• 8 شباط 2024
  • حكايات مقدسية

 

 

 بقلم : الباحث الشيخ مازن اهرام 

 

  في الوقت الذي تعيش فيه القدس احلك ظروفها واسوء احوال الا ان ذكرى الاسراء والمعرج  تيبقى ذكرى تبعث على الامل بغد  افضل للمدينة ومحبيها فهي الاقرب الى السماء. 

القدس منها البدايات وإليها النهايات القبلة الأولى ومعراج النبي صلوات الله عليه وآلة وصحبه وسلم بوابة الحرب والسلام تهفوا إليه قلوب المؤمنين تمر الذكرى وتحيي الأمة الإسلامية ذكرى الإسراء والمعراج وهي المعجزة الربانية التي أُسري فيها بالنبي محمد صلى الله عليه وآلة وصحبه وسلم من بيت الله الحرام إلى بيت المقدس

تأتي مناسبة الاسراء والمعراج بينما العيون تتجه صوب القدس والمسجد الاقصى وما يفعله المحتل من تدنيس يجعل الامة بأمسّ الحاجة الى التدبر وأخذ العبر مما جرى لرسول الله صلى الله عليه وسلم.

 كان الإسراء إلى بيت المقدس دون غيره من الأماكن التي شرفها الله تعالى به من بعثات الأنبياء السابقين وزيارات الرسل جميعاً له ولإقامة أكثرهم حوله، وصلاتهم جميعاً فيه وإنَّ الله قد بارك البلاد حوله بنصِّ الآية القرآنية (الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ) فالمسجد الأقصى والكعبة شقيقان حيث يقول عليه السلام:

 (لا تشدّ الرحال إلا لثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا والمسجد الأقصى) 

القدس لها أهمية في تاريخ المسلمين فلقد رغّب الله السكنى فيها لما ورد في الحديث القدسي 

(قال الله عزّ وجلّ لبيت المقدس أنت جنتّي وقدسي وصفوتي من بلادي من سكنك فبرحمة مني ومن خرج منك فبسخط مني عليه) 

الله عز وجل اختارها مسرى لرسوله الكريم كما اختارها من قبل مستقر الخالدين من إخوانه الرسل الكرام ففيها قبور الأنبياء والصالحين كما أنها مهد النبوات ومهبط الرسالات 

هذه المناسبة تفرض علينا أن نتذكر قضية المسلمين الأولى في هذا العصر قضية القدس وقضية المسجد الأقصى وقضية فلسطين بصفة عامة  وجدير  بنا نحن أمة الإسلام ألا ننسى هذه القضية وأن يتمحور حولها توجهنا وتصميمنا وسعينا المشترك لإنقاذ الأقصى وإنقاذ القدس حريُ بنا وإذ تمر علينا تلك الذكرى وقد أخذنا الدروس والعبر واستفدنا من تجارب الماضي ولعلنا نصحوا من أحلامنا وننظر بعين الواقع لما يدور من حولنا من أحداث يشيب لها الطفل الرضيع أم تعودنا على لطم الخدود وشق الجيوب ووقفنا نبكي على الأطلال ونتمسح بالدين والعروبة!!!! 

قصة الإسراء والمعراج تدلنا على رباط بين المسجد الأقصى والمسجد الحرام وأن كل منهما يمثل قدسية معينة من أجل هذا أصبحت القدس العاصمة الدينية الثالثة في الإسلام ليشعر الإنسان المسلم أن لكلا المسجدين قدسيته فالمسجد الحرام ابتدأ الإسراء منه والمسجد الأقصى انتهى الإسراء إليه فمن فرط في المسجد الأقصى أوشك أن يفرط في المسجد الحرام فلو فرط في منتهى الإسراء يمكن أن يفرط في مبتدأ الإسراء

عن ميمونة مولاة النبي صلى الله عليه وسلم قالت: قلت: يا رسول الله  أفتنا في بيت المقدس  قال:

 (أرض المحشر، والمنشر، ائتوه فصلوا فيه، فإن صلاة فيه كألف صلاة في غيره   قلت: أرأيت إن لم أستطع أن أتحمل إليه؟ قال: 

(فتهدي له زيتًا يسرج فيه، فمن فعل فهو كمن أتاه) 

ولا شك أن على المسلمين جميعاً في أنحاء العالم فرض بدايةً أن يحرروا أنفسهم من الأنانية وحُب الذات والطمع ومن ثم القدس وأن يدافعوا عنها فالقدس ليست ملك للفلسطينيين وحدهم وفلسطين ليست ملك الفلسطينيين وحدهم بل هي ملك المسلمين والمسجد الأقصى ملك كل مسلم 

وأسفاه نرى بعض الدول هرولت نحو الكيان المحتل تزعم أنها تحصل على حماية ما أو تجر أذيالها وراء مكسب تُعزز مخاوفها هرولوا  نحو السراب كمن يحسبه الظمأن مَآءً حَتَّىٰٓ إِذَا جَآءَهُۥ لَمْ يَجِدْهُ شَيْـًٔا وَوَجَدَ ٱللَّهَ عِندَهُۥ فَوَفَّىٰهُ حِسَابَهُۥ ۗ وَٱللَّهُ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ)  

  ومثلهم  كمن يُدخل الدب إلى كرمه (فَلَوْ صَدَقُواْ ٱللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ)

وإلى متى يبقى التشرذم والفرقة والأنانية وحب الذات فما بال أقوام    انتفخت وامتلأت جيوبهم وعاشوا في الأرض فساداً وشهروا السلاح في وجه إخوانهم وهانت عليهم أعراضهم وأموالهم ولم يحصدوا إلى الذل والعار وخيبة الأمل وارجاء والهوان قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا” فيأتي الجواب: 

(الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا) 

المصيبة أنهم بأفهامهم المعكوسة وأنفسهم المغرورة وشياطينهم التي توجههم قد ظنوا أنهم يحسنون صنعا فقد لُبِّس عليهم بأنهم صواب وأعمالهم صواب فهؤلاء هم الأخسرون لا مجرد الخاسرون لأنهم ضلّوا وخُدِعوا والسؤال إلى متى ونقول لهم (أَلَيْسَ مِنكُمْ رَجُلٌ رَّشِيدٌ)

 وبعد أن انقطعت الأسباب وقل الناصر والمعين وكثر أعداء الإسلام وخشي رسول الله على دعوته أخذ بالبحث عن قوة أرضية وأسباب بشرية لنصرة دين الله عز وجل والدفاع عنه فسار على قدميه إلى الطائف بخطىً يحذوها الأمل وتحوطها الثقة بالله تعالى أن يخرج الله من بين ظهرانيهم فئة مسلمة وثلة مؤمنة تكون له خير رفيق على طريق الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى 

 لكن النتيجة كانت مفاجئة فأهل الطائف لم يكرموا ضيفهم ولم يحسنوا وفادته بل أساءوا له بكل إمكانياتهم وبجميع حقدهم فقد طردوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأردفوا خلفه الصبية الصغار الذين رموه بالحجارة حتى أدموا قدميه الشريفتين.

 فكم أشبه الأمس باليوم و من تنكروا من جلدتنا وتخلوا عن قضيتنا وقدسنا   وطعنوا في المسرى والأسرى وأباحوا سفك الدماء وهتك الأعراض وأضحوا في جاهلية جهلاء وضلالة عمياء   وغرتهم  الحياة الدنيا  وإلى متى تبقى حالة الأمة؟

وهنا أغلقت الدنيا في وجه حبيبنا صلى الله عليه وسلم فجلس وهو في طريق العودة من الطائف إلى مكة تحت ظل شجرة يبث شكواه إلى الله تعالى طالباً منه النصر والعون بكلمات ملؤها اليقين والثقة بنصر الله سبحانه وتعالى قائلاً: 

الدعاء الشهير الذي دعا به النبي محمد ربه هو: "اللهم إني أشكو إليك ضعف قوتي، وقلة حيلتي، وهواني على الناس، يا أرحم الراحمين، أنت رب المستضعفين، وأنت ربي، إلى من تكلني؟ إلى بعيد يتجهمني؟ أم إلى عدو ملكته أمري؟ إن لم يكن بك عليّ غضب فلا أبالي، ولكن عافيتك هي أوسع لي، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن تنزل بي غضبك، أو يحل على سخطك، لك العُتبى حتى ترضى، ولا حول ولا قوة إلا بك"

أراد الله عز وجل أن يُكرم النبي محمد فبعث إليه جبريل عليه السلام ليحمله على البراق 

تشرف الرسول صلى الله عليه وآلة وصحبه وسلم بطاقة دعوة من الله جل عُلاه ليريه مكانته لديه فجاءت الدعوة الربانية شاهداً أبد الدهر على مكانة سيدنا محمد صلى الله عليه وألة وصحبه ومكانة بيت المقدس وأُمة الإسلام فهل نفضنا ثوب العار والذل وعُدنا إلى دين المحبة والسلام عُدنا كما كُنا خير أُمة أُخرجت للناس وهنا يتضح لنا أن خيرية الأمة الإسلامية منوطة بتحقيق الالتزام بمكارم الأخلاق  والعدل في أرض الله بما يُصلح فيها أمر العباد والبلاد 

روي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه رأى من الناس دعة في حجة حجها فقرأ هذه الآية ( كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بالمعروف وَتَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ ۗ وَلَوْ ءَامَنَ أَهْلُ ٱلْكِتَٰبِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم ۚ مِّنْهُمُ ٱلْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ ٱلْفَٰسِقُونَ )ثم قال: (من سره أن يكون من هذه الأمة فليؤد شرط الله فيها).

أولهما: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لأنهما سياج الدين، ولا يمكن أن يتحقق بنيان أمة على الخير والفضيلة إلا بالقيام بهما،

 هنا أذن الله بالكرم والفرج لرسولٍ صبر واحتسب ودعا الله بصدق وردّ مَلك الجبلين الذي قال له بعد كل هذا العناء: 

“إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا”

 هنا بدأت رحلة التكريم ومشوار التمكين لرسول الله صلى الله عليه وسلم لينطلق بروحه وجسده برحلة ربانية ومعجزة سماوية خارقةٍ لكل نواميس الطبيعة ومخالفة لكل القوانين البشرية لينتقل رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم عبر دابّة البراق من مكة المكرمة إلى بيت المقدس ثم يُعرج به إلى السماء ويعود إلى بيته في ليلة واحدة  وهذه المعجزة بكافة تفاصيلها صعبة التصديق على أمة كفرت بالله وبرسوله وأنكرت الحق واستوطن الباطل في قلبها  لكن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يخون الأمانة ولا يكتم السّر  فقد وقف أما جحافل قريش وحيداً أعزل لكنه قوي متين بثقته بالله تعالى ليقص عليهم الخبر وينبئهم بكامل التفاصيل لينقسم القوم إلى فريقين:

 فريق مؤمن مصدق لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وآخر جاحد للحقيقة كافرا بالله سبحانه وتعالى. والدروس والعبر من حادثة الإسراء والمعراج كثيرة عديدة ففي كل موقف درس وفي كل كلمة من رسول الله قصة وعبرة ومن أهم الدروس المستفادة من هذه الرحلة العظيمة:

 فقد اختار الله عز وجل لرسوله صلى الله عليه وسلم أن يرحل إلى المسجد الأقصى المبارك من مكة المكرمة ثم يعرج إلى السماء وطريق الرحلة هذه اختارها الله عز وجل ليدلل لنا على مكانة بيت المقدس وفضل المسجد الأقصى المبارك الذي كان قبلةً أولى للمسلمين قبل المسجد الحرام والذي يعتبر من أقدم المساجد التي بنيت على الأرض فهو ثاني المساجد بناءً بعد الكعبة المشرفة وثالث المساجد مكانة وأجراً بعد المسجد الحرام والمسجد النبوي.

 وكما أن الله تعالى ربط أبا الأنبياء إبراهيم عليه السلام بالبيت الحرام، ربط رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم روحياً ودينياً ببيت المقدس عن طريق جعله قبلة للمسلمين وبإمامته للأنبياء والمرسلين فيه وذكره كأرض مباركة ومقدسة في أكثر من أية قرآنية وبعدها جاء التأكيد المادي للربط عن طريق هذه الرحلة. 

وعلى هذا فإن رحلة الإسراء والمعراج لها علاقة مباشرة مع هذا الصراع الديني ولها ارتباط بما يدور في المسجد الأقصى ومحيطه من تخريب وفساد يمارسه بني صهيون ومن يقف معهم. 

فلم تكن رحلة الإسراء والمعراج مجرد معجزة إلهية وهبها الله لخاتم أنبيائه ورسله، ولم يسجلها الله في كتابه العزيز إلا لتكون منارة يهتدي بها المسلمون كلما تاهت بهم السبل عن بيت المقدس منارة تنفع الأمة في الحفاظ على وجودها وتأمين مصالحها على مر الزمان كلما استعجلها الخطر واقتحم أرض بيت المقدس، وهاهي تعود من جديد إلى قلب الصراع الحضاري بين المسلمين وغيرهم من المحتل   وحلفائهم الغرب ممّن يريدون إخضاع الأمة والتحكم فيها وفق مصالحها. 

الإسراء والمعراج ـ دائرة بين يقين المؤمن بصدق رسول الله   وبين تحكيم العقل، وهل استطاع عقلك أن يفهم كل قضايا الكون من حولك فما أكثر الأمور التي وقف فيها العقل ولم يفهم كنهها   ومع مرور الزمن وتقدم العلوم رآها تتكشف له تدريجياً فما شاء الله أن يظهره لنا من قضايا الكون يسر لنا أسبابه باكتشاف أو اختراع وربما بالمصادفة.

رسالة أخيرة نوجهها إلى أهل بيت المقدس (إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ) لقد آن وقت التغير  والعودة إلى مكارم الأخلاق  والحفاظ على  العرض والأرض وحفظ ماء الوجه وكما أن المدينة المنورة على ساكنها أفضل  الصلاة والسلام كما أشار  في الحديث الشريف (إن المدينة تنفي خبثها) وخص هذا الحديث بعض العلماء بعهد النبي صلى الله عليه وسلم مع وجود المُنافقين هُناك كما قال تعالى: {وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ} وذكر بعضهم تخصيص هذا النفي للخبث بوقت خروج الدجال بمعنى: أنها ترجف فيخرج إلى الدجال كل منافق وخبيث، ولا شك أنه لا ينطبق على كل زمان، فالبلاد كلها لا تخلوا من خبيث وطيب حيث يوجد في المدينة الآن الروافض والفسقة والعُصاة، مع أنهم من أهل الخبث، وقد ورد في بعض الروايات  «تنفي الناس» وفي رواية: «تنفي الرجال كما ينفي الكير خبث الحديد» والكير هو الذي يعمله الحدادون ويضعون فيه نارًا ويذوب فيه الحديد، ويتميز خبث الحديد وطيبه.   فالقدس أيضاً تنفي خُبثها لقوله في الحديث الشريف

(قال الله عزّ وجلّ لبيت المقدس: أنت جنتّي وقدسي، وصفوتي من بلادي، من سكنك فبرحمة مني، ومن خرج منك فبسخط مني عليه)، والله عز وجل اختارها مسرى لرسوله الكريم، كما اختارها من قبل مستقر الخالدين من إخوانه الرسل الكرام، ففيها قبور الأنبياء والصالحين كما أنها مهد النبوات ومهبط الرسالات.

وفي الختام نسأل الله العلي القدير أن يوحد أمتنا ويألف قلوبنا كي نعيد المسجد الأقصى لعزته ولمكانته السامية في تاريخنا العظيم

المراجع:

1) ((لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد، المسجد الحرام ومسجدي هذا والمسجد الأقصى)) متفق عليه

2) أنت جنتّي وقدسي، وصفوتي من بلادي، من سكنك فبرحمة مني، ومن خرج منك فبسخط مني عليه)، ص95 - كتاب فضائل القدس - الباب التاسع - المكتبة الشاملة الحديثة

3) أرض المحشر، والمنشر، ائتوه فصلوا فيه، فإن صلاة فيه كألف صلاة في غيره"، قلت: أرأيت إن لم أستطع أن أتحمل إليه؟ قال: "فتهدي له زيتًا يسرج فيه، فمن فعل فهو كمن أتاه")    أخرجه أحمد في مسنده 6: 216؛ وروى أبو داود قطعة منه في الصلاة برقم 457؛ وابن ماجه في إقامة الصلاة والسنة فيها برقم 1407

4) رواه مسلم.

5) أحمد، وأبو داود هل هذا الحديث صحيح، وإسناده قوي؟

6) محمد – 21

7) المعجم الكبير للطبراني.

8)الإسراء- 1- 

9) صحيح البخاري

10) آل عمران - 110)