• 23 آذار 2024
  • أقلام مقدسية

 

 

بقلم : نبهان خريشة 

 

في اجتماع قمة مجموعة العشرين في العاصمة الهندية نيودلهي في 10 أيلول/سبتمبر2023 ، أي قبل نحو شهر من هجوم حماس على مستوطنات غلاف غزة ، تم الإعلان عن ممر الهند - الشرق الأوسط، والذي سينشئ خط مواصلات من الهند إلى أوروبا، يبدأ من دبي مرورا بالسعودية والأردن وصولا إلى إسرائيل، وبالفعل فقد تم تدشين هذا الممرالبري بين الإمارات وإسرائيل بعد ان اغلق الحوثيون في اليمن مضيق باب المندب، وعطلوا حركة التجارة البحرية من وإلى إسرائيل..

ومع الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، وسياسة التهجيرالتي تتبعها إسرائيل ضد الفلسطينيين في القطاع، وإعلانها عن خطط لتهجيرهم، فإنه ليس مستبعدا أن تقدم إسرائيل على تنفيذ مشروع شق قناة بن غوريون بعد إخراجه من الأدراج ونفض الغبارعنه. هذا المشروع في حالة تنفيذه لن تكون إسرائيل بحاجة لدول عربية مطبعة معها قد تتأثرالعلاقات معها سلبا إحتجاجا على السياسات القمعية الإسرائيلية للفلسطينيين، أو قد تنصاع هذه الدول في المستقبل لشعوبها فتنأى بنفسها عن التطبيع. 

وقناة بن غوريون هي أصلا فكرة إسرائيلية - أمريكية تعود لسنة 1963، طرحت لتكون بديلا لقناة السويس بعد أن أغلقتها مصرفي عهد الرئيس عبد الناصربوجه الملاحة لإسرائيل، الا المشروع هذا لم ينفذه آنذاك، للصعوبات التي اعترضت مساره الجغرافي، في ظل بقاء قطاع غزة خارج السيطرة الإسرائيلية، لكن في حال إحتلال إسرائيل للقطاع سيتم إختصار 100 كيلومتر من الطول المخطط لهذه القناة، التي تربط إيلات على البحرالأحمرمع قطاع غزة على البحرالأبيض.  

وبحسب مخطط القناة، فإنها أعرض وأعمق من قناة السويس بطول يصل لنحو 260 كيلومترا وبعمق لنحو 50 مترا، وهي ذات مسارين منفصلين الا أنهما متوازيان، ما يجعلها مناسبة لعبورأضخم السفن والفنادق والمدن والموانئ العائمة، ونمو منتجعات سياحية وشركات عابرة للقارات ومناطق اقتصادية حرة، كما سيوفر هذا المشروع الاستعماري بدائل مريحة للمتهربين من الضرائب وللباحثين عن الثروات، وذلك على أنقاض أراضي الفلسطينيين وممتلكاتهم وأرواحهم.. 

ومن شأن قناة بن غوريون أن تمنح إسرائيل السيطرة على واحدة من أهم نقاط الشحن في العالم؛ فخلال سنة 2022 مثلا، عبرت قناة السويس حوالي 22 ألف سفينة، وهو ما يمثل 12 بالمائة من التجارة العالمية، وبعائد مالي على الخزينة المصرية يصل لنحو 10 مليارات دولار سنويا، كما أنها شريان حيوي لشحنات السلع المصنعة والحبوب والوقود الأحفوري، وتشير تقارير وكالة الطاقة الدولية إلى أن "حوالي 5 بالمائة من النفط الخام في العالم، و10 بالمائة من المنتجات النفطية، و8 بالمائة من تدفقات الغاز الطبيعي المسال المنقولة بحراً تمر عبر القناة".. 

وكانت حادثة جنوح سفينة الحاويات الضخمة "يفرجيفن" في قناة السويس عام 2021 وتوقف حركة المرور بسبب ذلك، قد أثارت مخاوف أوروبا والولايات المتحدة، من إحتمال أن يصبح هذا الشريان الحيوي للشحن العالمي نقطة اختناق، لأن القناة هي نقطة عبور حيوية لتجارتها ولمرور أساطيلها الحربية. يضاف إلى ذلك أن تقارب مصر مع روسيا والصين بعد إنضمامها لعضوية مجموعة (البريكس)، يوفرالدافع للولايات المتحدة الحليف الإستراتيجي لإسرائيل لدعم فكرة شق قناة بن غوريون بديلة عن قناة السويس.

إن كافة المشاريع الجديدة والمجددة في المنطقة مترابطة بطريقة أو بأخرى، وغالبا ما تشكل إسرائيل القاسم المشترك بينها، إذ أعلنت تل أبيب عن الإستعدادات للبدء بتنفيذ قناة بن غوريون، بعد توقيع مصرعلى اتفاقية نقل السيادة على جزيرتي تيران وصنافير للسعودية، التي تعمل على إنشاء مدينة نيــوم (المستقبل الجديد) الجاذبة لشهية الرأسمالية العالمية. وبحسب المواد الترويجية للمدينة فإنها تقع في نقطة لقاء القارات الثلاث (آسيا، أفريقيا وأوروبا) وتجمعها معا من خلال ربط البحرين العتيقين الأحمر بالأبيض عن طريق قناة بن غوريون. 

أما الإمارات العربية التي تعد النموذج النيوليبرالي "البراق"، كانت قد وقعت مع إسرائيل إتفاقية شراكة إستراتيجية برعاية أمريكية مستخدمة إسم النبي إبراهيم لما يسمى بـ "المشتركات" الإنسانية، التي ما هي في الواقع الا سلاسل توريد وتسويق رأسمالية من الهند، مرورا بموانئ في الخليج العربي وصولا لموانئ فلسطين المحتلة في شرق المتوسط، وبشق قناة بن غوريون بين البحر الأحمر والمتوسط عبر قطاع غزة وعلى سواحله، فإن حلم إسرائيل بإيجاد بديل لقناة السويس سيتحقق. 

وكان وزير الخارجية الإسرائيلي السابق إيلي كوهين قد أجرى محادثات في 20 ديسمبر2023 مع المسؤولين القبارصة في نيقوسيا، بشأن إقامة ممر بحري بين قبرص وغزة لنقل المساعدات الإغاثية، ما يثيرسؤالا إستنكاريا، وهو لماذا تعمل إسرائيل على إقامة الممرالبحري الإغاثي بين قطاع غزة وقبرص وهي في ذات الوقت تغلق المعابر البرية للقطاع، وتقنن وصول المساعدات الإغاثية لسكان القطاع المنكوبين في إطار سياستها لإستخدام الجوع سلاحا في حربها على القطاع ؟!!!  

لا شك بأن تل أبيب خلال العقود الماضية كانت تتحين الفرص لتنقيذ مشروع شق قناة بن غوريون منذ العام 1963، ليكون ميناء غزة هو وجهة الوصول والمغادرة بين البحرين الأبيض الأحمر، الا أن هذا لن يتحقق الا بتدميرقطاع غزة وتسويته بالأرض، وإحتلاله وضمه الى إسرائيل لتنفيذ المشروع، أو بكلمات (جاريد كوشنر) صهرالرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب في لقاء في جامعة (هارفارد) إذ قال بحسب صحيفة الغارديان "إن الواجهة البحرية لقطاع غزة يمكن أن تكون ذات قيمة كبيرة للغاية لإسرائيل، التي يتوجب عليها إزالة المدنيين الفلسطينيين منه ونقلهم لصحراء النقب"..