• 11 تموز 2025
  • أقلام مقدسية

بقلم : مازن سنقرط

 

منذ دخول الإسلام إلى فلسطين في القرن السابع الميلادي، وأمانة الحفاظ على الأماكن الدينية المسيحية في عهدة المسلمين ، فقد أعطي المسيحيون عهودا بالأمان كما جاء في العهدة العمرية إبتداءً، و مرورا بالعهود التالية، حيث عاش المسلمون والمسيحيون في العهد العثماني جنبا إلى جنب في إطار نظام كفل الحماية والكرامة للجميع، نظام نبع من رؤيا إستراتيجية أصيلة هي وحدة المصير والعيش المشترك .

 لقد شارك المسيحيون الفلسطينيون في مختلف جوانب الحياة الفلسطينية على مر العصور، وكان لهم دور بارز في النهضة الثقافية والتعليمية، كما شارك المكون المسيحي في فلسطين فعليا في النضال الوطني بأشكال نضالية مختلفة ضد الإحتلال البريطاني، ومن ثم ضد الاحتلال الإسرائيلي. رغم ما يشكله المكون المسيحي في فلسطين من نسبة صغيرة من الديموغرافيا الفلسطينية، ولقد غلب على الإنخراط المسيحي في النضال الوطني الشكل النخبوي، الفكري والإعلامي والسياسي، ويتمثل في معارضة كل محاولات استغلال الدين والديموغرافيا لبث الفرقة والخلاف، ووقف صداً منيعاً أمام محاولات (إسرائيل) عزل المسيحيين عن السياق الوطني الفلسطيني من خلال إغراءات لا حصر لها،  فالوجود المسيحي الفلسطيني كان وما زال يشكل جزءا أصيلا من الحركة الوطنية، وإن تنوعت أدواره وأشكال حضوره.

لقد عانت قضيتنا الفلسطينية من التجاهل والتشويه والتسييس ما لا تحتمله الجبال الراسيات، وغيبت ونسيت في ساحات الإعلام والسياسة الدولية أمدا طويلا، وكان على رأس المتجاهلين، الولايات المتحدة الأمريكية، والتي تكيل بمكيالين ،لكننا نؤمن أن العيش ضيق جدا لولا فسحة الأمل، وأن في كل مسار مغلق يوجد فتحة يمكن النفاذ منها إذا توفرت الإرادة والنية الصادقة.

ومن المُلاحظ أن الإدارات الأمريكية المتعاقبة قد أظهرت حساسية خاصة إتجاه القيم الدينية، وإرتباطا وجدانيا مع الرموز والمقدسات المسيحية، ولعل أبرز الإدارات الأمريكية التي بانت حساسيتها إتجاه القيم الدينية، الإدارة الحالية برئاسة "دونالد ترامب" وطاقمه الذين أبدوا بعض الممارسات والقرارات التي تؤكد أن للكنيسة شأن خاص عندهم، ومن هذا الباب نرى -في هذا الوقت بالذات- بريق فرصة حقيقية أمام مسيحيي فلسطين من البطاركة ورجال الدين والشخصيات العامة من القدس وبيت لحم والناصرة، لتحريك الضمير الأمريكي أولا والضمير المسيحي العالمي تاليا، من خلال خطوات دبلوماسية مدروسة، أهمها القيام بزيارة رسمية مدروسة إلى البيت الأبيض مرورا بالفاتيكان، تحمل صوتا فلسطينيا مسيحيا واضحا، زيارة لا تتحدث بلغة السياسة فقط، بل بلغة الروح ومنطق العدل وقيم المساواة، زيارة تذكر بأن المسيحيين يمنعون من أداء شعائرهم الدينية في كنيسة القيامة في عيد الفصح المجيد كما يمنع المسلمون من الصلاة في المسجد الأقصى المبارك في شهر رمضان.

وتذكر بأن كنيسة القيامة وكنيسة المهد قد طال جثومهما تحت الإحتلال، وأن أجراس القيامة والمهد لا تدق بحرية، وأنهما محاصرتين كما هو المسجد الأقصى المبارك محاصر، في وطن واحد، تحت واقع ظالم واحد، وإن إرتأيتم من جدوى لصدى أوسع فقد يكون وفدا مشتركا يضم بعض الشخصيات العامة من إخوانكم المسلمين. 

لذلك، فإن الصوت المسيحي الفلسطيني النابع من إدراكنا العميق بالدور المسيحي الأصيل في نسيج هذا الوطن، ومن قناعتنا بأن فلسطين كانت وستبقى أرضا مقدسة لكل أبنائها، مسلمين ومسيحيين على حد سواء، نؤمن بإن هذا الصوت، من خلال خطاب سياسي ديني وإنساني، إذا إرتفع من واشنطن ومن عواصم الغرب المسيحي، محمولا بوجع الأرض المقدسة، سيجد بلا ريب آذانا صاغية وقلوبا مفتوحة تستشعر قيمة الأرض المقدسة التي مشى عليها السيد المسيح.

إنني لا أطالبكم بالتضامن فقط، بل بالريادة في هذا المسار، فأنتم تحديدا "المسيحيون الفلسطينيون" الجسر الأقوى والأمتن بين الشرق والغرب، فلنوحد الصوت، ولنحمل معا راية الحق، مسلمين ومسيحيين، ولنجعل من كل منبر في هذا العالم وسيلة لقول كلمة واحدة .. "الحرية لفلسطين، لكل أبنائها".