- 3 نيسان 2025
- حارات مقدسية
القدس - أخبار البلد - ويستمر الباحث والناشط المقدسي ابن المدينة الذي عشق فاخلص " نافذ عسيلة" بالكتابة في " أخبار البلد" عن حارات وازقة القدس او كما يسميها " عسيلة" زنقات البلدة القديمة من المدينة المقدسة ، حيث كتب يصف تلك الأماكن التي تنبعث منها رائحة التاريخ وعبق الزمان وأصالة القديم، وصمود الحاضر .
زنقات القدس
بقلم : نافذ عسيلة
زنقات البلدة القديمة في القدس لا تقتصر على كونها مجرد ممرات ضيقة، بل هي شرايين حية تنبض بالتاريخ والهوية. كل زقاق يحمل في طياته قصصًا متراكمة من العمارة الإسلامية والصراعات السياسية، وتجسد صمود الحياة اليومية في المجتمع المقدسي. هذه الأزقة، بتعرجاتها وأسمائها القديمة، تشكل لوحة فريدة حيث تتداخل روائح التوابل مع صوت الأذان وقرع أجراس الكنائس، مما يخلق إرثًا ثقافيًا عميقًا لا يمكن فصله عن صراع المدينة من أجل البقاء.
الهوية الثقافية والاجتماعية:
الزنقات في البلدة القديمة ليست مجرد ممرات ضيقة بل هي مكان مادي يعكس هوية سكان المدينة.
حيث تمثل هذه الزنقات جزءًا من الذاكرة الجمعية للمجتمعات المحلية.
فهي يمكن أن تكون الزنقات شاهدة على الاختلاط الثقافي بين المسلمين والمسيحيين الذين يعيشون جنبًا إلى جنب في البلدة القديمة، هذا التعايش والتفاعل بين الأديان والثقافات المختلفة يساهم في تشكيل هوية القدس المشتركة.
كما أنها تعكس الأنماط الاجتماعية للأسر والجماعات الدينية، حيث يتمتع كل مجتمع بنمط معماري خاص به لكنه يتداخل بشكل طبيعي مع الآخرين.
أما عن التفاعل الاجتماعي في الزنقات فان هذه الممرات لا تعتبر مجرد شوارع ضيقة، بل إنها أماكن يحدث فيها التفاعل المستمر بين الأفراد والجماعات. ولهذا فهي أكثر من مجرد شوارع ضيقة؛ إنها أماكن تشهد التفاعل المستمر بين الأفراد والمجتمع، خاصة وأن تعتبر الزنقات أماكن تجارية مزدحمة، حيث يعقد سكانها الصفقات اليومية ويتبادلون السلع، ولكن الأمر لا يقتصر فقط على البيع والشراء، بل تشهد على تبادل القصص والأنماط الثقافية بين البائعين والزبائن.
وتعد الزنقات أماكن للاجتماعات، حيث يجتمع الناس لمناقشة شؤون حياتهم اليومية والبعض قد يتوقف للاستراحة في المقاهي، أو التحدث مع الجيران، مما يعكس التفاعل الاجتماعي الذي يعزز الروابط المجتمعية.
دور الزنقات في ممارسة الطقوس الدينية
تتجسد البلدة القديمة في أزقتها كفضاء مقدس تجتمع فيه الأديان السماوية الثلاث، فكل زنقة هنا تتحول إلى مسرح للعبادة والشعائر، حيث يمر الزوار والمصلين في البلدة القديمة عبر الزنقات في طريقهم إلى الأماكن المقدسة مثل المسجد الأقصى وكنيسة القيامة، وبالتالي فهي جزء من تجربة روحية ودينية.
وغالبًا ما تكون الزنقات هي النقطة الأولى التي يخطوها الأشخاص في طريقهم لأداء طقوس دينية هامة مثل الصلاة أو الحج أو التسبيح، مما يعكس تداخل الحياة اليومية مع الحياة الروحية.
الزنقات تعتبر حاملات للذاكرة الجماعية، فلا يقتصر دور الزنقات على تشكيل معمار المدينة فحسب، بل تحمل أيضًا قصصًا وموروثات اجتماعية تُنقل عبر الأجيال تتعلق بالمناسبات الكبرى، كالمناسبات الدينية أو الاحتفالات التقليدية، بالإضافة إلى الأحداث السياسية أو الثقافية التي تميز فترات معينة من التاريخ.
تعتبر الزنقات أيضًا مكانًا للحفاظ على التراث الثقافي من خلال الحرف اليدوية والتجارة التقليدية التي تُمارس فيها، مثل صناعة الطحينة والسيرج والأفران، بالإضافة إلى منتجات محلية أخرى.
اضافة الى ذلك تعد الزنقات في البلدة القديمة أسواقًا مفتوحة تضم مجموعة واسعة من المهن والحرف التي يتم تناقلها عبر الأجيال، حيث يتفاعل الناس مع بيئتهم الاقتصادية بشكل مستمر، ويظهر هذا التفاعل بين البائعين والمشترين في هذه الزنقات فالتجارة ليست مجرد تبادل مادي فحسب، بل هي أيضًا ممارسة ثقافية تشمل التفاوض وبناء العلاقات الاجتماعية وتعزيز الهوية الجماعية.
الزنقات مكان للتغيير الاجتماعي والسياسي
شهدت الزنقات في البلدة القديمة من المدينة المقدسة العديد من التغيرات السياسية والاجتماعية على مر العصور باعتبارها جزءًا من المدينة التي هي محط أنظار العالم، فإن هذه الزنقات تعكس التوترات والصراعات السياسية التي مرت بها المنطقة، ولهذا أصبحت الزنقات شاهدة على التغيرات السياسية الكبرى في القدس، بما في ذلك الحروب والاحتلالات والصراعات بين المجتمعات المختلفة.
كما تشكل زنقات البلدة القديمة في القدس أكثر من مجرد مساحات مادية ضيقة، فهي أماكن حية تمثل التفاعل بين الثقافات والتاريخ الاجتماعي والممارسات الدينية والاقتصادية، من خلال الزنقات، يمكننا فهم الترابط المجتمعي والتحديات اليومية التي يواجهها السكان المحليون، وكيف تظل هذه الأزقة شاهدة على الهوية الثقافية والتاريخ الطويل للمدينة.