- 23 تشرين أول 2025
- حارات مقدسية
بقلم : الباحث الشيخ مازن اهرام
عبر ثنايا الظلام، أضواء تنير المكان، و صدى تساقط قطرات الماء من صخور مغارة "الكتان" تضفي على اكتشاف جوانبها سحراً دفيناً وبرزخ بين حاجزين مادي، وحاجز زمني ظهر من أعماق التاريخ ينيئ أن للقدس تاريخ و أساطير وقصص تُتلى على الملأ ...لكن دون جدوى فالقدس تعرف أهلها وأهلوها يعرفون القدس فمهما اختلقت الرواية وما نُسِجتْ من حولها حكايا تبقى القدس بأطيافها حاضرة
فكان بناء سور القدس في عهد سليمان القانوني كسوار اللؤلؤ في المعصم استخدمت فيها حجارة المغارة و البيوت المبنية في داخل أسوار القدس القديمة واعتمدت على محجر المغارة يجد الزائر أمامه سلمٌ متأرجح يختبر ثَباتَ قدميه، ومياهٌ تمطرُ من جدار الصخر على جسده، وظلامٌ دامس لا تُبددهُ الأنوار المنبعثة بكل الجهات عناصر تتحالف في مكان واحد ضد شجاعتك وهيبة المكان تجعل مشوارك زاخراً بالهواجس والمخاوف حين تدخل أقدم مغارة التي تحمل عدة أسماء
إرث المغارة الموغلة في التاريخ، يقف اليوم أمام بشاعة السياسة والايدولوجيا.
ما الذي يسعى إليه الآخرون من حفريات واستكشافات موغلة لاتُسمن ولا تغني من جوع تمتد تحت السور حتى تصل إلى منطقة حارة السعدية يريدون إيجاد مخرج للمغارة فمن الجهة الشرقية الجنوبية تصل تلك المغارة لعين سلوان ومن الجهة الغربية تصل إلى بركة مأمن الله (مغارة الجماجم )
الموقع يقع مدخل الكهف أسفل سور المدينة القديمة، بين باب العامود وباب الساهرة، على بعد 150مترا إلى الشرق بعد مدخله الضيق ينحدر الكهف إلى فجوة تشبه القاعة بطول 90 مترا وتبلغ مساحتها 9000 متر مربع، إلا أن 250 متراً فقط منها فيما تمتد في عمق الأرض 3000 متر أسفل سور البلدة القديمة، ومنازل المواطنين بالقدس
سُمٍيَ الكهف في الماضي مغارة الكتان، إشارة إلى استعماله لتخزين الكتان أو القطن، وسمي بمغارة سليمان لاستخدام سليمان القانوني حجارته في بناء سور القدس
رغم أهمية المغارة التاريخية والمكانية فإن ورودها شحيح بالمصادر العربية، فقد ذكرها محمد بن أحمد شمس الدين المقدسي بكتابه "أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم" بالقرن العاشر الميلادي، ومن ثم ذكرها بعده بخمسة قرون مجير الدين الحنبلي باسم "مغارة الكتان".وذكرت المغارة في مراجع أجنبية مثل خرائط مسوحات فلسطين عام 1873 من قبل الكابتن "كلود كوندر" وسميّت باسميْ القطن والكتان نسبة إلى تخزين القطن والكتان بها في إحدى الفترات، وفق الباحث المقدسي فؤاد قطينة
بعد هذه «القاعة» تمتد سلسلة من «القاعات» التي حفرتها مقالع الحجر عبر التاريخ، في أنماط وتشكيلات فوضوية وغريبة في بعض الأحيان، وتتيح المسارات بلوغ كل ركن من المحجر، تظهر علامات ضربات الإزميل في العديد من الأقسام، ومازالت بعض الكتل الحجرية المستقطعة الضخمة موجودة هناك كما تركها الحجارون منذ قرون. تظهر في بعض الأماكن كتابات بالفحم على الجدران باللغات العربية واليونانية والأرمنية والإنجليزية، وكتابات محفورة على الجدران، وقد علقت على جدران الكهف لوحات تشرح بعض الأساطير الكثيرة المرتبطة بالموقع
يبلغ طول الكهف من مدخله إلى أبعد نقطة فيه حوالي الـ200 متر، ويبلغ أقصى عرض له حوالي الـ100 متر، وعمقه حوالي التسعة أمتار تحت مستوى الشارع في البلدة القديمة، وتوجد أيضا مستويات أكثر انخفاضا وأنفاق مسدودة.
الغرفة الرئيسية في كهف سليمان تعد فوهة الكهف فقط ظاهرة طبيعية، أما جزءه الداخلي فنحته البشر على مدى عدة آلاف من السنين، حيث يعد الحجر الجيري الملكي
استعمل المحجر أيضا في عهد سليمان القانوني (1494-1566) في بناء الأسوار الحالية حول المدينة القديمة، ثم أغلق المحجر في نهاية المطاف حوالي عام 1540 لأسباب تتعلق بالسلامة العامة. وفي عام 1854، تابع المبشر المسيحي الأمريكي جيمس تورنر باركلي شائعات عن كهف بالقرب من باب العامود، وعثر على مدخل الكهف واستكشفه سرا ,استخرجت بعض الأحجار في عام 1907 لتستعمل في بناء في برج الساعة العثماني فوق باب الخليل، ولم يستخدم المكان بخلاف ذلك حتى عشرينيات القرن الماضي ,وجد أن الجدار المنسوب إلى العصر العثماني قد شُيِّد في وقت سابق، في الفترة المملوكية (القرن الثالث عشر). اكتشف عدد قليل من القطع التي تعود إلى العصر الحديدي، لكن معظم البقايا التي عثر عليها كانت من العصرين الروماني والبيزنطي. كما وجدت الحفريات الإضافية في عام 2011 منطقة كانت مغلقة لاستخدام عمال المحاجر، ربما في أواخر العصر الإسلامي
أهمية المكان للماسونيين أقيم احتفال ماسوني في الكهف عام 1868، بقيادة بنّاء كبير سابق من ولاية كنتاكي، والتقى أول محفل ماسوني في الأرض المقدسة، واسمه محفل سليمان الملكي رقم 293 في الكهف في 7 مايو 1873.

