• 15 تموز 2023
  • مقابلة خاصة

 

 اسطنبول - أخبار البلد- كتب احمد هيمت : 

 نشر الموقع الالكتروني الرسمي للمنظمة الدولية للحوار التركي العربي مقابلة حصرية مع سمو الامير الحسن بن طلال المفكر العربي المعروف والرئيس الفخري للمنظمة الدولية ، تحدث فيها باسهاب عن العديد من المواضيع التي لها علاقة باهمية الحوار بين الشعوب من اجل التقارب .

 ويسعدنا في شبكة " أخبار البلد" المقدسية ان نعيد نشر المقابلة  مع الامير الحسن بن طلال كاملة  كما نشرت في موقع  المنظمة الدولية للحوار التركي العربي والتي تعتبر فريدة من نوعها في العالم ونقلة نوعية في تعزيز العلاقات التركية العربية على الصعيد الاقتصادي والثقافي والاكاديمي واليكم المقابلة : 

"  اعتبر صاحب السمو الملكي الامير الحسن بن طلال الرئيس الفخري للمنظمة الدولية للحوار التركي العربي بان اعادة تفعيل المنظمة خطوة بالغة الاهمية من اجل تعزيز الحوار بين الشعبين العربي والتركي. جاءت تصريحات سمو الامير الحسن في مقابلة  حصرية لموقع المنظمة الدولية للحوار التركي العربي وهذا نصها : 

كيف تلقيتم نبأ تأسيس ملتقى الحوار المتمثل في المنظمة الدولية للحوار التركي العربي؟

- انطلاقاً من إيماننا بأهمية الحوار، وبأن البشر هم الذين يتحاورون، كان من الطبيعي أن يغمرنا السرور الممزوج بالتفاؤل بولادة هذا الملتقى الميمون الذي نرجو له النجاح في مهمته بأن يكون أرضية صلبة ومنطلقاً لحوار واعٍ ومنفتح ومسؤول بين مكونين هامين من مكونات المنطقة ألا وهما الترك والعرب، لا سيما وأن مؤسسيه يدعون إلى لقاء يجمع الشعوب بعيدا عن السياسة.  

أقول دائماً أن علينا الانتقال من الموسوعي إلى الموضوعي والتحدث بلغة مشتركة للحوار فيما بيننا. إن وضع أولويات بلاد الشام أو الهلال الخصيب من حيث الكرامة الإنسانية والمشاهدات أكانت مكانية أم حسية أم صوتية أصبح واجباً مشتركاً لكل من يريد أن يؤثر على سيرورة الأمور في الأعوام القادمة. كما يتعين علينا أن ندرك أن دراسة التاريخ لاتزال مطلوبة في أذهاننا وليس فقط على اليابسة ولكن في البحر حيث شرق المتوسط والبحر الأسود المتصل واللذين يمكن اعتبارهما كجسم مائي واحد.

 نعلم جميعاً رغبتكم الصادقة في توطيد ثقافة الحوار وقبول الرأي الآخر، دافعتم عن هذه النظرة في جميع المحافل. هل ترون أن المجتمع الدولي مقبل فعلاً على القبول بهذا النهج؟

- نعيش في وقتنا الراهن مجموعة من التناقضات الناتجة عن اختلال مفهوم الحرية عموماً، رغم أني أعتقد أننا كلنا طلاب حرية، ولا سيما حرية التعبير -وهي أهم ما في الحرية- إذا كانت ضمن السعي الأكبر لإيجاد المشتركات الخلاقة والبناءة، ويتجلى هذا الاختلال بأوضح صوره في الغرب الواقع بين مطرقة تقديس حرية التعبير ووضعها فوق كل شيء، بما في ذلك الرموز والمقدسات الدينية، وسندان احترامها ووضع حدود لها تحت اسم الإنصاف وإعطاء كل ذي حق حقه. يتحقق مفهوم الحرية عبر تطبيقها بشكل مركزي ومن خلال أطر مركزية وأخلاقيات نابعة منها تساندها وتحترمها، الأمر الذي سيقودنا إلى إحياء مفهوم "مسؤولية التعبير". 

إن التحديات التي يمر بها العالم اليوم تؤكد الحاجة إلى تعزيز الحوار بين مختلف مكوّناته القومية والدينية والمذهبية من أجل مواجهة ظواهر التعصب الأعمى وتداعياتها الإنسانية المريرة، وذلك يتطلب القدرة على الإصغاء جيداً علماً أن مايضعف الحوار في القوميات الكبرى هو أخذ القومية الواحدة كغطاء للتهرب من التواصل الثقافي والإنساني والقانوني، فعندما يضعف الحوار بين القوميات الكبرى في دول الإقليم يصعب الحفاظ على السلم المجتمعي والدولي، وفي المقابل فإنه في ظل وجود النسيج المجتمعي المتماسك تخبو التوترات السياسية والنزاعات المسلحة وتعلو نبرة الحوار بين أتباع الديانات والثقافات فيتحقق الصالح العام الذي أصبح أقوى من المصالح الخاصة. بالتالي يجب جعل القانون الدولي يعمل من أجل الجميع، وتعزيز قدرة القوميات في الانسجام مع ما حولها، ولا ريب أن ترسيخ خطاب المواطنة يعزز الانسجام بين مكونات المجتمعات المتنوّعة، ويقدم لها الضوابط والضمانات المطلوبة وبالتالي يمكن للوعي العام بالهوية المدنية أن يقرّب بين الشعوب خاصة عند ارتكازه على منظومة قانونية تُعلّي من كرامة الإنسان وتحترم حقوقه وواجباته. وهنا أنوه بفهرس الحرمان المتعدد الذي وضعه باحثون في جامعة أوكسفورد، ويُظهر التفاوت بين أولويات الدول ومُسببات الحرمان المتعلقة بمستويات المعيشة (أحد الأبعاد الثلاثة التي حددها الفهرس)، كما يتيح الفهرس تحليل الحرمان من جوانب عدة (الجنس، والعمر، والموقع الحضري/ الريفي...الخ) ما يؤدي لفهمٍ أفضل لدور هذه العوامل في تعميق الفقر والحرمان وعدم المساواة. أخيراً، لا بد للمجتمع الدولي أن ينهج نهج الحوار عاجلاً أم آجلاً بهدف حقن الدماء وتحقيق الاستقرار ودفع عجلة الاقتصاد.

 باعتباركم الرئيس الفخري للمنظمة الدولية للحوار التركي العربي، كيف ترون سبل تفعيل مثل هذا الحوار.

- يتسم إقليمنا بالتعدد القومي والتنوع الديني والإثني والثقافي، ويشكل الأتراك إحدى القوميات الكبرى في المشرق، وأحد أعمدته، وقد ضمت حضارتنا الإسلامية تراثاً ثقافياً عريقاً استند إلى الحوار بين أتباع الثقافات والديانات والإثنيات، وإلى قيم العيش المشترك، واليوم يسود الشعور لدى مختلف المجتمعات في المنطقة بوجود تحديات مشتركة تتجاوز حدود الثقافات والعقائد الدينية والقوميات مثل الفقر والعنف والمياه والطاقة والبيئة، وحتى الكوارث الطبيعية. إن القدرة على الإدارة الحكيمة للاختلاف ستسهم في صياغة العلاقات الحضارية بين بلدان المشرق التي تملك إطاراً متيناً للتعاون والتلاقي، وستشكل أرضية خصبة لحوار عقلاني بين جميع الأطراف، وتفسح المجال أمـام تعميق مفاهيم الحـوار بدلاً من الصراع الذي يؤدي إلى زعزعة استقرار المنطقة ويهدّد الأمن والسلام الدوليين. 

وأود أن أشير كذلك إلى أنه طُلب مني هذا العام الرئاسة الفخرية لبرنامج The Nelson Mandela Annual Lecture، وتشرفت بقبولها لأنني أُدرِك تماماً حجم التكريم الذي يُلزمني أن أعظِّم الجوامع والمشتركات في الحوار، واحترام الفروق أدبياً وعلمياً عندما يصل الأمر إلى التحديات الدولية مثل الجوع والفقر وغيرها مما جاء في أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة.  

ذُكر عن العالم العربي والإسلامي، مراراً وتكراراً، أننا تخلفنا عن الطباعة والنشر في العالم، كذلك تأخرنا اليوم عن الذكاء الاصطناعي AI مع أنني أدعو دائماً إلى الحقائق المطلقة وليس الافتراضية بالضرورة. في عالم فقد توازنه حول أشياء كثيرة لابد أن نحكم التوازن بين حركة الكتابة والنشر وبين الولوج في تجسير الفجوة الرقمية بكل أبعادها عبر إنشاء قاعدة معرفة وبيانات، ويمكن البدء بقاعدة البيانات في ملتقانا هذا المنبثق عن قمة البوسفور، هل المشاركون في هذه القمة من أصحاب التقانة والصناعة والخبرة على استعداد لدعم برنامج تفعيل مؤثري المجتمع المدني ووسط الشباب بالذات الذي يتطلب كل عناية ورعاية، بالتعاون بين جامعات عربية مختارة وجامعات تركية. 

يجب ألا تكون هذه الأحاديث بعيدة عن الواقع وإنما هي تجسيد له، مع ذكر المعوقات وإحياء الأمل. وأشير هنا إلى مشروع أسفار المشرق الذي يمكن أن يكون رافعة اجتماعية-اقتصادية وسياسية لبلدان شرق البحر الأبيض المتوسط في الإنسانية والإخاء والتسامح والعيش المشترك بسلام؛ وفي مواجهة الخوف من المجهول وهنا أذكِّر بالحديث الشريف: "إن قامت الساعة وبيد أحدكم فسيلة، فإن استطاع أن لا يقوم حتى يغرسها فليفعل." فالتحديات الثلاثة التي نواجها اليوم هي كون الإنسان ضد أخيه الإنسان، والإنسان ضد عوامل الطبيعة من تصحر وجفاف واقتلاع الأشجار، والكوارث التي من صنع الإنسان كلها واردة وتتطلب القبول بأن أهداف الاستدامة نفسها قد اختلت وتعثرت بسبب الاختلال الجغرافي فوق الأرض وتحتها.

 ما هي برأيكم السبل الناجحة لنشر هذه الأفكار في تركيا والعالم العربي؟ (ثقافة الحوار وقبول الرأي الآخر)

- الحوار الذي ننشده هو الحوار الذي يعزز الضمير والفكر والأخوة الإنسانية، والتوافق العالمي لا يعني الاستغناء عن الآخر بل إدماجه بما يتناسب مع ثقافتنا، والتسامح لا يعني الذوبان في الآخر وفقدان الهوية بل احتواء الآخر وفهمه.

ومن المفيد أن ننظر إلى تجربة دول مسار هيلسنكي والدعوة التي أطلقناها لتأسيس مجلس حوار مشرقي "تجمع مواطني المشرق" مشابه لـ "تجمع مواطني هيلسنكي" يعمل على تعزيز الحوارات بين المجموعات المختلفة وتنمية الشعور بالمواطنة المسؤولة والحاضنة للجميع بغض النظر عن مسميات أي مجموعة ووضعها القانوني. وسوف يشجع التفكير الإبداعي فيما يتعلق بالمشتركات الإقليمية الخلاقة بدلاً من المصالح المحلية الضيقة.

تحتاج العائلة البشرية أن تتعلم العيش المشترك في وئام وسلام دون الحاجة أن تكون متشابهة، ومن هنا تأتي أهمية الانتقال من الـ "أنا" الى ال "نحن" لتعظيم الصالح العام، حيث إن المجتمعات صارت عُرضةً لأفعال بعضها البعض، والإنسان لا يمكن أن يعيش في بيئة منعزلة بل يؤثّر ويتأثر بما يحدث في أي بقعة من بقاع الأرض.

إذاً، من الضروري الابتعاد عن أحادية التفكير، وتحكيم العلم والمعرفة في العمل وتجاوز العاطفة، وتبادل المحبة، فيمكن للثقافات والمجتمعات أن تزدهر وتتطور عبر التفاعل البناء المبني على تعزيز الكرامة الإنسانية والمواطنة الحاضنة للتنوع.

هناك حضارة عالمية واحدة على امتداد التاريخ أخذنا منها وقدمنا لها، وعلينا نشر احترام الفوارق وتعظيم الجوامع بيننا ونشر ثقافة السلم، وثقافة المشاركة المسؤولة والمواطنة التي تترفع عن الأنانيات، ونبذ العزلة الكلية والنفور الذي يعمل على تأجيج المشاعر ضد الآخر والتي لا تخدم إلا صناعة الكراهية المؤدية إلى العنف والفرقة.  

لا بد لثقافة المحبة والتعاون والتسامح والاحترام المتبادل من أساس تعليمي يقوم على منظومة متكاملة من القيم الاجتماعية والثقافية المبنية على احترام الحياة بكل تنوعها وتعزيز التضامن الإنساني والتعددية لتأكيد قيمة الإنسان وكرامته، لذلك أحيي البرامج التي تشجع على الحوار المشترك، لأننا نبحث عن المواطنة العالمية، بعكس عولمة المادة التي لا يستفيد منها إلا أصحاب المصالح الخاصة، وهنا أدعو إلى إطلاق مصفوفة شاملة لقانون للسلام يرتكز على منظومة أخلاقيات التّضامن الإنساني، وإلى إنشاء برلمان للثقافات يكون بمكانة مُلتقى للحوارات العربية-غير العربية، وإلى تمكين الشباب ودعمهم وتوعيتهم بقضايا العصر.

الحوار بين الشرق والغرب بصيغته الحالية بحاجة إلى إعادة نظر، وبناء عليه لابد من حوار يؤمن بقداسة الروح البشرية ويعظم كرامة الإنسان. كما أنه لابد من التواصل مع الشباب من أصول عربية وإسلامية في بلاد المهجر من أجل التلاقي مع مجتمعاتهم الجديدة وتعزيز التعاون معها نظراً لأهمية الدور الذي يلعبه هؤلاء في تطوير هذه المجتمعات. 

مع التأكيد أن المسألة ليست صراع حضارات وإنما اختلاف ثقافات لا بد من تأطيره كي يكون مصدر غنى بدلاً من أن يكون سبباً للفرقة والتفرقة.

هل ترون الأرضية مناسبة لتقّبل الرأي العام العربي لهذا التوجه؟

- أنا أؤمن باستقلالية الرأي، لكني ألفُتُ إلى ضرورة تجديد الخطاب الفكري العربي من خلال صنع السياسات المبنية على الأدلة، وتعزيز الفكر النقدي التحليلي، وفتح الحوار المسؤول الذي لا يُذهِب للموضوعية قضية.

يجب أن يقود التعلم إلى تحرير الفكر، وأن يأخذ الشباب دورهم في الإبداع وتجديد الخطاب الفكري مع ضرورة القبول بمساحة الاختلاف التي تؤدي في نهاية المطاف إلى توليد أفكار أكثر ترابطاً وفعالية.

أتحدث أيضاً عن دور المجتمع المحلي في المرحلة القادمة. ليست كل الدول واحدة، فبينما ثمة دول لها مؤسسات برلمانية وخبرة لا بأس بها من التنافس الحزبي التعددي، هناك دول أخرى ليست كذلك. لكن الأمر الحاسم هذه الأيام هو ضرورة الانتهاء من الرعوية والدخول في الرؤيوية. يجب خلق الرؤيا بالاستماع الجيّد للإنسان مهما كانت منزلته الاجتماعية، فالحكمة ضالة المؤمن، وتفعيل الإرادة لن يكون إلا بالمشاركة بين الرأي العام الذي يخدم الصالح العام ويتحسس آلامه، والدولة، إذا كانت مؤمنة بأن المصلحة العامة هي غاية الحكم.

لا بد أن يكون للفعل العربي وللفكر العربي وللعلم العربي وللإنسان العربي دور فاعل في صياغة المستقبل العربي، ونؤمن بأن يكون للعرب دور في المساهمة في صنع مستقبل الحضارة الإنسانية. وتبرز هنا ضرورة جَسْر الفجوة بين العلم والإنتاج، وتسخير البحث العلمي والتطوير التكنولوجي لتعزيز القيم المضافة والمواطنة، مع التأكيد على أن للفرد حقوق وواجبات وفق الدستور، وضمن سيادة القانون، وضمان مشاركة الجميع دون تمييز أو إقصاء لأي شريحة في المجتمع. والمواطنة هنا تعني فتح الفرص أمام الجميع وفق الكفاءة والجدارة للانتقال بعالمنا العربي من مجتمعات ريعية إلى مجتمعات إنتاجية، وبذلك نحرر إمكانات الفرد كاملة نحو التفوق والإبداع. مع ضرورة التركيز في هذه المرحلة بالذات على العلوم، وإدماج الشباب في حبهم للعلوم، مع مراعاة الحفاظ على أنسنة العلوم بالدراسات الإنسانية والاجتماعية، فالمسافة بين العقل والقلب لا تزال بعيدة، وعلينا ردم الفجوة بين الفكر والعاطفة لبناء التوازن الإنساني الفلسفي للروح والمنطق.

 لقد حان الوقت لعدم للتحرر من العيش في الماضي، والتطلع للمستقبل، إذ ليس هناك عودة للوراء. 

الموقع الالكتروني للمنظمة  www.tadialogue.org