• 13 أيلول 2020
  • أقلام مقدسية


بقلم : د. وليد سالم

في تسعينيات القرن الماضي ، أطلق الشهيد الراحل فيصل الحسيني دعوته لقيام المسلمين والمسيحيين من جميع أرجاء العالم بزيارة القدس والصلاة فيها من خلال البوابة الفلسطينية ، أي أن تتم الزيارة بالتنسيق مع السلطة الوطنية الفلسطينية ، وأطلق الحسيني في حينه كلمته الشهيرة بأن " زيارة السجين ليست تضامنا مع السجان". وكان الحسيني يرغب من فكرته هذه أن تمتلئ القدس بشوارعها وفنادقها ومطاعمها وأسواقها بالوجود البشري العربي والعالمي الاسلامي والمسيحي فيه مما يؤدي إلى تكريس عروبة القدس على الارض وإن سيطر عليها الاحتلال . أراد أيضا أن يخلق وجودا بشريا عربيا ودوليا على أرض القدس يرهب دعاة الضم الاسرائيليين ويجوف إدعاءاتهم بأن القدس هي العاصمة الموحدة لإسرائيل.
لم يجد حلم فيصل الحسيني هذا طريقه للتطبيق على الارض، وذلك لأسباب عدة لعل في مقدمتها أن السلطة الوطنية الفلسطينية ستضطر إلى جلب الاذونات والتصاريح من إسرائيل لكل مواطن عربي أو دولي يرغب بزيارة المدينة، وذلك بعد فحص إسرائيل لكل حالة بمفردها حسب معاييرها الامنية ، وفي المقابل كان هناك الفتاوى التي صدرت من إتحادات علماء المسلمين في الخارج، والتي حرمت على العرب والمسلمين زيارة القدس طالما هي تقبع تحت الاحتلال الاسرائيلي . عوضا عن ذلك لم تقم السلطة الوطنية الفلسطينية بمحاولات جادة لتنظيم حملات زيارة جماعية للمسلمين والمسيحيين من الدول العربية ومن العالم ، وتحويل هذا الموضوع إلى أداة سياسية إضافية لمكافحة الاحتلال سيما عندما تقوم السلطات الإسرائيلية بحظر دخول أي مجموعة عربية أو دولية آتية للقدس بتنسيق مع فلسطين . ومن ضمن محاولات محدودة قامت بها فلسطين بهذا الشأن يمكن الإشارة إلى الاتفاق الفلسطيني مع دولة الكويت عام ٢٠١٤ بتنظيم زيارات الكويتيين للقدس عن طريق قدومهم إلى مطار عمان ومنها ينقلون بالحافلات إلى رام الله والقدس ، وفي حينه بادر وزير الخارجية الكويتي خالد الاحمد الصباح بزيارة رام الله وعرج منها إلى القدس حيث صلى في المسجد الاقصى رافضا أن يرافقه في زيارته أي مسؤول إسرائيلي . بعد هذه الزيارة طويت صفحة الزيارات الكويتية إلى القدس ، ويكمن تخيل السبب الرئيس لذلك على أنه يعود للرفض الاسرائيلي لزيارات جماعية عربية للقدس تأتي بالتنسيق ومن خلال البوابتين الفلسطينية والاردنية. ولكن السؤال الذي يبقى قائما هنا هو : لماذا طوي الموضوع بصمت ولم يتم القيام بحملة فلسطينية - أردنية في كل المحافل للتنديد بالرفض الاسرائيلي لزيارة العرب للقدس ومحاولة التغلب عليه؟

في ظل الصمت الفلسطيني الاردني وعدم قيامهما بحملات لفضح السياسة الاسرائيلية وموانعها في هذا المجال، تواصل الحجيج إلى القدس من خلال البوابة الاسرائيلية ، وهو حجيج من ثلاثة أنواع ، أولها حجيج مسلمي تركيا والهند وروسيا والدول الاسيوية المجاورة لروسيا وغيرها للصلاة في الحرم الشريف ، وثانيهما : حجيج المسيحيين من كل أنحاء العالم إلى الاماكن المقدسة للمسيحيين في القدس ، وثالثهما : هو قدوم أوساط يهودية عالمية تؤيد الحق الفلسطيني في تقرير المصير والدولة المستقلة للقدس ايضا عبر البوابة الاسرائيلية، وذلك ضمن زيارات يهود العالم ككل بمن فيهم المؤيدون لدولة إسرائيل.

أسال هذا الحجيج لعاب إسرائيل لكي تبدء بالتفكير أن تصبح هي المنظمة الرسمية لحجيج الاديان السماوية الثلاث إلى القدس ، وكذلك المنظمة لزيارات كل مواطني العالم من الديان السماوية الثلاث وكذلك من غيرها للقدس . ولهذا فقد ورد في صفقة القرن بنودا تقضي بتخصيص منطقة " عطروت " لإقامة فنادق ومطاعم ودكاكين سياحية للحجاج المسلمين الذين سيأتون إليها عبر مطار عمان ، ثم يتم نقلهم من قبل إسرائيل في حافلات للصلاة في الاقصى والعودة بعد ذلك إلى عطروت ومنها إلى بلادهم عبر مطار عمان.
على أن هذا الترتيب عبر الاردن سرعان ما تم نقضه من قبل إسرائيل بخطوتين : كانت الخطوة الاولى عبر الاعلان عن مشروع لإقامة تسعة آلاف وحدة سكنية استيطانية إستعمارية في منطقة عطروت المخصصة حسب صفقة القرن لإستقبال وإيواء الحجاج المسلمين للقدس. ثم تلى ذلك الخطوة الاسرائيلية بتوقيع اتفاقين مع الامارات العربية المتحدة ومملكة البحرين في آل وأيلول ٢٠٢٠ ، ويقضي الاتفاقان بزيارة مسلمي الدولتين للمسجد الاقصى للصلاة فيه عبر البوابة الاسرائيلية ، مما يعني إعترافا بالسيادة الاسرائيلية على القدس وأقصاها ، وكذلك دعما للسياحة الاسرائيلية ومدخولاتها ، واضافة لذلك اكتفت الاتفاقيتان بالسماح لمن يأتون " بسلام " من الدولتين كما ورد نصا فيهما بزيارة المسجد الاقصى وليس الحرم الشريف الاوسع منه ، مما يبقي الباب مفتوحا لتقسيم الحرم الشريف بين المسلمين واليهود كما تخطط دولة إسرائيل ، وهو ما أوضحه الصحافي المقدسي جوناثان كتاب في مقالة له حول الموضوع . فوق ذلك تكون الدولتان بهذه الطريقة قد تخطتا فلسطين والولاية الهاشمية الاردنية على الحرم الشريف ورتبتا أمورهما بهذا الاتجاه مباشرة مع إسرائيل.

ما أقترحه بناءا على ما تقدم ، أن هذا الموضوع يمثل كنزا بأيدينا لكي نعيد قضية القدس وفلسطين إلى الصدارة من خلال حملة دولية واسعة تشمل التوجه إلى كل دول العالم التي لها علاقات بإسرائيل لمطالبتها بالتنسيق مع فلسطين والاردن بشأن زيارة مواطنيها إلى القدس سواء كانت ديانتهم الاسلام أو المسيحية أو اليهودية ، أو الكونفوشية والبوذية والهندوسية وغيرها ، وأن تتم الرحلات عبر مطار عمان، وأن يتم التوجه إلى الفنادق الفلسطينية في القدس لا إلى الفنادق الاسرائيلية وهكذا . تتطلب فكرة كهذه حملات منظمة تشارك بها كل سفارات فلسطين في العالم وباستخدام الدلائل والنشرات وحملات الدعاية اللازمة ، كما أنها تتطلب مشاركة شركات السياحة ومنظمات المجتمع المدني الفلسطيني ، والاوقاف الاسلامية والمسيحية في القدس ، والجاليات الفلسطينية في العالم لتقوم كل بدورها بهذا الاتجاه. قد لا نستطيع وقف الاستحواذ الاسرائيلي على القدس دفعة واحدة عبر حملة كهذه ولكن تراكمها عبر عدة سنوات قد يحولها إلى أداة سياسية فعالة شبيهة بحملة المقاطعة والعقوبات وسحب الاستثمارات ( ال بي دي إس). ستعيد هكذا حملة زمام المبادرة الذي تم إختطافه للاردن وفلسطين، و ستحرج حملة كهذه القادمين إلى القدس عبر إسرائيل وستعريهم أمام شعوبهم ، كما أنها ستسهم بالتدريج في تقويض الادعاء الاسرائيلي بأن القدس هي العاصمة الموحدة لإسرائيل، وتهديم التنظيم الاسرائيلي للصلاة في الاقصى وكنائس القدس.
لا يكفي اذن أن يعلن مفتي القدس تحريم زيارة الاماراتيين للقدس كما جرى ، ولكن بعد ذلك علينا أن نقدم مبادرة بديلة نعمل عليها ، واعلاه مقترح قابل للنقاش والتطوير بهذا الاتجاه.فما رأي الاعزاء القراء ؟