• 4 تشرين الثاني 2023
  • حكايات مقدسية

 

 

 

بقلم : جاد كنعان جاد الله الطويل *

 

بالتأكيد، أنت تتابع نشرات الاخبار او ان الاخبار تصلك، او أنك تقرأ المقالات وتسمع وجهات النظر والتحليلات السياسية بخصوص حرب الابادة التي تجري، وحتى أنك ترى الاحتجاجات المنتشرة حول العالم و تسمع الهتافات المتصاعدة و المطالبة بوقف إطلاق النار وإيقاف التطهير العرقي الذي يجري بحق الشعب الفلسطيني في الارض الفلسطينية المحتلة وخاصة في قطاع غزة.

يحتاج سكان العالم معرفة مايحدث، ويكونوا إنسانين، عادلين، وعليهم إدراك ما يحدث عالأرض في قطاع غزة والضفة الغربية حتى يكون كل فرد جزء من الحل وليس مجرد من يأخذ موقف طرف على حساب طرف اخر. 

أنا لست سياسيا، ولا أحاول التاثير على وجهة نظرك، هنا أحاول تسليط الضوء على وجهة نظر إنسانية تبين معاناة شعب فلسطيني  يعيش  في منطقة حرب وتحت نير الاحتلال، وامل ان أستطيع ازالة رماد الدمار واثار الدماء عن معاناة شريحة من الشعب الفلسطيني.

تلقيت إتصال هاتفي من الجمعية الفلسطينية لامراض نزف الدم، PSBD، طلب مني الحضور لمقر الجمعية في مدينة البيرة في الضفة الغربية، بصفتي رئيس مجلس إدارة الجمعية، لأقابل مريض هيموفيليا من قطاع غزة ، بعد أن تم تحديد مكان وجود هذا المريض بعد إختفاءه منذ بداية الحرب.

يحاول طاقم و متطوعي الجمعية الفلسطينية لامراض نزف الدم، PSBD  ، منذ بداية الحرب التي بدات يوم 7 تشرين الاول بتحديد اماكن تواجد مرضى نزف الدم والهيموفيليا في قطاع غزة، للتاكد من أوضاعهم الصحية، وانهم غير مشردين او نازحين. ويبذل طاقم الجمعية  قصارى جهدهم للتاكد  من توفرادوية والرعاية الطبية لمرضى نزف الدم الوراثي / الهيموفيليا وعبر وزارة الصحة الفلسطينية ومن خلال مستشفياتها ،وخاصة إعطاء هؤلاء المرضى ادويتهم الخاصة والتي يحتاجونها عند الحاجة وحسب البروتوكولات العلاجية.

علاج مرضى الهيموفيليا حيوي وضروري ويوخذ من أجل منع الاعاقات والموت ويسمى العوامل المخثرة، ويجب ان يكون متوفرا ويعطى للمرضى من الذكور او الاناث  على مدار الساعة ومنذ ولادتهم وطيلة حياتهم،  ويجب أن تؤخذ هذه الادوية لايقاف النزيف او منع النزيف وتقليل زمن النزف ،فالنزف عند هؤلاء المرضى  يحدث غالبا تلقائيا  اولابسط الكدمات او الجروح في داخل اجسامهم.

 إنتابني كثير من المشاعر وانا التقي في مكاتب الجعمية ولاول مرة بمريض الهيموفيليا هذا.  وإن لأكثر من عقدين من الزمن  فإن الضفة الغربية  منفصلة كليا عن قطاع غزة، وهناك عزل كلي للمنطقتين عن بعضهما البعض و من قبل الاحتلال، وليس من السهولة بمكان التنقل أو لقاء فلسطينين   شطري الوطن مع بعض.

كانت المفاجاة الكبرى لدي وفي اللحظات الاولى. فها أنا أقف أمام إنسان عمره اثنان وثلاثون عام يعيش تراكمات ماساة حرب بالاضافة لإعاقات عديدة سببها مرض  الهيموفيليا من النوع باءالذي يعاني منه، وسبب له تلف في المفاصل والعضلات واثر على توازنه والعرج  اثناء المشي ،الا انني  ادركت أيضا انه يعاني من اعاقة بصرية تامه  ومن خلال عصاه البيضاء التي تقود خطواته بالمشي. 

بناء على رغبة هذا الانسان طلب مني وقال, "من فضلك لا تذكر اسمي للناس"، ولهذا سوف اسميه السيد أكس من الان وبناء على طلبه.

سألت السيد أكس كيف أنتهى به المطاف بالتواجد في الضفة الغربية , أجاب " كان لدي موعد لاجراء عملية تغير مفصل ركبة يسرى، وتم ادخالي الى مستشفى تل هشومير شيبا بعد اجراءات معقدة للحصول على تحويلة طبية وتصريح للخروج من غزة لتل ابيب،  وتم اعطائي إذن وتصريح بالمغادرة لوحدي وبدون مرافق. ولكن عندما بدأت الحرب يوم 7 تشرين الاول، كنت خائفا جدا فغادرت المستشفى لاكون مع زوجتي وابناءي الخمسة خوفا من الانتقام."

اوضح لي السيد أكس كيف تم إعتقاله على معبر ترقوميا الاحتلالي بالقرب من الخليل من قبل الجيش الاسرائيلي بينما كان يحاول دخول الضفة الغربية لانه من المستحيل كان عليه الوصول لقطاع غزة،  فيقول " بينما كنت احاول العودة لغزة لاكون مع زوجتي وعائلتي،  تم أخذي ومجموعة كبيرة من العمال الفلسطينين للسجن، وامضيت اربعة عشر يوما في سجن عوفر العسكري. ولم تكن ظروف سهلة وعشت وضع قاسي وصعب."  

وعندما طلبت من السيد أكس الاستفاضة والتحدث عما مر به اثناء فترة الاعتقال، اخبرني وقال " كنت في امس الحاجة لاخذ دواء (العوامل المخثرة) لايقاف النزف وتخفيف الالم الشديد في مفاصلي وعضلاتي وبقيت اطلب من الجنود واخبرهم اني اريد الابر. ولم يتم اعطائي الادوية، كما انني احتجت  الكثير من الرعاية والنظافة. وفي نهاية الاسبوعين  تفاجات وادركت انه يتم نقلي وتسليمي لموظفي اللجنة الدولية للصليب الاحمر الدولي على حاجز اخر بين القدس ورام الله يسمى حاجز الجيب في الضفة الغربية، حيث تم نقلي الى مجمع فلسطين الطبي  في رام الله للعلاج." 

 بينما يتم ايواء السيد اكس مع احدى العائلات في مدينة رام الله مؤقتا، إلاانه لا زال بحاجة لتلبية كثير من الاحتياجات الشخصية والطبية، ويتطلب من الافراد والمؤسسات  النهوض لمساعدته وتوفيرها له، الا ان السيد أكس أكد وركزوطلب من الجمعية  إبراز قضيتين واولويتين له،  فقال " من فضلكم اريد مساعدة  في اجراء عملية زراعة مفصل ركبتي باسرع وقت ممكن واجراء ءات طبية في الفكين والاسنان نتيجة الهيموفيليا,"  واتى طلب اخرمن السيد أكس وبصوت مرتجف وتعابير وجه معبره،  فقال " هل من الممكن المساعدة في أن أعود لاكون مع عائلتي والنازحة ويتم ايواءها في مدرسة تابعة للانروا في غزة."

 يمثل ألسيد أكس واحد ممما يقارب ستمائة مريض هيموفيليا في فلسطين، منهم مائتين مريض يسكن في قطاع غزة. فهذه الشريحة المهمشة تمثل عينة من الشعب الفلسطيني الذي يعاني ويعيش تحت نيرالاحتلال وعبر حروب وازمات كثيرة لخمسة وسبعون عام ومنذ عام 1948.

يتطلب من الشعب الفلسطيني ومؤيديه ومناصريه واصحاب القيم الانسانية والاخلاقية والدينية والوطنية محليا وعالميا للنهوض لتلبية الاحتياجات الصحية والحياتية ليس للسيد اكس ومرضى الهيموفيليا وحدهم ، بل للمتضررين من هذا التطهير و حرب الابادة الجماعية  هذه والتي تستهدف الشعب الفلسطيني كافة وكل مقدراته.

حان الوقت أن يرفع كل كائن بشري و مؤمن ومحب للسلام حول العالم صوته عاليا مؤكدا ومطالبا وعاملا على ضمان استحقاق انهاء الاحتلال الفوري للارض الفلسطينية وضمان حرية وحق تقرير المصيرللشعب الفلسطيني.

ترتفع مع تصاعد اثار الحرب الهمجية القائمة الى ضرورة  رفع وتيرة العمل على  إحقاق حقوق الانسان الفلسطيني و تلبية احتياجاته وغير المحدودة بالايواء، الطعام، الماء، الادوية اوالرعاية  الطبية وانما حريته في الاساس.  

   

*** جاد كنعان جادالله الطويل  ناشط مجتمعي فلسطيني امريكي، متخصص في الحقوق المدنية والصحية ، يسكن حاليا في الضفة الغربية.  واحد مؤسسي والرئيس الحالي لمجلس إدارة الجمعية الفلسطينية لامراض نزف الدم  PSBD