• 2 آذار 2023
  • أقلام مقدسية

 

بقلم : سعادة مصطفى ارشيد

 

تمثل العودة لاتفاق أوسلو مفتاحا ذهبيا للدخول في الشأن الفلسطيني في مرحلة ما بعد 1993 و تشكيل السلطة الفلسطينية، أراد (الإسرائيلي) أن يتخذ من هذا الإتفاق أداة إضافية و فعالة من أدوات حسم الصراع لصالحه، فيما الفلسطيني لا يرى في هذا الاتفاق وما وصل إليه إلا أداة لإدارة الصراع والحفاظ على السلطة،  وكأنها هدفا نهائيا ثورة انطلقت قبل قرابة الستة عقود،  فالمطلوب بقاء الحال على ما هو، وإنما الجهد يكون لمحاولة إبطاء الإستيطان أو تعليقه لبضعة أشهر لا توقفه وإزالته، وبترحيل السعي للسيطرة التامة على القدس ومسجدها وترحيل ساكنيها إلى وقت أبعد، والأهم إرضاء المانحين الدوليين لضمان تدفق المساعدات التي تصرف على الرواتب و السفريات  وعمل السفارات في الخارج وغيرها من المصاريف التشغيلية.

لقد كان واضحا عند من فاوض ووقع إتفاق أوسلو ومن قاد مفرزاته من سلطة وآمن أن الاتفاق ليس أكثر من حكم ذاتي محدود لا بل محدود جدا، لكن و على طريقة العمل الفلسطيني تم تجريع الفلسطيني هذا الاتفاق باعتباره انتصارا مؤزرا وسلام شجعان وحصيلة نضال القيادة الرشيدة، و أنه محطة سريعة لالتقاط الأنفاس، ثم السير باتجاه الدولة الفلسطينية وتحقيق الحرية والكرامة والديمقراطية والرخاء وما إلى ذلك من أوهام وأباطيل لم تصمد أمام الواقع المر الذي عاشه و عاناه الفلسطيني، حتى لو افترضنا حسن النية لدى القيادة فحسن النية هي صفة طيبة بالعلاقة الاجتماعية الداخلية و لكنها سذاجة مؤذية بالعمل السياسي، تصور هؤلاء أنهم بتذاكيهم وفهلوتهم من الممكن إدارة عملية سياسية مع عدو مثل (إسرائيل) و أنهم قادرين على الإحتيال عليها و تحويل الإتفاق إلى دولة، لكن هذا التذاكي و الارتجال واستعمال الأدوات القديمة المعروفة بالعمل الفلسطيني لم يكن لها إلا أن تقود إلى أن يصبح الحكم الذاتي أكثر محدودية، والأخطر أن هذه الطريقة ساعدت (الإسرائيلي) على الإسراع في حسم الصراع.

لكن الأوضاع بفلسطين لا تسير بما يتوافق مع مخططات على الورق، فالجانب (الإسرائيلي) نرى أن الجمهور قد أخذ منذ عام 1977 ينحو باتجاه أكثر تطرفا مما سارع بانقراض المؤسسات الحزبية (الإسرائيلية) القديمة التي أقامت الدولة وخاضت حروبها (حزب العمل)، منذ قرابة العقدين ومع تسارع التطرف، أصبح المتطرفين القدامى يظهرون بمظهر المعتدلين قياسا بالأجيال الجديدة منهم المشاركة بحكومة نتنياهو- بن غفير الحالية والتي يعلن وزرائها الحرب المفتوحة على الشعب الفلسطيني في استعجالهم لحسم الصراع، وخاصة الملفات الخمس التي علقها إتفاق أوسلو وهي القدس والاستيطان وحق العودة (اللاجئين) و الحدود و المياه.

في الجانب الفلسطيني المقابل، حالة من الشلل الرسمي و إلى حد كبير الفصائلي، لهاث رسمي لإرضاء المانحين و الذين يمر رضاهم عبر البوابة(الإسرائيلية)، مما خلق حالة من الإحباط لدى جيل فلسطيني جديد لم يعد يرى بالسلطة وكثير من الفصائل إلا عبء عليه وعلى المسألة الفلسطينية، فكانت المبادرة بالمقاومة بمسؤولية فردية لا جماعية بالمعنى التنظيمي، هذا الشكل الجديد الفتي الذي يعمل بغير أسلوب الفصائل التقليدية  والمستعد للقتال حتى الموت (الإستشهاد)  وللإشتباك غير المتكافئ مع الجيش (الإسرائيلي) القوي و من مسافات صفرية، ظاهرة عجيبة ذات قلب شجاع و لكنها تحتاج إلى عقل سياسي.

دروب السياسة التي تصل ما بين السلطة الفلسطينية و الحكومات (الإسرائيلية) مقطوع، (فالإسرائيلي) حتى ما قبل حكومة نتنياهو- بن غفير، لم يكن يبدي رغبة لإقامة علاقة مع السلطة خارج المضمون الأمني، بالمقابل لم يكن لدى السلطة ما تضغط به، لا بل ربما أنها لا ترغب أو لا تعمل على مراكمة عناصر القوة و الضغط بالذهاب إلى إنتخابات أو مزيد من المشاركة بالسلطة، أو السعي الجاد للمصالحة الداخلية و على الأقل إدارة الانقسام، عند ذلك كان لا بد مما ليس منه بد، وتقاطعات الطرق الأخرى بين متطرفي الحكومة (الإسرائيلية) الذي يسرعون الخطى باتجاه حسم الصراع بدء من القدس وتقاسم المسجد الأقصى تمهيدا للاستيلاء عليه  بإطلاق يد المستوطنين لالتهام مزيد من الأرض ومزيد من التطاول على الفلسطينيين وجعل حياتهم أكثر صعوبة، مع طريق جيل المقاومة الجديد الذي لم يعد يرى أن هناك من يمثلهم ويدافع عنهم وعن مسألتهم الوطنية، فكانت حالة الحرب التي نعيش اليوم.

الأمريكي المنشغل بملفات الحرب الروسية الأوكرانية و حربه الباردة مع الصين، يريد تبريد الجو في فلسطين و بالطبع على حساب الطرف الأضعف الفلسطيني، و هذا لا يتم إلا بضرب المقاومة و دعم السلطة المعتدلة و إلزامها بأوسلو- الأصل و الذي حدد وظيفتها  باعتبارها حكما ذاتيا وظيفته إدارة السكان و حفظ الأمن، فكانت قمة العقبة، ما يجب استيعابه أن قمة العقبة هي إمتداد طبيعي و تطور منطقي لإتفاق أوسلو، و كما في العقود الثلاثة الماضية من عمر الإتفاق، فهو يلزمنا بتنفيذ كل ما علينا و لكنه لا يلزم (الإسرائيلي) بشيء، فهو لن يتوقف عن إقتحام المدن و إنما زاد على إقتحامها بإحراقها و تدميرها، هذا ما رأيناه في حوارة و ما سنراه في القريب.