• 11 آب 2022
  • نبض إيلياء

 

 

 

بقلم : خليل العسلي 

 

  

 لقد صدق من قال " إن النكبة حكاية الم لا يزول وجرح لم يشف"  والقائل ايضا " أعطت النكبة الاحتلال حقا لا يملكه".

 

 تذكرت هذه الأقوال وأنا اقرأ المقالة التي نشرتها صحيفة هارتس في ملحقها تحت عنوان "خراب منزل سامي سعادة " وهي عن كتاب للمؤرخ الإسرائيلي "آدم رز" ذلك الكتاب والذي يحمل عنوان " الكارثة الشخصية للسيد سامي سعادة".

 

 نفس المؤرخ كان قد صدر له كتاب في نفس الموضوع بعنوان" نهب الممتلكات العربية في حرب الاستقلال" والذي أثار في وقته ضجة وعاصفة من ردود الفعل الغاضبة في الساحة الإسرائيلية بحجة انه يمس عصبا ليس من الضروري الاقتراب منه يتعلق بالجرائم التي ارتكبتها اسرائيل في حرب النكبة ، جرائم يتفاخر بها بين الحين والاخر المؤرخون والسياسيون الاسرائيليون ويعتبرون وقوعها بانه كان ضروريا من اجل اقامة دولة إسرائيل، بما في ذلك جرائم القتل والتهجير والنهب والسلب ، ولكن هناك مجموعة ممن يطلقون على انفسهم المؤرخين الجدد الذين بدأوا يستفيدون من فتح الارشيفات المختلفة اليهودية والرسمية ، وبدأنا نشاهد هنا وهناك مقالات وكتب عن الفظائع التي قامت بها العصابات الصهيونية في تلك الحقبة المظلمة من التاريخ ، واخرها ما شهدنا عبرالفيلم الوثائقي الذي يؤكد وقوع مجزرة  الطنطور والتي استمرت الجهات الاسرائيلية بنفيها ليخرج علينا احد من كان مشاركا فيها ليقول وهو يضحك بان احد الشباب المتحمسين قام باطلاق النار على كل العرب ، فالتعليمات كانت تقول لا نريد اسرى، أي اقتلوا كل العرب وبثوا الرعب في قلوبهم كما حدث في مجزرة كفر قاسم ودير ياسين .

 

 ما علينا

 المهم بالعودة الى الكتاب الجديد والذي اعتمد فيه المؤرخ بشكل كبير على مجموعة رسائل اكتشفها اثناء بحثه في أرشيف الدولة وارشيف الجيش الاسرائيلي، هذه الرسائل  تعود لاحد المواطنين العرب الفلسطينيين واسمه سامي سعادة   من حيفا والذي قرر البقاء في منزله وعدم الرحيل رغم كل شيء ، جميع الرسائل موجهة مباشرة إلى رئيس الحكومة دافيد بن غوريون المسؤول الأول عن النكبة.

 

هذه الرسائل تظهر حجم الكارثة التي كان قدعاشها من قرر البقاء في منزله محافظا عليه، فهى حكاية  المواطن  سامي سعادة الذي كان يعمل موظفا في الشركة العراقية للنفط في حيفا وكان يعيش بأمان وبحبوحة وراحة بال مع عائلته الصغيرة في منزل واسع جميل في شارع النبي الياس ، ولكن هذه الحياة الجميلة تحولت لجحيم والى كابوس في يوم الحادي عشر من حزيران (يونيو) عام ١٩٤٨ عندما اقتحمت مجموعة من جنوب الجيش الاسرائيلي منزله وأمروه بالرحيل فورا من منزله وان ينتقل الى شقة في شارع عباس في حي وادي النسناس في حيفا حيث تم تجميع كل العرب الذين بقوا في  المدينة ، وقد امتثل للأوامر فرحل ورغم ان الشقة التي اعطيت له في الطابق الرابع ويحتاج ان يتسلق اكثر من ثمانين درجة ليصل اليها الا انه  رضى بالامر الواقع، ليتفاجأ ذات يوم ان عائلة يهودية تدخل الشقة وتحتل غرفة  في المنزل ، توجه الى حارس املاك الغائبين  ليجد هناك المحتل الجديد للغرفة في منزله يريد ان يسجل الغرفة باسمه ،  حارس املاك الغائبين اشترط اعادة الغرفة بعودة عائلة سامي سعادة الى منزل من بيروت حيث كانت قد رحلت قبل الحرب بايام ، وهذا الطلب يعتبر مستحيلا لان اسرائيل لن تسمح لهم بالعودة ، فقام سامي سعادة بكتابة الرسائل الى الجهات المختلفة طالبا ان تنصفه علما انها لن تنصفه فهي تريده ان يرحل من كل حيفا ، وبعث برسائل الى رئيس الحكومة يشرح فيها حالته التي تدهورت فهو يقوم بدفع اجرة الشقة لحارس املاك الغائبين رغم ان هناك عائلة يهودية تستولى على قسم منها.

 والمأساة لم تقف هنا ، بل انه تفاجأ ذات يوم بأحد أفراد الشرطة ياتى اليه بمساعدة العائلة اليهودية المحتلة و يوسعه ضربا ويطرده من شقته ليحتلها هذا الشرطي.

 ويستمر سامي بشرح حاله لرئيس الحكومة الصهيوني دافيد بن غوريون والذي طبعا لم يرد على أي من رسائل هذا المواطن العربي الذي كان كل ذنبه انه اراد البقاء في منزله فقط ، ويقول سامي في  احدى رسائله أنه طرد من المنزل ولم يعد يملك أي مكان يسكن فيه  ، ورغم ذلك فإن حارس املاك الغائبين يطالبه بدفع الإيجار الشهري لشقة تم احتلالها من قبل يهود جاءوا من خلف البحار . ويطالب سامي باعادته الى منزله الاول وان استعصى ذلك فإنه يطالب على الاقل باعادته الى شقته الجديدة. في الإرشيف لا توجد بقية الرسائل او ماذا كان مصير هذا المسكين الموظف الذي يحترم القوانين ولكنه وجد نفسه في كيان لا قوانين فيه إلا لليهود فقط ، والعربي عليه اما الرحيل او العيش درجة عاشرة في ذلك الكيان.

 إن حكاية سامي سعادة تثبت أن النكبة لم تكن فعل حرب بمقدار ما كانت فعل خراب وتدمير وانتزاع شعب عاش بامن وامان لقرون من الزمن على أرضه و منزله ، من اجل احلال مجموعات بشرية من هنا وهناك اعتمادا على رواية دينية لم تثبت ولا مرة واحدة، لدرجة أن  أكثر من عشرين بالمئة من الفلسطينيين في الداخل هم لاجئون داخل مدنهم وقراهم كما هو الحال في حيفا ويافا التي قامت السلطات بتهجير السكان وإخراجهم من منازلهم واسكانهم في منازل اخرى  في الجانب الاخر من الشارع حيث اعتبرت تلك المنازل أملاك غائبين، وتم تأجيرهم تلك المنازل بينما أملاكهم تقبع أمام عيونهم  الدامعة وقلوبهم المكسورة  في الجانب الآخر من الشارع، والآن الشركة الحكومية المسؤولة عن تلك العقارات تريد إخلاءهم للمرة الثانية من أجل تهويد ما تبقى من يافا ، حتى القضاء الاسرائيلي لا يعترف بوجودهم أي أنهم بمثابة الغائب الحاضر.

 إن أخطر ما حدث في النكبة هو ان سكان البلاد الأصليين أصبحوا لاجئين في مدنهم وفي وطنهم، والادهى من ذلك كله هو أن البنية الاجتماعية والاقتصادية والسياسية قد تفككت وتلاشت وأصبح العرب هناك بدون أي شيء . هذا نفسه ينطبق على القدس والتي فقدت مركزها الحيوي التجاري الاقتصادي الحياتي، وبدأت تبحث عن مركز جديد بعد  النكبة . 

 وللحديث بقية