• 5 آذار 2023
  • حكايات مقدسية

 

بقلم : الشيخ الباحث مازن اهرام 

 

كان ياما كان في قديم الزمان يُحكى أن صياداً اصطاد مجموعة من العصافير في يومٍ بارد ثم وضعها أمامه، وصار يذبحها واحداً واحداً، والباقي ينظر ويتفرج وكانت دموع الصياد الجزار تنزل من عينيه بسبب البرد القارس والريح الشديد، فنظر عصفوران إليه وإلى دموعه، فقال أحدهما للآخر: 

انظر إلى الصياد المسكين، كيف يبدو حزيناً على ذبحنا، إنه يبكي شفقة علينا ورحمة بنا! فقال له العصفور الآخر بفطنة وذكاء لا تنظر إلى دموع عينيه، ولكن انظر إلى فعل يديه

بلاغة تعبير من خلال تجارب المجتمع الفلسطيني التي مر بها عبر العصور والتي تُعبر عن ثقافته وطرق عيشه ومختلف المعاملات والأخلاق التي تعارف عليها الناس فيه، وبعض هذه التجارب اختفت قصتها أو تفاصيلها وما زالت قصص وتفاصيل بعضها الآخر متداولة حتى اليوم وحتى لو لم تكن هي التفاصيل الحقيقية للقصة أو التجربة الأولى لكنها وضعت ونضجت وتداولها الناس لتلائم هذه التجربة.

إن تفسير ما يقع لأهل فلسطين في هذه الحياة من خلال ثنائية البلاء والابتلاء يقدّم نظرة متفائلة للحياة، ويمنحنا القدرة على الصبر والتحمّل والتماسك أمام الشدائد بمختلف أنواعها.. 

بل إنه في أعلى الحالات تصبح الشدائد فرصة لاستخراج أفضل ما في البشر من إمكانات وقدرات لا تخرج عادة إلا عند وقوع الخطر وحصول الشدائد وإن ما جرى ويجري على الساحة الفلسطينية والقادم أدهى وأمر وحالنا لا يخفى على عاقل، من يلهث وراء السحاب يأمل بحل عادل للقضية، 

وآخر متسمر في كرسيه أعمى الله بصره وبصيرته،

 وثالث يترقب المهدي المنتظر لعل وعسى أن يأتي بجحافل الفاتحين ويحرر الأقصى والمسرى، 

والبقية الباقية أضحت في سُباتها ضُربت على آذانها في الكهف سنين عددا،

ومن أضحى في بلاد الشتات يحمل في جيبه مفتاح بيته أملاً بالعودة وإلى متى!!! 

ورابع طائع للعم سام ولا يخفى على ناصح فالعم سام بدوره له عينان اثنتان عين يرى ما يحصل بالغرب ويمده بالعتاد والسلاح (فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً ۖ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً ۖ وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ)

وعين أغمضها وصم أُذنيه عما يحدث تحت نير الاحتلال من قتل وتشريد وهدم وحرق وسفك الدماء 

ناهيك عن هرولة المطبعين والمتصهينين ورحم الشاعر حين غرد (تتحركُ دِكَّةُ غَسْلِ الموتى أمَّا أنتُم لا تهتزُّ لكُم قَصَبَة)

وعلى قول ستي (ما بيجي من الغرب إشي بيسر القلب)

كم يجد اهل فلسطين وبيت المقدس في قلوبهم الحسرة والألم وهو يرون مظاهر الفرقة والاختلاف بين أبناء بني جلدتهم بل بين الجماعات والمجتمعات التي تلونت راياتها ومذاهبها ولا يخفى على كل ذي عقل الحال الذي وصلت إليه الأمة العربية من الضعف والهوان وما أصابها من تتابع المحن والأحزان، وما تهدأ فتنة في بلد ما حتى تتسعر وتشتعل في بلد أخر، ولكنه لا يدرك الأسباب التي أوقعتها في هذا الوحل إلا من أكرمه الله برجاحة العقل والاتزان، ألا وإن من أعظم أسباب ذلك الفرقة الاختلاف والتنازع والتشرذم.

أعداء الأمة   يبذلون الغالي والنفيس للتفريق بين الأمم المقهورة وإضعافهم بشتى الوسائل، بل وأنشئوا لذلك المنظمات التي تعمل إثارة الخلافات والتنازع والتناحر بين الشعوب والمجتمعات، ولم يقفوا عند ذلك بل يشعلون نار الفتنة بين الدول والقوميات والطائفية والحزبية البغيضة، والشواهد على مكر الأعداء وسعيهم في تأجيج الخلاف ليس وليد اليوم، بل هو قديم مذ زمن بعيد

يمتعض الكثير من الفلسطينيين من واقعه الذي أصبح لا يطاق، يتطابق لديه النهار بالليل، اليوم بالأمس، والعام الحالي بالماضي وربما القادم، يجد نفسه بين واقع سياسي مزري، واقتصادي مفلس، واجتماعي مخرب ويتمنى أن يستيقظ ويقول "الحمد لله أنني أحلم".

لا يا إخواني، إنه الواقع المر، الذي وجدناه ولم نختره، ولا يجب علينا أن نكرر نفس أخطاء الماضي القريب والبعيد، فلنا في تاريخنا أمجاد وبطولات ومثلها من النكبات والهزائم والكربات، فيتحتم علينا أن نراجع أنفسنا على جميع الأصعدة والمستويات، ونمر من مرحلة التباكي وسط الفيافي إلى مرحلة الاستيقاظ والاستعداد، فلا يعقل أن تكون أمتنا متقهقرة ولا نجد فيها قائدا يدعو لتوحيد صفوفنا. أَلَيْسَ مِنكُمْ رَجُلٌ رَّشِيدٌ؟؟؟

أما آن لهذه الأمة أن ترجع إلى صوابها وتستعيد ذِكراها وعزها ومجدها تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتحيا في أمن وأمان وسلام ونحن أُمة نعشق الحياة ونرنو نحو السلام مُشرْف يضمن رغد العيش 

عَلَى هَذِهِ الأرْضِ مَا يَسْتَحِقُّ الحَيَاةْ: عَلَى هَذِهِ الأرضِ سَيَّدَةُ

الأُرْضِ، أُمُّ البِدَايَاتِ أُمَّ النِّهَايَاتِ. كَانَتْ تُسَمَّى فِلِسْطِين. صَارَتْ تُسَمَّى

فلسْطِين. سَيِّدَتي: أَستحِقُّ، لأنَّكِ سيِّدَتِي، أَسْتَحِقُّ الحَيَاةْ.

المراجع 

سورة هود أية 78

سورة فصلت أية 15 

 الشاعر مظفر النواب 

الشاعر محمود درويش 

إصدارات هيئة أشراف بيت المقدس