، وجعلها واحدة من اهتمامات القطاع الطباعي في فلسطين، وهو ميلاد الصحافة وتزايد عدد الصحف والمجلات"ص29. وكذلك ظهور الطبقة الوسطى في المجتمع وميلها إلى تحصيل العلم والثقافة بهمة ونشاط أكيدين.  في الكتاب مقالات وتقارير بأقلام: بهاء الجعبة، ساندي رشماوي، محمود شقير، عبد الرحمن شبانة. علاوة على وصف لأقسام المعرض مع ترجمة إلى اللغة الإنكليزية لمواد الكتاب.

     تحية للمتحف الفلسطيني الذي يواصل إقامة المعارض الرصينة التي تعزز مكانة الثقافة الوطنية الفلسطينية وتقدم الوجه الحضاري الناصع للشعب الفلسطيني الذي ما زال يعاني من الاحتلال.