- 21 تموز 2025
- أقلام مقدسية
بقلم : الباحث الشيخ مازن اهرام
عُذراً.. عذراً وألف عذر
ظهر شريط مسجل على وسائل التواصل الاجتماعي لخالد صلاح مواطن غزاوي يعلن فيه أنه على استعداد للتبرع بكليته لشخص مريض بحاجة لكلية ...... مقابل كيس طحين يسد به جوع أبنائه ويسد بعض رمقهم!!
ألهذا أيها العالم أيُّها العالمُ ما هذا السكوتُ أوَ ما يُؤذيك هذا الجبروتُ؟
كيس مخضب بالدماء".. قصة تُروى ولا ترْوي شهداءً قضوا من أجل حفنة طحين أصبح النزوح "قطعة من جهنم"، فكيف تكون الحال حين يُحاصر الإنسان بين شبح الموت اليومي بنيران الإبادة، والنزوح القسري، والتجويع الممنهج؟
فارين بهم من موت إلى موت “حياة" تحت خيام مهترئة مزقتها الغارات بلا رحمة.
اردت اليوم الكتابة عن تلك المأساة فلم يسعفني قلمي المثقل بالهموم وكأن الناس يعيشون في كوكب آخر وكأن الزمان غير ذاك الزمان بل قُل إن البشر ليسوا البشر...
فمن نحن أيها العابر سنواتٌ خدّاعاتٌ؛ يُصدَّقُ فيها الكاذِبُ، ويُكذَّبُ فيها الصادِقُ، ويُؤتَمَنُ فيها الخائِنُ، ويخَوَّنُ فيها الأمينُ، وينطِقُ فيها الرُّويْبِضَةُ سنواتُ مكرٍ وحيلةٍ، والحقيقة أنَّ هذه الصِّفات تُنسب إلى النَّاس الذين يعيشون في هذه السَّنوات، فليست السَّنوات خدَّاعات بذاتها وإنَّما النَّاس في تلك الفترة الزمنيَّة،
عذراً مرة ثانية وثالثة و....
كيف السبيل لتأمين رغيف خبز أو جرعة ماء لأطفال، وسط النزيف المستمر، عسى أن تلامس كلماتي شيئا من الحقيقة التي تعترينا هنا
رحلة إلى الجحيم البحث عن الماء والطعام، معركة أخرى أكثر قسوة صار التجويع يدفع البشر للسير طوعا نحو ساحات الموت، تمر في شوارع وأحياء سويت بالأرض.
حين تصبح المساعدات فخاً حُجِب الدقيق، خُزِّن عنوة، ثم أُفرج عنه ببطء، لا كإغاثة، بل كوسيلة إذلال، كانت العائلات تمشي أميالًا، تمرّ على الجثث، والحفر، وبقايا القذائف، نحو مواقع توزيع الغذاء، فقط لتجد نفسها أمام أقفاص وأسلاك شائكة وجنود مدججين وطائرات بدون طيار تراقب من السماء، وعندما يركض الجوعى نحو الطعام، تطلق عليهم النار وتسدل الستارة لبيان يُتلى على شاشات التلفاز ومراسلون تمزقت أمعائهم من الجوع
العالم لا يريد أن يتعلم دروس التاريخ وليعتبر
ليست هذه هي المرة الأولى التي يُستخدم فيها الجوع كأداة للإبادة، ففي أربعينيات القرن الماضي، وضعت ألمانيا النازية خطة تُعرف بخطة الجوع”، لتجويع المدنيين في الاتحاد السوفييتي وغيتوهات اليهود، مات الملايين، ليس بسبب الحرب، بل كجزء من سياسة إبادة معتمدة.
النازيون كانوا يصنّفون البشر وفق حصص الغذاء: 100٪ للألمان، 70٪ للبولنديين، 20٪ لليهود، المتاجر كانت فارغة ليس لأن الإمدادات شحيحة، بل لأن التجويع كان مقصودًا، حين قال هانز فرانك، حاكم بولندا النازي، بصراحة: “أن نحكم على 1.2 مليون يهودي بالموت جوعاً لا ينبغي أن يُذكر إلا بشكل هامشي.”
اليوم يتكرر المشهد بيد من؟
واليوم، في غزة، أكثر من مليوني إنسان – كل سكان القطاع بلا استثناء – يُدفعون إلى المجاعة، دون استثناءات، ولا حماية لصغار أو مسنين،
ليسوا جوعى فقط… بل مجردين من الكرامة الإنسانية
في الحروب هناك جوع، وهناك نزوح، وهناك خسائر، لكن لا يوجد مكان آخر على الأرض يُحاصر فيه شعب بأكمله، ويُقصف، ويُجوع ببطء، لا توجد ساحة معركة أخرى تشبه غزة، إنها ليست ساحة قتال، إنها سجن يشهد مجزرة بطيئة منذ سنوات خلت
لم يكن مشهد الطفل الصغير يلملم بعض ما تناثر على الأرض من طحين شمالي غزة ويضعه في جيبه مختلطا بما تيسّر من اوساخ وحصى وتراب، ينقلنا هذا التجويع الاجرامي المتكثف في حفنة الطحين، الى حفنة التراب، و"تدهور مكانة العالم من عُرب وعجم ومن يدعون الحضارة وحقوق الإنسان لماذا يصمت العالم أمام مشاهد موت الغزيين وهم يصارعون من أجل الحصول على حفنة من طحين ...!!!
القتل اليومي أصبح من أجل حفنة من الطحين لكنه يؤكد على حقيقة الخدعة او خدعة الحقيقة، حين تُصبح النجاة فخاً... غزة العالقة بين الطحين والرصاص بين اليوم التالي إن بقي بالعمر بقية ولسان الحال يقول
لا تَسقِني ماءَ الحَياةِ بِذِلَّةٍ بَل فَاِسقِني بِالعِزِّ كَأسَ الحَنظَل
ماءُ الحَياةِ بِذِلَّةٍ كَجَهَنَّم ٍوَجَهَنَّمٌ بِالعِزِّ أَطيَبُ مَنزِلِ
ضع روحك على يدك وامشِ.. نحو المجهول هل بقي من العمر بقية هل الراحة في الموت في رحلة العذاب عندما فقدت هند بنت السابعة سنوات تنشد الموت وتتمنى الجنة لأن طعامها أفضل من الطحين الملوث بالدماء وتُضيف قائلة "إذا متُّ، أريد موتاً صاخباً..
لا أريد أن أكون مجرد خبر عاجل، أو مجرد رقم في مجموعة، أريد موتاً يسمعه العالم، وأثراً يبقى عبر الزمن، وصورة خالدة لا يُمحى أثرها بمرور الزمان أو المكان"
ورأيت رجالاً يأكلهم كيس طحين.. قبل أن يتذوّقوا طعم الطحين...!!
هل رأيتم يوماً الطحين يأكل الناس.. هذا ما يحدث تحت سماء غزّة المظلومة.. فالسلام على غزة هاشم بن عبد مناف وعلى أهلها الذين يصطادهم الصهاينة...!! والفخ كيس طحين..
تنتظر المساعدات المسمومة.. ولا فرق بين صباحٍ وآخر.. كلها سواء
سقط ورقة التوت في سياقها التاريخي رمزًا للعفة بحسب ما ورد في الأثر، من ستر العورة في قصة الخلق عندما عرّته الخطيئة إلى ندامة الفعل وغرور الخلود، فإنها في سياقها السياسي ما هي إلا خديعة كبرى تبعثر واقعنا المثقل بأزمات البحث عن حلم الانتصار، وتجعلنا نتساقط فوضى دونما قرار تتوارى ورقة التوت من التستر إلى التعرية، حتى مع محاولات التلوين التي لم تتقنها الأنظمة "المتوارثة" عندما رسموا الاتفاق خيال ظل وظنوا بأنه غصن زيتون، وطوق نجاة لصرخة شعب ليس بينه وبين الشهادة إلا الموت. لو كان حديثًا مرسلًا يُنثر في فضاءات الزيف، لربما قلنا تلك أسطورة أو حديث "خُرافة"،
لكن عندما يكون نبأً يقينًا رأيناه قبل أن يرتد إلينا طرفنا، فذلك هو الواقع الذي يسجل تاريخ سقوط الورقة، عبر تواطؤ مقنّع وتبرير ممنهج ووساطة زائفة، بخطابات معلبة مستهلكة ورخيصة، تسقط أقنعة الحياد الكاذبة.
إلى متى سيظل الوحش والتوحش يفرض على العالم قِيَمِهِ المادية المفترسة، لا مكان للسماء في عقيدته ولا إعتراف بالضمير.. إلى متى سيبقى هذا العالم بلا قلب.. إلى متى سيبقى العرب نيام.. آلاف الشهداء.. والعرب في غيبوبة.. والهيئات الدولية متآمرة.. فأين منظمات حقوق الإنسان.. وأين الضمير العالمي وأين أنتم يا عربان الذل.. أين النخوة وأين صلة الرحم وأين الشهامة العربية وما أوصاكم به الله ورسوله.. غزة تحتضر أمام أعينكم وأرضها لم تعد تتسع لدفن موتاها. لن يغفر الله لكم.. غزة الحزينة تحتضر أمام أعينكم وأهلها يموتون مع كل صباح ومساء.. بل ماتوا.. لا.. لن أقول ماتوا.. ولن أقول استشهدوا بل تعافوا من خذلانكم وخذلان الدنيا كلها لهم..
عذراُ للمرة المليون بل عذراً لملونين أهل غزة العزة