- 1 آذار 2024
- أقلام مقدسية
بقلم : سليمان ابو ارشيد
قرار مجلس الحرب سحب الصلاحيّات الخاصّة بالمسجد الأقصى من وزير الأمن القوميّ إيتمار بن غفير في ضوء توجيهات الأخير بمنع الصلاة من الفلسطينيّين بمختلف تجمّعاتهم في الحرم القدسيّ الشريف خلال شهر رمضان المبارك، إنما يعكس تخوّفًا جدّيًّا من انفجار الأوضاع في الضفّة الفلسطينيّة وامتدادها إلى الداخل الفلسطينيّ، حذّرت منه الأجهزة الأمنيّة الإسرائيليّة، وهو ما يرى فيه خبراء إسرائيليّون، المرحلة الثانية لـ"طوفان الأقصى" الّتي تخطّط لها حماس على حدّ زعمهم.
وتشير تقارير هذه الأجهزة إلى عاملين ضاغطين قد يؤدّيان إلى مثل هذا الانفجار، يتعلّق الأوّل بمنع الصلاة في الأقصى خلال الشهر الفضيل، ويرتبط الثاني بمنع عشرات آلاف العمّال من الضفّة الغربيّة من استئناف العمل في إسرائيل، وهي تمارس ضغوطًا على القيادة السياسيّة لإيجاد حلّ لهذه القضيّة، خاصّة وأنها تتسبّب بشلل تامّ في فرع البناء الإسرائيلي.
لقد نجحت إسرائيل على مدى خمسة أشهر من الحرب على غزّة في عزل الأقصى كعامل مفجّر وموحّد للساحات الفلسطينيّة المختلفة، رغم أن العمليّة الّتي قامت بها "حماس" في السابع من أكتوبر، حملت اسم "طوفان الأقصى"، وجاءت ردًّا على الانتهاكات والاعتداءات المتكرّرة على حرمة المسجد الأقصى، وذلك عن طريق خفض حدّة الاستفزازات في المكان الأكثر حساسيّة وقدرة على تحريك وتوحيد الكلّ الفلسطينيّ.
ولا غرابة أن ينصب الجهد الأميركيّ الإسرائيليّ على التوصّل لوقف إطلاق نار مؤقّت قبل شهر رمضان، تفاديًا للأحمال الدينيّة والعاطفيّة الّتي ينوء بها هذا الشهر، والمرتبطة بالأقصى، والتخوّف أن يؤدّي تفجّرها إلى انقلاب في المعادلة القائمة، ويجري أيضًا اتّخاذ تدابير للتقليل من احتمالات الانفجار عبر إبعاد الزيت عن النار بما يعنيه ذلك من تحييد بن غفير عن هذه الساحة، إلى جانب تخفيف خناق حصار التجويع المفروض على شمال القطاع على نحو خاص في حال فشلت جهود التوصّل إلى هكذا صفقة قبل شهر رمضان.
في هذا السياق نقلت صحيفة "نيويورك تايمز" عن باحثين من جامعة "جونس هوفكنس" أنه في حال استمرّت الحرب، ولم يحدث أيّ تغيير في حجم وصول المساعدات الإنسانيّة، توقّعات بموت 58 ألف إنسان خلال الأشهر الستّة القادمة، وأن هذا العدد سيرتفع إلى 66 ألفاً في حال تفشّي أمراض معدية مثل الكوليرا، وفي حال وقف إطلاق النار ينخفض هذا العدد إلى 6500 إنسان، ويرتفع إلى 11000 في حال انتشار الأمراض المعدية.
ويبدو أن لا نهاية قريبة للحرب المجنونة الّتي تخوضها إسرائيل منذ خمسة أشهر، والتي لم تفضي سوى إلى القتل والتدمير والتهجير، في غياب القدرة على تحقيق الأهداف العالية الّتي وضعتها لها، والمتمثّلة بالقضاء على حماس وتحرير الأسرى الإسرائيليّين، وفي غياب خطّة للخروج.
وفي أعقاب انتقادات واسعة عن غياب خطّة إسرائيليّة لليوم التالي، عرض نتنياهو خطّته بهذا الصدد على الطاقم الوزاريّ الأمنيّ المصغّر، وتقضي الخطّة في المدى المنظور، استمرار الحرب حتّى القضاء على فصائل المقاومة، وفي المدى المتوسّط، إبقاء السيطرة الأمنيّة الإسرائيليّة على القطاع وتشكيل ما يشبه الحكم المحلّيّ لإدارة الشؤون المدنيّة وإغلاق الأونروا، وفي المدى البعيد رفض الاعتراف بدولة فلسطينيّة من طرف، واحد والتوصّل إلى حلّ نهائيّ مع الفلسطينيّين عن طريق المفاوضات فقط.
وجوبهت خطّة نتنياهو بسيل من الانتقادات من قبل السياسيّين والمعلّقين، لخّصها عاموس يادلين رئيس "أمان" الأسبق بتسميتها "خطّة تخندق في رمال غزّة"، وبأنها مرصوفة بالتناقضات الداخليّة، وتبعد احتماليّة التجنّد الإقليميّ والدوليّ لصالح إسرائيل، وبأنها وصفة واضحة لغوص إسرائيل في داخل غزّة، وتحمل عبء مسؤوليّتها وحدها.
في مثل هكذا وضع ربّما تكون صفقة تبادل أسرى تضمن وقفًا لإطلاق النار حاجة إسرائيليّة أيضًا، رغم إصرار نتنياهو على عدم الاعتراف بذلك، ليس فقط من أجل تحرير الرهائن وتحقيق أحد أهداف الحرب المعلنة، بل من أجل وقف أطول حرب خاضتها إسرائيل منذ قيامها، والالتفات إلى إصلاح أضرارها الاقتصاديّة والسياسيّة والعسكريّة، ولكنّها لا تتوافق مع رغبة نتنياهو في البقاء في الحكم.
*عن موقع عرب ٤٨