• 29 كانون أول 2020
  • أقلام مقدسية

 

بقلم : سايمون أزازيان

 

بعد أحداث النبي موسى الأخيرة، أخذ البعض يراهن على أن هذه الاحداث المؤسفة لن تمر مرور الكرام، بل سيتم محاسبة الجهات المسؤولة أو غيرها من الشخصيات والمؤسسات... أقول لكم بالعربي العام : "عالفاضي، كلها أكم يوم وينتهي النقاش وبنسكر عالموضوع وبصير في خبر ماضي، وكأن شيء لم يحدث..." 

لكن لنسأل أنفسنا ماذا تعلمنا من هذا الحدث؟ 

علينا أن ندرك أن هناك معضلة خطيرة جداً يجب تداركها عاجلاً أم آجلاً متعلقة بانفصام الهوية عند شبابنا المقدسي. مع احترامي للجميع بغض النظر عن انتمائه وموقفه ، وإذا كان يوافقني الرأي أم لا، إلاّ أنه وبكل أسف ، نقف اليوم أمام جيل مقدسي شاب منفصم الهوية يتقمص تيارين معاكسين، أحدهما "متحرر" اجتماعياً وسياسياً، والآخر "متشدد" دينياً وقومياً. 

فالطرف الأول يدرك أنه يعيش في مدينة القدس، التي تقبع تحت الاحتلال الإسرائيلي، لكن هذا لا يمنعه أن يكون مقلداً في تصرفاته للمحتل، فيكفيك السير في شارع صلاح الدين أيام  السبت لتسمع الأغاني العبرية تلعلع من خلال مكبرات الصوت في سيارات الشباب، ولا ترى من يحرك ساكناً.

 على الطرف الاخر نشاهد حفلات التكنو الصاخبة وهؤلاء الشباب الذين يهمهم شرب كمية كافية من الويسكي والحشيش، كي يصلوا الى الذروة على إيقاع التكنو، وهم ليس لديهم أية إشكالية - وعلى الأغلب غير مدركين- أين ستقام الحفلة - مرقصاً، مسجداً، كنيسة... لأن موضوع الدين غير موجود في قاموسهم أصلاً، فهم بحسب تعبيرهم "أحرار، وبدهم ينبسطو يا مان"!

ثم نرى البعد الآخر للانفصام، والذي يعيش أمجاد زمن باب الحارة! فعند هذه الفئة أيضاً انفصام في الهوية مبني على مبدأ( العصبية القبلية )  إخلاصي لحارتي أو الحي الذي أنتمي اليه، أو عائلتي، أو حمولتي أو ديني. وهذه الفئة تمارس ردة فعل مبالغة فيها بسبب تشدد أو تعصب لما ذكر. فإذا قامت "طوشة" في الرام وكفر عقب، هب هذا التيار بكل طاقته وأيمانه  لمساندة  من يدافع عنه هو الحق والباقي باطل: "ياللي بده يتحدى هاي الحارة من قدها"! فيريد ان يبرز انتمائه الوطني -أنه أكثر فلسطيني من غيره، فيأخذ حقه بيده، لأنه المحتل ما دخله. وإذا سمع أن هنالك حفلة مع خمور في مقام النبي موسى زعم ان كل من فيها "نصراني"، وأخذ يحرر المكان من خلال إتلاف محتويات الغرف وحرقها لأنها مدنسة، وهكذا ينال رضى الله ورضى الوالدين. وللأسف يتم تجريح مشاعر آلاف المسيحين في فلسطين في خلال فترة أعيادهم بعد نشر فيديوهات " عملية التحرير".

أكثر ما يقلقني هو تجاهلنا لجدية الموقف، مثل الفيل القابع في الغرفة - حقيقة واضحة يتم تجاهلها وعدم معالجتها... أنا أدرك أن في كل مجتمع مفارقات واضحة، وان لكل فرد رأيه وشخصيته، لكن في وضعية القدس اليوم نرى جيل كامل يصارع ليصقل هويته المفقودة، يتساءل من أنا؟ يحاول جاهداً أن يتوافق بين الشاب الذي يبدأ يومه أمام "المصرارة" الساعة الخامسة صباحاً ينتظر المقاول الإسرائيلي، وشاباً أمضى ليلته في حراسة مدخل مستشفى هداسا، وشاباً يرابط في الأقصى، وشاباً يستقل سيارته الفخمة متوجهاً لرام الله ليعمل في مؤسسه دولية... 

ربما أضعت وقتي في كتابة هذه المقالة، فكما ابتدأتها: "عالفاضي، أكم يوم وينتهي النقاش"، لكن المشكلة تبقى موجودة، والحلول تبقى غائبة...