• 15 حزيران 2022
  • أقلام مقدسية

 

بقلم : د  رياض حمودة ياسين 

قامت دولة الاحتلال الإسرائيلي في حرب حزيران/ يونيو بالسيطرة المسلحة على القدس الشرقية، في انتهاك صارخ بعد حرب 1948 لاتفاقية رودس التي تم توقيعها بعد حرب عام 1948، والتي بموجبها اصبح للأردن السيادة على الضفة الغربية والقدس ومقدساتها بلا منازع، وقد ضمّت حكومة الاحتلال الإسرائيلي بعد الأعمال العدائية الكثيفة في حزيران/ يونيو 1967 بموجب قانون بلدي إسرائيلي ذلك الجزء من القدس الذي كان تحت الحكم الأردني سابقا، وقامت بتوسيع حدود بلدية القدس وتوحيد المدينة بعد احتلال الجزء الشرقي.

وقد بدأت الخطوات العملية لإنشاء حي يهودي جديد، فقامت سلطات الاحتلال بهدم جزء من حي المغاربة (المحاذي للحائط الغربي للمسجد الأقصى) وقامت بإجلاء سكانه. كما قامت بإجلاء سكان حي الشرف، وهو من الاحياء العربية القديمة، وقامت بعزل احياء عربية كاملة من القدس على إثر إعادة ترسيم الحدود للمدينة.

بتاريخ 27 حزيران/ يونيو 1967م أقر الكنيست الإسرائيلي ثلاثة قوانين أثرت في مكانة القدس والأماكن المقدسة، وأهمها توسيع حدود بلدية القدس العربية، وإصدار قانون حماية الأماكن المقدسة. وتعتبر هذه القوانين تعديا صارخا على الأعراف والقوانين الدولية، كما تعتبر في الآن نفسه إلغاءً للوضع الراهن من طرف واحد.

وفي الوقت ذاته، فقد أطلقت إسرائيل يدها في القدس العربية لتخلق واقعا قائما. وبالرغم من عدم شرعية ذلك إلا أنه شكل قاعدة لمفاوضات السلام التي جرت، أو تلك التي يمكن أن تجري.

وبموجب هذه القانون عرّفت دولة إسرائيل نفسها أنها صاحبة الولاية الإدارية والدينية المفهومة ضمنا نتيجة استحقاق السيطرة السياسية والعسكرية الفعلية على الأرض، وبالتالي تجاوزت وألغت القوانين الأردنية واستبدلت بها التشريعات والقوانين الإسرائيلية.

بمعنى أكثر وضوحا، عاملت إسرائيل مدينة القدس كلها وضواحيها التي تنمو وتتسع والبلدان والقرى المحيطة بها باعتبارها جزءا من أرض إسرائيل يطبق عليها قانون وإدارة إسرائيليين، خاصة أنها أخضعت مدينة القدس لرئيس مجلس بلدي واحد.

وتتصرف السلطات الإسرائيلية ، حكومية كانت أم بلدية، في القدس كما لو كانت عاصمة “دولة إسرائيل”.

ومنذ عام 1967 أصدر رئيس الوزراء الإسرائيلي مناحيم بيغن تصريحات مفادها أنه لا رجوع إلى وضع القدس”المقسمة” السابق أو أي اقتراح مثل تدويل المدينة باعتبارها “كيانا منفصلا”، وهذا الأمر لا يمكن التفاوض عليه.

موقف الأمم المتحدة

وكان موقف الأمم المتحدة واضحا في رفض إجراءات إسرائيل الاحادية في المدنية. فجاء قرار مجلس الأمن رقم 271 بتاريخ 15-9-1969 ليبدي ملاحظة المجلس للغضب العالمي الذي سببه عمل تدنيس المسجد الأقصى ودعوة إسرائيل إلى إلغاء جميع الإجراءات التي من شأنها تغيير وضع القدس، وأبدى مجلس الامن في قراره رقم 298 بتاريخ 25-9-1971 الاسف لعدم احترام إسرائيل قرارات الامم المتحدة الخاصة بإجراءاتها لتغيير وضع القدس .

وظل الأردن يعتبر الضفة الغربية والقدس الشرقية جزءا من اراضيه ويخضع لقوانين وتعريفات الاحتلال حسب القانون الدولي ويسري عليها قرارات الأمم المتحدة بوصفها اراض محتلة منذ العام 1967م، خاصة قرار رقم 242 الذي أصدره مجلس الأمن الدولي في 22 نوفمبر/ تشرين الثاني 1967، حيث تضمن التأكيد على عدم شرعية الاستيلاء على الأراضي عن طريق الحرب، وانسحاب القوات الإسرائيلية من الأراضي التي احتلتها في النزاع الأخير..

الهيئة الإسلامية العليا

وبعد وقوع القدس الشريف في يد الاحتلال الإسرائيلي عام 1967 شكل المواطنون في القدس الهيئة الإسلامية العليا التي اعلنت في أول بيان لها أن القدس عربية وهي جزء لا يتجزأ من الأردن، وأن ميثاق الأمم المتحدة يمنع إسرائيل من الاعتداء على الأراضي الأردنية، ولذا فإنه لا يجوز لإسرائيل ضم أي جزء من الأراضي الأردنية اليها. وكذلك ظلت أجهزة الأوقاف والمحاكم الشرعية مرتبطه بأجهزة الحكومة الأردنية إدارياً وقانونياً ومالياً رغم وجود الاحتلال، وتم تشكيل مجلس للأوقاف في القدس ليشرف بشكل عام على إدارة أوقاف القدس، ويتم تعيين اعضائه بقرار من مجلس الوزراء الأردني الموقر، وذلك للإشراف على إدارة الأوقاف والأملاك الوقفية التي تشكل أكثر من 50 في المئة من الأملاك في القدس الشريف.

واليوم تعيش مدينة القدس في مخاض عسير نتيجة تصاعد عمليات التهويد والتهديد بطمس معالمها العربية الإسلامية والمسيحية، ولعل فكرة التقسيم المكاني للأقصى باتت هدفا استراتيجيا تعمل عليه حكومة الاحتلال من خلال السماح للجماعات المتطرفة من المتدينين والمستوطنين بتنفيذ اقتحامات متكررة لإيجاد موطئ قدم لهم داخل الحرم الشريف، ويبدو أننا أمام المرحلة الأخيرة من بسط سيادة الاحتلال على الحرم القدسي تمهيدا للتفاوض حوله وتقسيمه زمانيا ومكانيا.

القدس العربي