• 5 نيسان 2020
  • إقتصاد وحياة

 

 بقلم عزام توفيق أبو السعود

 

بعد عدة أشهر من الانقطاع عن الكتابة، وجدت نفسي  اعود اليها لأكتب ليس عن القدس، ولا عن الأدب ولا عن الفنون، بل سأكتب  حول مصير اقتصاد العالم في ظل أزمة الكورونا وما بعدها...

فكما نعرف، أن النظام العالمي الإقتصادي الحالي هو نظام رأسمالي، يعتمد على القطاع الخاص ودوره في التنمية الإقتصادية، وأن الانتاج يتم ضمن أصول العرض والطلب، وأن العالم منفتح اقتصاديا ليشتري الناس ما يريدون، ومن أية دولة يريدون ضمن الإنفتاح الإقتصادي، والغاء القيود المعيقة لحرية تنقل البضائع . وأصبحت أمريكا تقود اقتصاد العالم، مع استفادة دول أوروبا الغربية واليابان بشكل كبيرمن حصة كبيرة من الإقتصاد العالمي، وبالتالي شهدنا الشركات العملاقة، والصناعات العملاقة ، والسياسات المالية والنقدية التي سيطر عليها الدولار واليورو والين، وأصبحت بورصات العالم هي المؤشر لنجاح وتقييم أعمال الشركات الكبرى.

قبل مائة عام برز النظام الشيوعي الذي اعتمد على تملك الدولة لوسائل الإنتاج، وأن الاقتصاد تتحكم به الدولة، ويقتصر دور الأفراد فيها على بعض الحرف، وبعض أنواع تجارة التجزئة. هذه التجربة عاشت في الإتحاد السوفياتي والصين ودول المعسكر الشيوعي الأخرى حتى انهار النظام السياسي الشيوعي في روسيا، وتفكك الاتحاد السوفياتي. وعادت هذه الدول لتندمج في النظام الرأسمالي، أو النظام الحر أو نظام العولمة الإقتصادية أيا ما كنا نرغب بتسميتها.

وبرزت خلال فترة محدودة لم تتجاوز ربع قرن في منتصف القرن العشرين، نظرية اشتراكية، قادها عبد الناصر في مصر، وتيتو في ما كان يسمى يوغوسلافيا ، وسحبت معها بعض الدول الصغيرة كالجزائر والعراق وسوريا .. لكن هذه التجربة اعتمدت على تأميم الشركات الخاصة الكبرى، وأصبحت الدولة تدير الشركات الإقتصادية وتنشئ المصانع ، وتتحكم في وسائل الإنتاج وفي الاستيراد المباشر للسلع الإستراتيجية.. مع ابقاء هامش غير كبير لصناعات صغيرة يمكن للأفراد أن يتملكوها ويديروها..

كان السبب في فشل النظام الشيوعي والنظام الإشتراكي هو البيروقراطية والفساد.. اضافة الى تدخل الدول الرأسمالية الكبرى لتفسيخ دول المحور الشيوعي، والى الحروب الداخلية كما حصل في يوغوسلافيا، والى نظريات الخصخصة التي سارت بها مصر السادات ومبارك بدعم أمريكي وغربي.

تجربة الصين كانت تجربة فريدة في نوعها، فبعد ماوتسي تونج تبنت الصين نظرية اقتصادية للإنفتاح الإقتصادي، واستقطاب رؤوس الأموال للإستثمار في الصين ضمن قوانين، بعضها المشاركة مع مؤسسات صينية خاصة ، ربما مملوكة للدولة الصينية، وشهدت الصين نتيجة هذا الانفتاح نموا اقتصاديا غير مسبوق، وبدأ انتاجها يغزو العالم كله ويسيطر على حصة ضخمة من الاستهلاك العالمي، وأصبح لديها أكبر احتياطي من العملات الأجنبية في العالم .

ما حصل في زمن الكورونا هو شيء أغرب من الخيال ... أزمة اقتصادية غير مسبوقة في المدى المنظور، الدول تضخ المليارات من الدولارات لدعم شركاتها، ولدعم جهازها الصحي الذي أظهر أن العالم أجمع قد أهمله، وأهمل امكانية  ظهور وباء ولم يستعد لمثل هذا الأمر. وظهر من خلال هذا الأمر مدى هشاشة النظام الإقتصادي حين يضطر معظم سكان العالم للبقاء في بيوتهم شهرا قد يمتد الى أشهر، وأن العالم أجمع بدوله الكبيرة قبل الصغيرة، القوية قبل الضعيفة في طريقها الى كارثة اقتصادية ستزعزع كيانها السياسي والإقتصادي والإجتماعي نتيجة توقف الحركة الانتاجية للسلع غير الأساسية وهبوط كبير في الإستهلاك للسلع غير الغذائية وزيادة معدلات البطالة وسعي الدول الكبرى لمكافحة الفقر الذي سيكون النتيجة ، لأن الدول الكبرى التي تدفع مخصصات بطالة لن تستطيع تحمل عدة أشهر من الإغلاق.

نعود الى التجربة الصينية، فبعد أن استقطبت الصين شركات عالمية لتنتج على أرضها، ومع أزمة الكورونا ، بدأت هذه الشركات تتضعضع، ووصلت أسهما في بورصات العالم الى مستويات متدنية، أخذت الحكومة الصينية تشتري أسهم هذه الشركات الضخمة لتصبح المالك الأكبر والمتحكم فيها. وبذلك بدأ النظام الشيوعي الاقتصادي( وربما الاشتراكي) يعود بقوة الى الصين، بعد تجربة الانفتاح، الذي تعلمت منها الكثير من التقنيات، بل زادت عليها وطورتها.

وخلاصة القول، فأن الصين أظهرت أن النظام الاشتراكي، الذي بناه عبد الناصر والدكتور القيسوني، لم يكن فاشلا، بل لعله النظام الأنسب للعالم، وأن الأخطاء التي ارتكبت في نهاية عهد عبد الناصر وبداية عهد السادات، كان يمكن تداركها بالتصحيح، وبالرقابة، بالإهتمام بالصيانة والتطوير، وأن البيروقراطية الحكومية كان يجب أن تحارب، وأن ادارة المنشآت الصاعية يجب أن تدار على أسس علمية تجارية اقتصادية ومالية ..

كل الأموال التي تضخها الحكومات الآن في الشركات والصناعات في العالم ، هل ستكون بلا مقابل؟ هل ستكون مجرد هبات؟ أم أن الدول ستعود للتدخل والمشاركة في ادارة الشركات.هل ستتحول هباتها الى أسهم تمتلكها الدولة؟ أم الى قروض ستعجز الشركات عن سدادها فتتدخل الدولة حين ذاك ؟ فيعود النظام الاشتراكي الذي بدأه عبد الناصر لأن يكون النظام الأنسب للعالم؟  مجرد أسئلة ستجيب عليها الأشهر او السنوات القليلة القادمة!!