• 30 تشرين أول 2022
  • أقلام مقدسية

 

 

 

بقلم: نزار الصافوطي المقدسي 

 

 

مقدمة لا بد منها، تدور حول شخصية إسرائيلية تعد الأكثر تطرفا على الاطلاق، التي اتخذت من القدس عنوانا لطرد ولتهجير وللتنكيل بكل ما هو عربي، الحجر قبل البشر ولازال كثير من جمهور الناخبين اليهود يلتف حولها، مما يظهر بصورة واضحة لا لبس ولا غموض فيها، بأن عدد كبير منهم -وللأسف- يميل إلى التطرف ولا أدل على ذلك إلا الانتخابات التي تمت خلال مدة 3.5 المنصرمة، والقادمة في غضون سويعات المقرر عقدها في 1/11/2022.

شخصية إيتمار بن غفير في توصيف صفاته ليس من قبيل الذم أو القدح، وانما هو واقع يتباهى به المذكور، ويصرح به جهارا نهارا بقتل وطرد العرب ومصادرة ممتلكاتهم، وهو الذي طلب تولي حقيبة الأمن في الحكومة المقبلة في حال إذا فاز بيبي نتنياهو، لتكون تصريحاته ضمن تحويل الاقوال إلى أفعال، ظنا منه أنه الوحيد القادر على تنفيذ تعهداته.

 فهذه الشخصية العنصرية، التي يلتف حولها لفيف من الناخبين المذكورين المتطرفين، لتؤكد على منحى الفكر الذي يدور في عقولهم، ولتكشف المستوى الفكري الذي بلغ منتهاه في انكار الآخر، فضلا عن استمرارية تمثيل دور الضحية، التي باتت مكشوفة للعالم الغربي قبل العالم العربي.

 ومن خلال هذا المقال لابد من وضع الأمور في نصابها وتذكير الناخب اليهودي والعالم، بأن عام 1995 ليس ببعيد عنا جميعا، فعندما كان بن غفير يبلغ من العمر 19 سنة، صرحا قبيل اغتيال رئيس الوزراء الراحل إسحاق رابين:"  ..... انتزعت شعار سيارتك الكاديلاك....وصلنا اليوم إلى سيارتك .... وسنصل إليك أيضا....".

تم الأمر وقُتل رابين ...

محطات عديدة لدى بن غفير بين الأقوال التحريضية بتهم تزيد عن 50 تهمة ويفتخر بتبرئته من 46 منها، وسلسلة انضمامه للأحزاب الأكثر تشددا كحزب كاخ المصنف إرهابيا بالقانون الإسرائيلي، وصولا إلى حزب الصهيونية الدينية، الذي أدخله إلى الكنيست في نيسان 2021، جعل من أوصاف بن غفير سلعة للوصول إلى عالم السياسة، ليبدأ نظام جديد في التنكيل الفعلي بأهل القدس بعد 1/11/2022 في حال توليه وزارة ما....

الغريب في الأمر، أن بن غفير درس القانون وتمكن من مزاولة مهنة المحاماة، ولكنه أبعد عن تطبيق نصوص وروح القانون واحترام حقوق الانسان....

اتخذ من المحاماة للدفاع عن قضايا المتطرفين من اليمين الإسرائيلي الذين اقترفوا عمليات إرهابية ضد العرب، مما ذاع نجمه بين المتشددين المتطرفين من بني زمرته، وأصبح رمزا يحتذى به في تلك المجتمعات التي تزداد يوما بعد يوم تطرفا دون وضع حد لأقوالهم وأفعالهم.

ترعرع بن غفير على نظرية حب وعشق التطرف، فكان من أشد المعجبين بالحاخام العنصري مئير كهانا الذي اتخذه قدوة له، فكان في فترة مراهقته ناشطا في حركة "كاخ"، وأدين بالتحريض على العنصرية في عام 2007 بسبب حمله لافتة خلال مظاهرة كُتب عليها "اطردوا العدو العربي..."

صحيفة هآرتس تتبعت أعمال ونشاطات بن غفير، وأشارت في شهر نيسان من العام 2018، إلى أن قائمة موكليه كمحام شملت المشتبه بهم في قضايا الإرهاب اليهودي وجرائم الكراهية في إسرائيل، وصرحت حينها في افتتاحيتها أن :" بن غفير يدافع أمام المحاكم كمحام عن اثنين من المراهقين المزعوم تورطهم في هجوم بقرية دوما بالضفة الغربية، والذي أسفر عن مقتل ثلاثة من أفراد عائلة دوابشة...".

بتاريخ 14/10/2022، وقبيل الانتخابات وكدعاية انتخابية للتطرف، شارك بن غفير بتغريدة مرفقة بصورة لأطفاله أثناء تواجده معهم في منطقة ألعاب، ظهر فيها يقف وراءهم وهم يصوّبون على هدف في لعبة على شكل بندقية، وقال في تغريدته اصطحبت الأطفال إلى ألعاب لتعليمهم ما يجب فعله مع الإرهابيين.... أعيادا سعيدة...

هذه التغريدة جاءت بعد يوم من اقتحام بن غفير برفقة مستوطنين، حي الشيخ جراح وإشهار سلاحه بوجه المواطنين العزل أصحاب الديرة، بحجة تعرضه للرشق بالحجارة.

وفي السياق المتصل، يُذكر أن آخر استطلاعات الرأي الإسرائيلية تظهر أن إيتمار بن غفير سيحصل على عدد من المقاعد يتراوح بين 10 إلى 13 مقعدا، وهو ما يدل في ذلك من احتمالية تعيينه وزيرا في حكومة الاحتلال القادمة.

أوصاف الشخصية المذكورة، بكل ما تحمله من معاني العنصرية والكراهية للآخر، والتهديد المباشر بقتل أعدائه وهم العرب على حد تعبيره، دون تحريك ساكن من الجهات القضائية، حكما لا يعد ذلك ضمن مساق حرية الرأي والتعبير، وانما دعوة مباشرة بالقتل، وهو أمر خطير كان على لجنة الانتخابات الإسرائيلية سحب طلب ترشحه.

الأخطر من جميع ذلك، أن أحدا لم يتكلم عن تلك الشخصية من الجانب العربي الفلسطيني، ولم تظهر أية تصريحات تدين أو تشجب أو حتى تستنكر أقوال وأفعال بن غفير بالصورة التي يجب أن تعري تلك الشخصية، بل لم تتعرض صحفنا المحلية لتلك الشخصية وتوجه بوصلة النقد بصورة متكررة، اتجاه شخصية تدعو لقتل كل عربي ومصادرة ممتلكاته.

والغريب في الأمر، أن اتخاذ بن غفير من حي الشيخ جراح مكانا له من أجل استمرار عملية التحريض، بوضع مكتب له في أحد البيوت التي تم احتلالها ومصادرتها واقتحامها عنوة دون وجه حق ليس من قبيل الصدفة، فهي رسالة أن القادم أسوء على أصحاب الحي وأن تخليتهم بالقوة والزعرنة قادم لا محالة.

تناسى بن غفير وزمرته وكل من يهمه الأمر في دولة الاحتلال، أن تملك اليهود وعلى وجه التحديد في عهد السلطان عبد الحميد، كان يستدعي الحصول على إذن سلطاني منه، وليس برقيات ومراسلات كما يزعم بعضهم، فكان على المستوطنين أن يظهروا الإذن السلطاني ومقارنته بالأرشيف العثماني، إن كان متوفرا بين أيديهم ليمكنهم من امتلاك 15 دونم في منطقة الشيخ جراح، لا سيما وأن الاذن السلطاني كان متوفرا في أراضي بيسان، نتيجة ظهور حكومة الاتحاد والترقي، فوقف ممثل القدس في مجلس المبعوثان ضد ذلك الإذن، وأثار الأمر في المجلس، مما دفع قائم مقام الناصرة آنذاك شكري العسلي رحمه الله، بشكل خاص في مقاومة التوسع اليهودي، حتى تم إفشال مشروع بيع أراضي بيسان.

لذلك، يستدل من جميع الوقائع سالفة الذكر، أن الصور الفوتوغرافية التي رصدت حي الشيخ جراح منذ عام 1881 حتى العام 1948، تؤكد على أنها كانت منطقة خالية من العقارات إلا بعدد قليل جدا لأنها كانت أراض زراعية، إذ تعود ملكية منطقة الشيخ جراح لعائلات مقدسية، منها عائلة الحسيني التي تمتد املاكها من مقر مدرسة دار الطفل العربي والمحيط المجاور لها، حتى زاوية جامع الشيخ جراح، حيث يقبع مقام حسام الدين الجراحي بجواره، مما أُطلق على تلك المنطقة باسم الشيخ جراح نسبة له، وعندما ننحدر باتجاه الشمال من جهة الجامع نجد مقام الشيخ الصديق السعدي الحجازي نسبة لعائلة حجازي المقدسية، وبالنسبة للأرض المتنازع عليها حاليا، فهي تعود لوقف عائلة الجاعوني.

 منوها في هذا المقام، أن الاستيلاء على المغارات المدفون في احداها "الصديق السعدي الحجازي"، الذي قبره يبقع في احدى المغارات الثلاث في ذات المنطقة محل الخلاف، فإنها تتبع لوقفية عائلة أبو جبنة المقدسية، وبالتالي تغيير الاسم العربي المسلم "الصديق حجازي" إلى الصديق شمعون، ووضع يد طائفة السفريديم على ذلك القبر، ما هو إلا نهج مكشوف للرواية التلمودية، هدفها بسط السيطرة على أرض رقبتها تعود ملكيتها إلى كوقف اسلامي للعائلات المذكورة.

وبما أن الصور الفوتوغرافية التي تظهر الحركة العمرانية لتلك المنطقة قبل نهاية الدولة العثمانية، مرورا  لبداية الانتداب البريطاني سنة 1917 إلى نهايته عام 1948، فإن الصور تنبئ على عدد الأبنية التي لا تتجاوز عدد اصابع اليد الواحدة، فلو كان مع اليهود إذن سلطاني في تملك متر مربع واحد في منطقة الشيخ جراح، لعمروه ابان الانتداب البريطاني، التي تعتبر بالنسبة إليهم فترة ذهبية كان يستدعي استغلالها، ولا بد من التذكير أن سجلات الطابو الانكليزي، لم تكن من ضمن المستندات التي قدمت في معاملة التسجيل الجديد عام 1972، فالمنطق القانوني والعقلي يقضي كل منهما، أن يستند صاحب المعاملة لأقرب واحدث تسجيل، وهي تسجيلات الانتداب البريطاني التي تمت بين الأعوام 1922-1948!

 اختم قولي هذا، لنؤكد على أن أهل القدس ليس عبيد، وهم أحرار ولدوا من أرحام أمهات حرائر، ولذلك فإن هذا المقال، قد يساعد كل من يهمه الأمر من أي طرف كان يهمه قضية القدس وأهلها، لتعزيز حجة أهل القدس وتفنيد مزاعم الجهات الاستيطانية الطافحة بالكيد والبطلان، فعلى بن غفير وزمرته مراجعة التاريخ ومراجعة الحسابات في كيفية التعامل مع أهل القدس الأحرار.