• 7 آذار 2024
  • أقلام مقدسية

 

بقلم : نبهان خريشة

 

يستخدم الفلسطينيون منصات التواصل الاجتماعي بكثافة، نظرا للقيود التي يفرضها الاحتلال الإسرائيلي على حركتهم، وعزله التجمعات السكانية في الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس والداخل المحتل عن بعضها بعضا، بشكل يصعّب الاتصال بينها، بالإضافة إلى أن استخدامهم هذه المنصات للنشر بصفتها وسيلة متاحة للتعبير عن الرأي، ناهيك عما تتيحه هذه المنصات، من طرح لقضايا سياسية واجتماعية داخلية، غالبا لا تجد طريقها للنشر في وسائل الإعلام التقليدية، سواء أكانت رسمية أم خاصة.

وباء المعلومات الإسرائيلي

وجاء في تقرير لشركة (إيبوك لتكنولوجيا المعلومات)، بشأن استخدام الفلسطينيين لمنصات التواصل الاجتماعي في عام 2023، أن نسبة مستخدمي هذه المنصات وصل إلى 53.1% من الذكور، و46.3% من الإناث، فيما بلغت نسب استخدام منصات التواصل الاجتماعي على النحو التالي: الفيسبوك 95.16%، تويتر 26.14%، يوتيوب 81.53% وإنستغرام 63.28%، فيما تصل نسبة استخدام الهواتف الذكية في أوساط المستخدمين إلى 83%.

وكشف بحث لـ(المركز العربي لتطوير الإعلام الاجتماعي)، حول الأخبار الزائفة التي تستهدف الجمهور الفلسطيني، عن أن نحو 72% من مستخدمي الإنترنت في فلسطين، يتعرضون لضخ مستمر من الأخبار الكاذبة والمعلومات المضللة، تصل نسبة المصادر الإسرائيلية منها الى نحو 54%، في حين تتولى وسائل إعلام عربية وأجنبية متنوعة يتابعها الفلسطينيون بث 18% من تلك الأخبار، بالإضافة لهذا يلعب ناشطون عرب على منصات التواصل الاجتماعي، دوراً كبيراً في بث شائعات وأخبار مغلوطة، بالإضافة لتورط مؤسسات إعلامية فلسطينية في بث أكاذيب وشائعات وأخبار زائفة للسبق الصحفي! لتلميع صورتها للحصول على تأييد في الرأي العام العالمي، و للتحريض على الفلسطينيين ولأغراض استخباراتية أخرى، كانت وزارة الخارجية الإسرائيلية قد شكلت دائرة للدبلوماسية العامة، وتتكون من 350 منصة رقمية واجتماعية، و20 موقعا إلكترونيا بـ7 لغات، ناهيك عن 80 موقعا إلكترونيا لسفاراتها في الخارج، ومن هذه المنصات والمواقع، ما هو ناطق باللغة العربية موجهة للشعوب العربية، واختراقها ولكَيِ وعيها، ومنها صفحة «إسرائيل تتكلم العربية» على الفيسبوك، بعدد متابعين يصل الى 1.4 مليون، وصفحة «المنسق» بـ 620 ألف متابع، وصفحة أفيخاي أدرعي بنحو 1.6 مليون متابع، وصفحة «أوفير جندلمان» بحوالي 156 ألفا. وشهدنا خلال الحرب الإسرائيلية على غزة أكاذيب كان مصدرها أعلى المستويات في إسرائيل، وأشهرها كذبة قطع رؤوس أطفال خلال هجوم 7 أكتوبر، وهو خبر كان مصدره تقريرا إخباريا إسرائيليا واحدا تبناه مكتب نتنياهو، لينتشر كالنار في الهشيم عبر منصات التواصل الاجتماعي. وفي الأسابيع الأولى من حربها على غزة، تمكنت إسرائيل من خلال تأثيرها على مراكز صنع القرار في إدارات عدد من منصات التواصل، ولاسيما فيسبوك من انتهاك الحريات الرقمية الفلسطينية، حيث سجل (مركز صدى سوشال) خلال شهر نوفمبر 2023 أكثر من ثلاثة آلاف انتهاك. ويأتي هذا بعد أن أظهر تحليل بياني لمحتوى منصة «تيك توك»، تسجيل 54 مشاهدة لصالح المحتوى الفلسطيني، مقابل مشاهدة واحدة لصالح المحتوى الإسرائيلي، ما دفع بمسؤولين إسرائيليين وأوروبيين وأمريكيين متخصصين بالفضاء الرقمي، لعقد اجتماع مع شو زي تشيو الرئيس التنفيذي لمنصة تيك توك، للبحث في سبل الحد من انتشار المحتوى الفلسطيني، وزيادة الإسرائيلي.

المخابرات في الفضاء الرقمي

حسب «بي بي سي»، فإن هناك حسابات عديدة على منصة «إكس»، تستخدم مقاطع فيديوهات قديمة من حروب حول العالم، تدعي أنها من الحرب على فلسطين حاليا. وتفيد دراسات بأن واحداً من كل خمسة حسابات تشارك في منشورات حول الحرب على غزة هي حسابات مزيفة، ربما تكون من إنتاج روبوتات مبرمجة للنشر تلقائيا، أو لأشخاص بهويات مزيفة. ومعظم الصفحات الإسرائيلية في فضاء وسائل التواصل الاجتماعي مصممة على هيئة مواقع إعلامية، بمحتوى إخباري، لتمرير الرسائل التي تتناسب مع الرواية الإسرائيلية، وخلق عالم «فيسبوكي» وهمي خالٍ من الإحلال، يعيش فيه الفلسطيني مع محتله الإسرائيلي بسلام. وينشط جهاز المخابرات الإسرائيلي (الشاباك) علنا على وسائل التواصل، من خلال صفحات له على الفيسبوك، مثل صفحة «بدنا نعيش»، بالإضافة إلى قنوات الدردشة لضباط من الجهاز، لأهداف استخباراتية، واختراق المجتمع الفلسطيني، يشرف عليها أخصائيون نفسيون، وخبراء تسويق، ومختصون في علم الاجتماع والدراسات الشرق أوسطية والإسلامية. ويتعرض متصفحو وسائل التواصل الاجتماعي في فلسطين، لسيل كبيرمن الأخبار والتقارير والمقاطع الفيلمية الإسرائيلية، يتضمن بعضها معلومات خاطئة أو مضللة، في صورة مواد حقيقية، بقصد التلاعب بالرأي العام، وعلى الرغم من أن مثل هذه الأخبار، قد يحتوي بعضها على نزر يسير من «الحقائق»، الا أنها غير دقيقة في مجملها، تؤدي لإلحاق الضرر بالجمهور، ولتحقيق مصالح إسرائيل الأمنية، وللتأثير على تماسك المجتمع الفلسطيني وخلق حالة من الإرباك فيه.
محو الأمية المعلوماتية
على الصعيد الفلسطيني الداخلي، فإن انتشار الأخبار الكاذبة والمعلومات المضللة حدث ولا حرج، إذ أن ما يساهم في انتشارها بشكل كبير الاعتماد صحافيا أحيانا على وسائل التواصل كمصدر للأخبار، بالإضافة لغياب المعايير والممارسات المهنية في هذه البيئة، ناهيك عن تحكم الأهواء الحزبية والسياسية، في تأكيد الخبر أو تكذيبه. ورغم اختلاف مصادر الأخبار المضللة وأهدافها، إلا أن القاسم المشترك بينها خلق حالة من البلبلة والتوتر، وتأجيج المناكفات الداخلية. الثورة التكنولوجية الرقمية، خلقت جيلا مدمنا على استخدام الهواتف الذكية، وما يترتب عن ذلك الاستخدام السلبي لها، من دون رقابة على المحتوى، ولاسيما ما ينشر منه عبر شبكات التواصل الاجتماعي، ما أدى إلى انتشارخطاب الكراهية، والأخبار المضللة، ناهيك عن التعقب الإلكتروني، من قبل الحكومات والشركات المزودة لخدمات الإنترنت، لتحقيق هدف ربحي أو لخدمة أجندات معينة. إن محو الأمية المعلوماتية بواسطة المناهج المدرسية والجامعية في فلسطين، قد تحد من التأثيرات السلبية لوباء المعلومات المنتشر في الفضاء الرقمي، الا أنها تواجه عدة معيقات، منها شح الموارد المالية لتحقيق ذلك، بالإضافة لعدم توفرالأجهزة والمعدات الإلكترونية الحديثة التي تساعد في تعميمها، بالإضافة لضعف مهارات أساتذة المدارس، في استخدام تكنولوجيا وسائل الإعلام الجديد، ناهيك عن ندرة الكفاءات المؤهلة في مجال التربية الإعلامية والمعلوماتية، في المؤسسات التعليمية ومنظمات المجتمع المدني، رغم ذلك، فإن تفعيل دور الجامعات الفلسطينية في تعزيز التربية الإعلامية، من خلال طرح مساقات كمتطلبات جامعية، يساعد على توعية الطلبة بالمسلكيات الأخلاقية والمسؤولية الاجتماعية، والتصدي للاستخدام السيئ لوسائل الإعلام، لاسيما مواقع التواصل الاجتماعي، التي تعد بيئة مناسبة لتفشي خطاب الكراهية، ونشر الأخبار الكاذبة والمعلومات المضللة.. وحسب وزارة التربية والتعليم، فإن الإدارة العامة للعلاقات العامة والمعهد الوطني للإدارة والتدريب فيها، نفذا دورات إعلامية لـ400 منسق إعلامي في المدارس الحكومية عام 2023، في إطار مشروع «المنسق الإعلامي المدرسي»، حول مفاهيم وأهمية التربية الإعلامية، وكيفية الاستفادة منها ولتطوير مهاراتهم، واستثمار أدوات ونوافذ الوسائل الإعلامية المختلفة.
إن اعتماد برامج ومنهج تعليمي لمحو الأمية الإعلامية في المدارس الفلسطينية الحكومية والخاصة، تمكن الطلبة من التفكير النقدي، و»النقر» بحكمة، كما أنها تعزز قدرات المعلمين والتربويين بشكل عام، على صياغة سياسات واستراتيجيات محو الأمية المعلوماتية، وتمكنهم من التعامل بشكل نقدي وفعال مع المعلومات، وأشكال المحتوى الرقمي الأخرى، باستخدام التقنيات الرقمية، لمواجهة المعلومات المضللة والأخبار الكاذبة. إن محو الأمية المعلوماتية في فلسطين، يتطلب خلق بيئة قانونية مناسبة ومشجعة للمعلوماتية بأشكالها كافة، وفي مقدمتها إقرار قانون الحق في الحصول على المعلومات، وإعادة النظر في القوانين الطاردة للمعلوماتية ولحرية الصحافة، كقانون المطبوعات والنشر لعام 1995 وقانون الجرائم الإلكترونية.

عن القدس العربي