• 25 شباط 2019
  • أقلام مقدسية

 

 

بقلم :المحامي زياد أبو زياد 

 

شاهدت كما شاهد غيري يوم الجمعة  تقريرا ً على شاشة التلفزيون الفرنسي الإسرائيلي باللغة العربية i24 عن لقاء تم في فندق الملك داود (كينج ديفيد) في القدس الغربية تحت رعاية السفير الأمريكي باسرائيل دافيد فريدمان وبحضور م وصفوا بأنهم رجال أعمال من المستوطنين والفلسطينيين في الضفة الغربية ، تحدث خلاله مستوطن من مستوطنة أرئيل شمال الضفة الغربية قدم نفسه على أنه رئيس الغرفة التجارية للضفة الغربية التي تضم حسب قوله مستوطنين ورجال أعمال فلسطينيين من الضفة الغربية ، كما تحدث أحد الفلسطينيين الذين شاركوا في الاحتفال وهو تاجر من الخليل واصفا ً ذلك بأنه نشاط اقتصادي لا علاقة له في السياسة ، كما تحدث السفير الأمريكي فريدمان الذي كان فخورا ً جدا ً بترتيب هذا اللقاء وبدعم الأنشطة الاقتصادية المشتركة بين الفلسطينيين والمستوطنين بالضفة.

تهميش السلطة وإحياء الإدارة المنية

وفي الحقيقة فإن هذا اللقاء لم يكن الأول من نوعه الذي تقوم السفارة الأمريكية بتنظيمه منذ أن تم نقلها للقدس وتصفية القنصلية العامة التي كانت مخصصة للقدس وللعلاقات مع الفلسطينيين والإعتراف بالقدس عاصمة لدولة إسرائيل.

فقد دأبت السفارة منذ بداية عهد الرئيس ترمب الى تعزيز وتكثيف الأنشطة التي ترمي الى التطبيع بين المستوطنين والفلسطينيين وإعادة تفعيل وتنشيط الجهود الرامية الى تحييد ( تهميش ) السلطة الفلسطينية وتقليص دورها سعيا ً الى تصفيتها بالتوازي مع تعزيز دور الإدارة المدنية وإعادة كل الصلاحيات إليها بعد أن تم تقليص هذه الصلاحيات وفقا ً لعملية أوسلو التي قضت بحل الإدارة المدنية تدريجيا ً وإقامة لجان ارتباط مدني وعسكري تعمل بشكل مؤقت لترتيب العلاقة بين الجانبين الى حين انتهاء المرحلة الانتقالية في أيار 1999 ولكنها استمرت في العمل بعد أن تم تمديد الرحلة الانتقالية الى ما لا نهاية نتيجة لفشل العملية التفاوضية.

وكما قلت فإن الجهود التي تبذلها السفارة الأمريكية تقوم على أساس اللعب على الوتر الإقتصادي والإدعاء بأنها تعمل على تحسين الوضع الإقتصادي للفلسطينيين وتعزير التعاون الإقتصادي بينهم وبين الإسرائيليين في شتى أماكن تواجدهم بما في ذلك المستوطنات باعتبار أن المستوطنات هي جزء لا يتجزأ من إسرائيل وأن أرض إسرائيل من النهر الى البحر هي منطقة الولاية القانونية والسيادية لاسرائيل.

الاحتفال في معبر ترقوميا

ولقد نشرت القدس في عددها الصادر في 6 شباط الحالي تقريرا ً عن احتفال تم في الخامس من الشهر ذاته في حاجز ترقوميا بمشاركة سلطة المعابر البرية الإسرائيلية ومجلس الأمن القومي وشرطة إسرائيل وممثلين عن USAID واللجنة الرباعية والقنصلية الأمريكية وغياب السلطة الفلسطينية الرسمية وحضور تجار ورجال أعمال فلسطينيين ، تم فيه الإعلان عن ترتيبات جديدة لنقل منتجات فاسطينية مباشرة لاسرائيل وسط ما وصف بأنه تسهيلات للفلسطينيين وتسريع لعمليات التفتيش الأمني لهذه البضائع.

القاسم المشترك الذي يميز الأنشطة التي تقوم بها السفارة الامريكية هو التجاهل التام لوجود السلطة الفلسطينية والالتفاف من ورائها وخلق واقع جديد من التطبيع بين ذوي المصالح المادية من الفلسطينيين والمستوطنين وهو ما يصفه رئيس الوزراء الاسرائيلي بالسلام الاقتصادي.

تصفية القنصلية بالقدس وإغلاقها 

ولما كانت المشكلة في أساسها هي مشكلة سياسية فإن من الضروري أن نحاول أن نفهم الخلفية السياسية التي تقف وراء هذه الأنشطة الأمريكية.

فالمعروف أن أمريكا ستقوم بعد أقل من أسبوعين وبالتحديد في 4 آذار القادم بإغلاق قنصليتها بالقدس نهائيا ً وإناطة كافة صلاحيتها بالسفارة التي تمارس عملها بالقدس.

وللتذكير فقط فإن السفارة الأمريكية بالقدس تعمل منذ عام 1844 أي منذ 175 عاما ً. وبعد حرب عام 1948 تم فتح سفارة لأمريكا في تل أبيب وظلت القنصلية بالقدس معتمدة للقدس فقط وتقدم تقاريرها لوزارة الخارجية بواشنطن مباشرة. وظلت تعمل بتلك الصفة بعد عام 1967  على أساس أن وضع القدس لم يحسم بعد وأنه محكوم بقرار الأمم المتحدة رقم 181 لعام 1947 الذي أعطى القدس وضعا ً خاصا ً تحت إشراف دولي ، وأن وضع القدس يتقرر فقط من خلال المفاوضات وفي إطار حل سياسي بين الفلسطينيين والإسرائيليين ، وكانت القنصلية بالقدس مسؤولة عن العلاقات مع الفلسطينيين وظلت كذلك بعد أوسلو عام 1994 وقيام السلطة الفلسطينية فكانت بحكم الأمر الواقع هي السفارة المكلفة بالشؤون الفلسطينية. وبقي الأمر كذلك الى أن قام الرئيس ترمب في 7 كانون أول عام 2017 بالإعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل وقرر نقل السفارة إليها من تل أبيب ، ثم بدأ العمل التدريجي وبضغط من السفير فريدمان لتصفية السفارة وإلغاء وجودها وتخويل كافة صلاحياتها للسفارة.

ولاية السفارة الأمريكية تشمل الأراضي الفلسطينية

وليس أوضح وأدل على النظرة الأمريكية الجديدة ليس للقدس فقط وإنما لمستقبل القدس والضفة الغربية المحتلة من التصريحات التي أدلى بها الناطق بلسان وزارة الخارجية الأمريكية روبرت بالادينو في 20 – 2 - 2019 ردا ً على سؤال لمندوب "القدس" في واشنطن الأخ سعيد عريقات ، عمن سيتولى شؤون الفلسطينيين في الأراضي الفلسطينية سواء التأشيرات والهجرة والشؤون الفلسطينية ، فرد عليه بالادينو بقوله : " لدينا سفارة بالقدس ، كما تعلم ، ونحن نشارك بشكل نشط في كافة أنحاء إسرائيل من سفارتنا بالقدس ".

هذا التصريح لم يصدر عن غباء أو عدم معرفة لأنه صادر عن الناطق بلسان الخارجية الأمريكية وهو يقول بصريح العبارة بأن الأراضي الفلسطينية هي من أنحاء إسرائيل أي أن الضفة الغربية والقدس هما جزء من إسرائيل بالفهم الأمريكي الجديد.

بهذا الشكل يجب فهم التحركات الاقتصادية التي تقوم بها السفارة الأمريكية سواء من خلال الغرفة التجارية للضفة الغربية التي تضم مستوطنين وفلسطينيين أو ما يسمى بالتسهيلات الاقتصادية أو اللقاءات المشتركة التي تتم في السر والعلن تحت رعاية أمريكية سواء لبعض الشبان أو الأطفال أو النساء أو رجال الأعمال الفلسطينيين والإسرائيليين.

المواجهة قادمة...وبعنف دموي

ويبقى السؤال الحائر : ما الذي ستحققه أمريكا من وراء هذه السياسة .

هناك بين النهر والبحر ستة ملايين يهودي يقابلهم ستة ملايين فلسطيني. هؤلاء يتبنى كل طرف منهم رواية تاريخية وطنية تتناقض تماما مع رواية الآخر ولا تعترف بها. وعلى كل جانب من الطرفين من يعتقدون بأن لا مكان للآخر وأنه لا بد من التخلص منه بكل شكل ممكن. فبذور الصراع الدموي ما دامت قائمة ومنغمسة في النفوس. وكل عمليات تجميل الاحتلال أو تجاهل حقيقة الصراع لن تجدي نفعا.

لقد أخطأت أمريكا في تسليم أمر سياستها الخارجية في المنطقة لسفير يهودي منحاز بشكل علني وعن ايديولوجيا الى الاستيطان والتطرف وإنكار الحق الفلسطيني وتجاهل مقومات الصراع. وبالتالي فإن سياسته لن تؤدي إلا الى زرع بذور العنف القادم وتأجيل المواجهة لتكون أكثر عنفا ً ودموية ، بينما الحاجة تقتضي الفصل بين الديكين المتقاتلين ، ثم تهدئة الخواطر من خلال تحقيق القدر الأدنى من العدل والمساواة والسعي الى مصالحة لا تقوم على الظلم والاستقواء وإنما على الاعتراف بالحقوق وتصحيح الظلم التاريخي الذي لحق بالشعب الفلسطيني. وبدون ذلك سيفشل السفير فريدمان ومعه كل من يجاريه في غطرسته وستفشل معهم أمريكا وإسرائيل.