• 15 شباط 2021
  • ثقافيات

 

ذاكرة الكتابة


 يشرفنا في شبكة " أخبار البلد" الاستمرار بنشر مراسلات الاديب "محمود شقير؛ تزامنا مع نشرها في صفحته الشخصية على الفيسبوك بعنوان "ذاكرة الكتابة ، مراسلات محمود شقير وحزامة حبايب " ونشكر  الاديب على موافقته على هذا النشر 

  

الصديق العزيز دائماً محمود

ألف تحية،

هذا هو اليوم الأوّل لي في المجلة بعد الإجازة. كنت قد عدت من عمّان في السابع عشر من أغسطس في إجازة مدتها ثلاثة أسابيع، أمضيت خلالها يومين في بيروت (لبنان) ويوماً في دمشق (سوريا) برفقة صديقة جميلة تدعى عبير، صحافية في جريدة الغد. ولقد رافقتني عبير إلى لبنان بعدما عرفت أنني أحتاج أن أذهب إلى مكان بعينه لمسألة لها علاقة بالكتاب الذي أعكف على تنفيذه حالياً. لم تطرح أية أسئلة، واكتفت بأن تكون "دليلاً" مخلصاً لي بكل المقاييس.

كانت تلك المرة الأولى التي أزور فيها بيروت، ولقد شعرت بألفة مع المدينة. ومنذ الساعة الأولى، تمكنت من الإلمام بنظام المواصلات هناك (السيرفيس والبوسطة) التي توفر عليك المال والجهد، ولا بأس من قليل من البهدلة! ولكن البهدلة هنا جزء من متعة السفر وتجربته. على الرغم من أن "الرحلة" كانت متعبة خاصة على الحدود السورية اللبنانية، إلا أنها كانت غنية بالمواقف الطريفة التي لا تخطر لك على بال.. (يكفي أن أقول لك على سبيل المثال أننا، عبير وأنا، رقصنا الدبكة على الحدود السورية الأردنية لإضاعة الوقت بعدما احتجزت جوازات المسافرين (فقد خلالها جوازي وعثرنا عليه كالحلم، ولك أن تتخيل ماذا كان ليحصل لو ضاع جواز سفري عند "السوريين"، على رأي عبير ربنا ما طلعه!) وضربنا كونترول الباص المشرف على الرحلة لأنه كان أقرب إلى "لقيف" بطيخ في عريشة بطيخ منه إلى مشرف على الرحلة ، وقطعنا شوارع بيروت مشياً وركضاً كمجنونتين، دون أن نأبه لنظرات البشر المستهجنة ولم نعدم أن نعلق على هذا وذاك ساخرتين طوال الوقت، لكن في النهاية كان هذا جزءاً من متعة السفر، حتى وإن كان مرهقاً).

أود أن أشكرك على الكتب. سوف ألتقي الصديقة أمنية هذا الأسبوع، لأعطيها كتبك، حيث اتصلت بها قبل قليل وأبدت حماسة كبيرة للإطلاع على تجربتك.. (وللمناسبة سوف تُنشر لي قصة مترجمة إلى جانب شهادة لي في ملحق الجوردان التايمز القادم، حيث قامت أمنية بالترجمة.)

أتمنى أن يعجبك خياري الموسيقي. أرسلت لك اسطوانة للمغنية الأرجنتينية الأسطورة مرسيدس سوزا، وأسطوانة للموسيقي ومؤلف الأغاني الكوبي كومباي سيغوندو (الذي توفي في العام 2003 عن عمر 96 عاماً). ويعد سيغوندو من أبرز الموسيقيين في كوبا وأميركا اللاتينية وأعظم من أثرى الغناء اللاتيني، وينسب له اختراع ما يعرف بـ"الأرمونيكو"، وهي أداة موسيقية شبيهة بالغيتار ذات سبعة أوتار.

أتمنى أن تكون أوضاعكم في الوطن وفي الحي الذي تعيش فيه أفضل. عنّي؛ هربت أثناء وجودي في الأردن من كل الالتزامات العائلية، وعلى الرغم من المنغصات الكثيرة التي سببتها لي بعض المشاكل العائلية  إلا أنني حرصت على ألا أنغمس بها أكثر من اللازم.

سوف أبدأ بقراءة أعمالك خلال اليومين القادمين، وسوف أبدأ بكتاب الرحلات، وبالطبع لن أبخل عليك أبداً برأي أو مشورة. ولك كل التوفيق في رحلة براغ، حيث أتمنى أن نظل على تواصل.

أنا سعيدة جداً بعودتي إلى كتابي بعد انقطاع دام أربعة أسابيع. وأنا سعيدة أكثر لأنني عدت إليه أكثر حماسة من ذي قبل. وبالتأكيد أنا سعيدة لتواصلنا عبر الرسائل ثانية.. ألا تتفق معي أن هذه الرسائل قد تكون منفذاً لي ولك لأفكار وصور وخواطر كثيرة.. وأحياناً ولو للترفيه فقط؟

وإلى رسالة أخرى. إلى اللقاء

حزامة حبايب

أبو ظبي – السبت 28 أغسطس 2005

***

 

العزيزة حزامة

تحية طيبة 

كنت أنتظر رسالتك باهتمام. أصبحت هذه الرسائل زاداً لا غنى عنه، وأنا مسرور لهذا التواصل الذي شقّ طريقه بيننا ولن ينقطع. رسالتك الأخيرة ظريفة وفيها سرد ممتع لوقائع ممتعة وشيطنات أغبطك عليها، وهنيئاً لك هذه الصديقة الوفية "عبير" التي تتشيطن هي الأخرى وترقص على الحدود، وتقطع معك شوارع بيروت بمراهقة رشيقة. تلك اللحظات هي التي تعطي الحياة رونقاً، وتستحيل مع الزمن إلى ذكرى عذبة. أشكرك على الهدية الرائعة. الآن أنا أكتب لك وأستمع إلى مارسيدس سوزا. إنها مدهشة. والآخر كومباي سيغوندو، إنه مدهش أيضاً.كل يوم أستمع إليهما وأنا أشتغل على الكمبيوتر. كل الشكر لك يا حزامة.

حتى هذه اللحظة لا أعرف شيئاً عن أمنية أمين، وهذا تقصير مني ألومني عليه، وليتني أقرأ لها شيئاً. (بعد انتهائي من هذه الرسالة، سأبحث عن كتابات لها على الانترنت). 

ابتداء من أوّل هذا الشهر بدأت الكتابة في "الرأي"، سأكتب مقالة أسبوعية. هاتفتني الكاتبة سميحة خريس واقترحت عليّ الكتابة، ووافقت، مع أنني لا أحب الكتابة المنتظمة المقيدة بمواعيد لا يمكن إغفالها. نشرت المقالة الأولى في الصفحات الثقافية ليوم أمس الخميس، وهي بمثابة فتوح كلام مع القراء. 

أوضاعنا العامة ما زالت على حالها، وهي غير مرضية بأي حال، ولم أنس فكرة مغادرة الحي بعض الوقت كلّ سنة، وخصوصاً في أشهر الصيف التي تكثر فيها الأعراس والوفيات والمشاجرات وغير ذلك. سأخطط لذلك خلال هذا العام بهدوء وتمعّن. 

سأمكث في براغ عشرة أيام، وأنا متحمّس للرحلة لأنها ستأخذني إلى مدينة أحببتها كثيراً، وأظنّ أنني سأتمكن من كتابة أشياء جديدة أثناء الرحلة وبعدها. ظهرت لي هناك ثلاث قصص مترجمة إلى التشيكية، نشرتها مجلة أسبوعية تصدر في براغ. سألتقي بعض الأصدقاء الفلسطينيين والعرب المقيمين في براغ، وسأقيم في فندق في مركز المدينة، وقد حجز الأصدقاء غرفة لي منذ أسابيع في  هذا الفندق.

أبارك لك العودة بهمة ونشاط إلى كتابك الذي ما زال أمره سراً. والأفضل أن يظل سراً حتى لا تتبدد حماستك لمواصلة الكتابة، وإلى أن تنجزي آخر جملة فيه. وأنا  أغبطك على جرأتك في الكتابة، فما زلت أتذكر بعض مشاهد جريئة مؤثرة في قصصك القصيرة، لا يمكن أن أنساها، بسبب من دقّتك في رصدها وتصويرها، وبسبب من جرأتك في كتابتها. وأنا أنتظر رأيك في كتبي التي بين يديك، لكي يكون هذا الرأي مساعداً لي على ما سوف أكتبه لاحقاً، وأرجوك رجاء حاراً: لا تجامليني، فأنا قادر على احتمال النقد مهما كان قاسياً.

مع تمنياتي لك بالصحة وبأجمل كتابة، وإلى اللقاء في رسالة قادمة.

الساعة الواحدة من صباح الجمعة.

02 / أيلول / 2005 

محمود شقير/ القدس