- 28 تموز 2025
- أقلام مقدسية
بقلم : نافذ عسيلة
في ظل الحصار المشدد والوضع الإنساني المتفاقم في قطاع غزة، أصبحت الإغاثة الجوية بمثابة شريان حياة لآلاف السكان الذين يواجهون نقصاً حاداً في الغذاء والدواء والاحتياجات الأساسية. إلا أن المشهد لا يقتصر على صور الطائرات التي تحمل المساعدات، بل يكشف عن واقع أكثر تعقيداً يعيشه سكان غزة، حيث تختلط مشاعر الامتنان تجاه الأمل الذي تمثله هذه المساعدات مع الشعور بالمهانة نتيجة العجز عن تحقيق الاكتفاء الذاتي.
يبرز تأثير الإغاثة الجوية من خلال ما يرويه السكان عن تجاربهم اليومية وما تتركه هذه المساعدات من آثار نفسية واجتماعية. فبينما يرى البعض في الطائرات رمزاً للتضامن والدعم الدولي، يعتبرها آخرون تذكيراً مستمراً بالتبعية والحرمان، مما ينعكس سلباً على التماسك المجتمعي وسط أزمة ممتدة ومعقدة.
هذا الواقع يتيح فهماً أعمق لكيفية تأثير الإغاثة الجوية على وعي الأفراد وحياتهم اليومية في واحدة من أكثر المناطق معاناة في العالم. في الوقت الذي تعزز فيه هذه المساعدات شعوراً بالتكافل والمساندة.
ورغم مساهمة الإغاثة في التخفيف من آثار التجويع، فإنها لا تعالج الأسباب الجذرية للأزمة مثل انهيار القطاعات الإنتاجية. بل إن الاعتماد المستمر على المساعدات يعمق حالة التبعية.
رؤية الطائرات في السماء تمنح بعض الأمل، لكنها تذكر أيضاً بواقع هش ومؤلم، حيث أصبحت المساعدات بديلاً مؤقتاً للحلول السياسية والاقتصادية المطلوبة. مشاهد إنزال الطرود من الجو تترك أثراً رمزياً ونفسياً عميقاً؛ لحظة تختلط فيها مشاعر الترقب بالألم، وكرامة الإنسان بحاجة لا ترتبط بحقوقه بل بمدى ما يصله من معونات.
وغالباً ما تخلق هذه المشاهد شعوراً بالإذلال أو بفقدان السيطرة على المصير، وفي بعض الحالات، تؤدي إلى نزاعات داخل المجتمع المحلي بسبب التنافس على الموارد المحدودة. كما تواجه عمليات الإغاثة تحديات جسيمة، خصوصاً في إيصال المساعدات إلى المناطق المدمرة والمحاصرة أو الواقعة تحت مراقبة مشددة. في كثير من الأحيان تكون الطرق غير صالحة أو مغلقة، مما يعرقل التوزيع ويترك بعض الأسر خارج دائرة المساعدة، ما يولد شعوراً بالتهميش ويزيد من الاحتكاكات والتوترات بين المجتمعات المحلية.
من جهة أخرى، تفهم الإغاثة الجوية من زوايا مختلفة، فبينما يعتبرها البعض ضرورة إنسانية عاجلة، يراها آخرون أداة سياسية تستخدم في إطار موازين القوى الإقليمية والدولية. إذ تستغل بعض الدول عمليات الإغاثة لتقديم نفسها كداعم إنساني أو لتوجيه رسائل سياسية تحت غطاء العمل الإنساني.
ورغم أن هذه المساعدات تنقذ الأرواح وتوفر الحد الأدنى من البقاء، فإنها لا تقدم حلولاً جذرية ولا تعالج أسباب الحصار والصراع. بل تبقي الوضع في حالة طوارئ مستمرة، وتؤجل الحاجة إلى معالجة القضايا الأساسية مثل إنهاء الاحتلال، وفتح المعابر، وتمكين السكان من بناء اقتصاد مستدام.
ويشير استمرار الاعتماد على الإغاثة إلى إخفاق واضح في إرادة المجتمع الدولي لإنهاء معاناة سكان القطاع. فالمساعدات، مهما بلغت كمياتها، لا يمكن أن تكون بديلاً عن العدالة، ولا تغني عن حقوق الإنسان الأساسية في الأمن والحرية والكرامة.
وفي النهاية، تبقى الإغاثة الجوية ضرورة إنسانية في ظل الواقع القائم، لكنها في الوقت نفسه تطرح تساؤلات حقيقية حول استمراريتها وجدواها، ومدى قدرتها على أن تكون جزءاً من حل شامل لا مجرد استجابة مؤقتة لأزمة مستمرة.