• 27 آيار 2022
  • أقلام مقدسية

 

بقلم : سعادة مصطفى ارشيد

 

في تشرين أول من العام الماضي أصدرت محكمة الصلح ( الإسرائيلية ) قرارا تسمح فيه لليهود بإقامة صلواتهم وشعائرهم التلمودية في باحات الحرم القدسي ولكن بصمت و دون أصوات مرتفعة وقد مر هذا القرار مرورا سريعا و لم يدرك كثير منا أنه كان مقدمة لما صدر من قرار يوم الأحد الماضي إذ قضت ذات المحكمة بالسماح لهم و لكن بصوت مرتفع و مع القيام بالحركات الجسدية الخاصة بالصلوات,هذا قبل أسبوع من مسيرة الأعلام ( الإسرائيلية ) التي تتسم بالفظاظة و الاستفزاز للمشاعر الفلسطينية إذ أنها تهدف لتذكيرنا بان هزيمتنا مستمرة وأن نكبتنا متواصلة , وذلك بالطواف الصاخب داخل القدس العتيقة .

جاء الرد سريعا من غرفة العمليات المشتركة لفصائل المقاومة في غزة على هذا القرار القضائي , مؤكدا بلغة حاسمة بأن فصائل المقاومة لن تسمح لا بتدنيس الحرم القدسي ولا بمسيرة الأعلام في القدس العتيقة , مؤكدة بأن سيف القدس لم يغمد بعد و أن الساحات في غزة و الضفة الغربية متوحدة مع الساحة المقدسية , و أن المقاومة ستقوم بواجبها في الدفاع عن المدينة المقدسة ومقدساتها و ما لبثت أن تتالت تصريحات منفردة من قادة في المقاومة .

الحكومة  (الإسرائيلية ) من جانبها قالت أن لا تغيير على الواقع القائم في المسجد الأقصى دون أن توضح ما هو الوضع القائم الذي تريده أن يبقى قائما , لذلك ستتقدم باستئناف طاعن لقرار محكمة الصلح المذكورة , لكن اليمين القوي و العدواني لا يغترف أصلا بوجود مكان إسلامي مقدس و إنما جبل الهيكل اليهودي الخالص , الذي أقيم عليه هيكلهم في السابق و ما يجب عليهم إعادة بنائه, وجاء قرار المحكمة ليتناغم مع ذلك الاعتقاد , و من المعروف أن القضاء في ( إسرائيل )على قدر من الاستقلال و لكن هذا  في حال كان التقاضي بين اليهود , لا عندما يكون أحد أطراف التقاضي فلسطينيا أو عندما تكون الدعوى لها علاقة بالأرض أو الحقوق الفلسطينية .

أمام تهديدات غزة بدا أن رأيا عاما واسع الطيف قد أخذ بالتشكل في تل أبيب يذهب باتجاه أن إطلاق مسيرة الإعلام قد أصبحت مسألة ضرورية حتى لو كانت التكلفة عالية وقد تصل إلى حدود اشتباك غير مأمون العواقب , هذا ما صرح به وزير الدفاع بيني غانتس الثلاثاء الماضي بان حظر مسيرة الأعلام أمر يهدد وحدة الحكومة و سلامة الإتلاف الحاكم , كما انه يضع ( إسرائيل ) في صورة الضعيف أمام تهديدات غزة التي تريد أن تبدو بمظهر من يفرض علينا ما هو مسموح من قبلها وما هو محظور, لذلك لا محيد عن إطلاق المسيرة 

وبمسارها المعتاد التي سيرتفع بها تسعة آلاف علم ( إسرائيلي ) على امتداد اثنين و ستين كيلو مترا, و لكن مع انتشار واسع للشرطة لتحول دون أي تخريب أو اشتباك أو اقتحام للمسجد الأقصى , و للسيطرة على الهتافات و الشعارات التي سترافق المسيرة كي لا تكون مستفزة للفلسطينيين ( حسب القول الإسرائيلي ) , وهو أمر قد لا تستطيع الشرطة السيطرة عليه بوجود هذه الجموع اليمينية الغفيرة و النفوس المشبعة بالعنف و الحقد و التوحش .

غزة التي أعلنت بصراحة أنها لن تسمح بذلك وسترد عليه , ولكنها استحوطت ليوم الحسم بعدم إعلان شكل الرد و مصدره , فهل سيكون على طريقة رمضان ما قبل الماضي في سيف القدس غير المغمد حسب التصريحات , إذ تنهال الصواريخ و تحلق المسيرات على منطقة تل أبيب , وبالطبع سيكون الرد  (الإسرائيلي ) بقصف غزة و باللجوء إلى القوة التدميرية 

التي لا تزال غزة لم تعالج آثارها منذ عام 2014 , أم أنها ستفعل أدواتها التعبوية و العسكرية في الضفة و القدس , وعند هذه النقطة نستذكر تصريحات الشيخ صالح العاروري في رمضان الماضي عندما طالب المرابطون بالأقصى غزة بأن تقصف غزة فكان رد الشيخ العاروري ان على أهل القدس والضفة الغربية أن يعتمدوا على أنفسهم و ان غزة هي العمق الاستراتيجي لهم لكن الرد على العدوان ( الإسرائيلي ) لا يفترض إطلاق الصواريخ فلكل منطقة فلسطينية أسلوبها بالمقاومة .

تحولت معركة القدس والمسجد الأقصى لان تصبح معركة إقليمية بامتياز و إن كانت أدواتها مقدسية - فلسطينية , أطراف إقليمية ترى في القدس مكانا لا يمكن التفريط به و تراه محركا لاستمرار المقاومة ثم ان الدفاع عن مقدسات بوزن القدس ومسجدها يضاعف من شرعية المدافع الدينية و القومية و ترى أن المواجهة على هذه الساحة هي مسألة لا يمكن نقدها , فيما ترى أطراف إقليمية أخرى ضرورة التهدئة إن بسبب علاقاتها و تطبيعها المعلن أو شبه المعلن مع ( إسرائيل ) كقطر صاحبة المنحة الشهرية  و تركيا التي يزور وزير خارجيتها تل أبيب حاليا , أو بسبب القلق من ارتدادات التوتر بالقدس على أمنهم الداخلي كما هي حال مصر و الأردن .

يوم الأحد القادم سيكون يوما حابسا للأنفاس , قد ينقضي بهدوء و لكن في طياته رياح و عواصف , منها ما قاله قائد الحرس الثوري الإيراني من صيحات ثار لأحبة لم ينساهم و منها ما علق عليه ( الإسرائيلي ) بان عليه اخذ هذه التهديدات بجدية  ,هكذا ترتسم خطوط معركة موعدها المفترض يوم الأحد القادم , و كل طرف فيها يستعد لها بالتصريحات و التهديدات التي تحتاج لإثبات وجدية إذا وقعت المعركة التي سيشارك و يتأثر  بها حكما غير المبادرين لها ,  فهل ستبقى في إطارها الفلسطيني ( الإسرائيلي ) أم ستتحول إلى دينية أو إقليمية دينية  .