• 17 شباط 2024
  • أقلام مقدسية

 

بقلم : تحسين يقين

  • الدلال!
  • .....؟
  • والخوف!

الحرب جريمة، والسكوت عنها كذلك، وإطالة مفاوضات وقفها عار.

ما الذي ينتظره هؤلاء وأولئك حتى يقف القتل!

ترى كيف نفسّر موقف الولايات المتحدة من غزو الاحتلال المرتقب لرفح، فهي من ناحية تعلن أنها مع ضمان حماية المدنيين وتقديم المساعدات لهم، وهي تعلن أنها لن تعاقب إسرائيل على ما يمكن أن تفعله هناك؟ 

ما يثير هذا السؤال، هو موقف الولايات المتحدة من موافقتها على استمرار الحرب، وأن مطالبتها بالهدنة مرتبط بالإفراج عن الأسرى الإسرائيليين في غزة.

للأسف أن دولة كبرى مثل الولايات المتحدة، تستهين بحياة الفلسطينيين وأرواحهم وممتلكاتهم، وأنها تكفّر عن هذا الموقف بتقديم الطحين للشعب الفلسطينيين، مقرونا بوعود سرعان ما تتبخّر.

يأتي الدور الأمريكي في سياق موقف معظم الدول الكبرى، في الغرب بشكل خاص، حيث ما زال الأمريكيون والكثير من الأوروبيين يمعنون في "تدليل" إسرائيل، دولة الاحتلال التي لا تستحي من قصف المستشفيات.

لم يترك المثل الشعبي موقفا إلا عبّر عنه، كما كانت أمي تكرر لي ذلك، ف"اللي بوكل العصي مش زي اللي بعدهن"، وهكذا ونحن بانتظار وقف القتل البشع موقتا على الأقل، ولا ندري كيف ما زالت حكومات العالم صامتة؟

الجواب يتلخص بمظهرين اثنين منذ عقود:

الأول، وهو ما ذكرناه من "تدليل" إسرائيل من قبل معظم الدول الكبرى.

والثاني: الخوف من إسرائيل.

والمفارقة، أن هذه الدولة التي تخيف حكومات المنطقة، هي نفسها التي تتلقى الرعاية والتفهم والدلال.

وعلى ذلك، فإن مباحثات "وقف إطلاق النار" لا تحقق لإسرائيل الدلال من جهة، وهي من جهة أخرى تستمر لا في تخويف الفلسطينيين، بل السطو على أرواحهم وممتلكاتهم. 

والمفروض والطبيعي أن يكون دوما وسطاء محايدون لعمل نوع من التوازن، حتى لا يحدث تغوّل طرف على طرف؛ فكما للحياة قواعد فإن للحرب كذلك قواعد.

الصراع قائم من قبل، وهو مستمر، لكن قواعد الاشتباك تقتضي الحكمة؛ وإلا فإن القويّ سيبطش كثيرا، بمبرر الدفاع، ولا توجد أية أعراف تبيح البطش الإسرائيلي.

لذلك، فإن إسرائيل رغم حاجتها لوقف الحرب، إلا أنها غير جادة، والسبب أنها تريد اجتياح رفح للانتهاء من قطاع غزة، وهي الآن لربما تبحث في دفع أهل رفح ولاجئيها الى الذهاب الى خانيونس وغزة؛ فهي تنظر لشعبنا هناك كنظرة المخرج للمجاميع التي يستخدمها في الفيلم، ينقلها كما يشاء. إن ما يتم الآن إخراجه عسكريا هو فعل معين يفرغ رفح للانقضاض عليها.

في عام 1948، كما أخبرنا اللاجئون ونحن أطفال، وكما قرأنا فيما بعد، أن أهل قرية ما كانت تلجأ تحت وقع اجتياح العصابات الصهيونية لقرية أخرى، ولم يكد المقيمون يهتمون بالنازحين إليهم، حتى يضطر الضيف والمضيف للانتقال الى مكان آمن آخر، فيصبح الجميع لاجئين، وظلوا حتى الآن لاجئين.

فما الذي سيحدث في رفح؟ أهو الاتجاه نحو داخل قطاع غزة، أم الى رفح المصرية؟ وهل ستفرض إسرائيل حركة للنازحين باتجاه مصر لأجل تنفيذ سياسة الأمر الواقع؟ لكن ذلك سيصعب تحقيقه في ظل موقف مصر من تهجير أهل قطاع غزة، ولأجل ذلك أكد الملك عبد الله الثاني خلال لقائه الرئيس بايدن على هذا الموقف.

المستخلص هو، إن إسرائيل تريد التخلص من شعبنا باعتبارهم "مجاميع سكان"، يمكن توطينهم في أي مكان يتم تزويدهم فيه بالطعام والخيام.

لذلك، فإن هناك وعيا فلسطينيا وعربيا على ذلك، وما نحتاجه الآن هو امتلاك المزيد من الإرادة، وإجبار الاحتلال على وقف حربه المسعورة، واختيار الطريق السياسي كخيار استراتيجي لحل الصراع.

ليس من النبل أن يستمر الخوف، وإن كان الخوف من الموت مثلا، فليمت الإنسان بأية طريقة شريفة كريمة بدلا من أن يموت من الخوف.

ليس من النبل ولا الحكمة استمرار حلفاء دولة الاحتلال بتدليها غير المحدود، "لأن الولد العاطل بجيب لأهله المسبة"، كما تقول الحكمة الشعبية في المثل، وربما تقف الأمور عند السبّ

عربيا، الاستعمار هو الاستعمار، والقصة معروفة، لذلك فإن الدور سيأتي على آخرين، و"أكلت يوم أكل الثور الأبيض"، أليس هكذا تعلمنا في المدارس العربية؟

عالميا، فإن دم الفلسطينيين الأبرياء له "خطية"، فلا أمان حقيقي سينعم به الغرب المتحالف مع إسرائيل، لأن منظومة الشرّ تصيب الجميع، ولا تستثي أحدا.

أما الدول غير المتحالفة مع إسرائيل، من الدول الصديقة لها وغير الصديقة، فلعلها معا تشكل حلفا عالميا لوقف الحرب، والضغط باتجاه حل القضية الفلسطينية.

تلك مسؤولية أيضا، فمع تقدير دور الاتحاد الروسي، فإن ربط ما يجري في غزة مع ما يتم على أرض أوكرانيا، ليس متقبلا، فروسيا دولة كبرى، ويمكن مع الصين ودول إقليمية مؤثرة يمكن فعل ما يكبح جماح الاحتلال لوقف جرائمه. لا بد من إجراء للمساهمة فعلا في إنقاذ شعب غزة، وإغاثته، لما للدول الكبرى من نفوذ، سيصعب على إسرائيل منع الشاحنات الروسية والصينية المتجهة الى رفح، كما سيصعب عليها منع السفن المتجهة الى برّ غزة، حيث يمكن للطائرات المروحية نقل المساعدات بسرعة. وما ينطبق على روسيا والصين ينطبق على الجمهورية التركية، التي أثبتت قدراتها الإغاثية في الزلزال الذي أصابها.

أما الخائفون، فلن يفيدنا خوفهم ولن يفيدهم هم أيضا.

ستقف الحرب قريبا، وسيقف كل منا أمام ضميره محاسبا نفسه، ما الذي كان من الممكن تقديمه للأبرياء؟ 

ماذا بقي؟

بقي دوما مجال لصحوة ضمير الآن، لا بعد سنوات؛ فماذا سيستفيد من دمروا في الحروب حين يأتي من يعتذر عما كان! لمن سيعتذر؟

وهل نداءات الشعوب بوقف الحرب على المدنيين هي كمن ينفخ في "قربة مخزوقة"!

عيب وعار ليس استمرار الحرب، بل إنها حدثت بهذا الشكل الأكثر دموية في التقتيل والتخريب، وتدمير الأمل في السلام.