• 2 آب 2025
  • أقلام مقدسية

 

بقلم : تحسين يقين

 

- ......؟

ليس صحيحا، لا عمليا ولا واقعيا ولا استراتيجيا، وقبل كل شيء ليس أخلاقيا، وبالطبع ليس إنسانيا ولا سياسيا!

قد قيل لهم، إذا لم تنفع معهم القوة، فلا بد من المزيد منها، باتجاه الهدف الاستراتيجي طبعا: نفي شعبنا.

بعد كل جهود الاحتلال لتهجير شعبنا من قطاع غزة، فإن كل طموح رئيس وزراء الاحتلال هو النجاح في تهجير آلاف الغزيين، إرضاء لليمين المتطرف.

في كل يوم يزداد الاعتراف بالشعب الفلسطيني، وحقه بإقامة دولته، وليس في هذا أي غرابة، فكل شعب على أرضه يعني دولة، ولسنا استثناء، لذلك فمنذ عقود يتسارع الاعتراف العالمي بنا كشعب له حق تقرير مصيره، وقد زادت وتيرة ذلك، بعد حرب الإبادة على غزة، فمن سيبقى خارج الاعتراف سيكون معزولا عن العالم؛ ففي ظل اعتراف أوروبا الغربية وكندا، من سيبقى غير الولايات المتحدة؟ ربما تتأخر ألمانيا، لكن تأخرها لن يعيدنا الى الوراء.

إذن، فإن مساعى نفي فلسطين لم تنجح، بل زادت فلسطين حضورا، ومع زيادة الحضور الفلسطيني، فإن حضور دولة الاحتلال يتراجع، حتى وإن استخدمت وسائل القوة التدميرية كلها.

غريبة هذا الصراع، تدمّر دولة الاحتلال نفسها!

أية أسطورة، وأية أساطير تلك التي تحرّك في اللاوعي قناعات زائفة، تتخذ من الإبادة طريقا للبقاء، في ظل ممكنات العيش المشترك للبشر هنا على هذه الأرض التي لن تقبل بمن يفصل الإنسان عن إنسانيته.

في ظل هذا الاعتراف العالمي غير المسبوق بشعب فلسطين الحيّ، تفرض الولايات المتحدة عقوبات على منظمة التحرير الفلسطينية، بادعاء أن "هذه الجماعات تقوض جهود السلام". وعليه فإنها ستمنع عن أفرادها تأشيرات السفر. والغريب أن وزارة الخارجية الأمريكية ترى من خلال بيانها أن "من مصلحتنا الأمنية الوطنية فرض عقوبات ومحاسبة منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الفلسطينية على عدم الوفاء بالتزاماتهما وتقويض آفاق السلام متهمتهما باتخاذ خطوات لتدويل نزاعهما مع إسرائيل، ومواصلة دعم الإرهاب، بما في ذلك من خلال التحريض على العنف وتمجيده".

كيف نقرأ فعل دولة الاحتلال وحليفتها؟

في هذه الحرب، عمقت الولايات المتحدة ليس من تحالفها مع دولة الاحتلال، بل من الشراكة في الإبادة، بما يجعل الفعل الأمريكي مستنكرا داخل الولايات المتحدة وخارجا. وعليه، فقد احتكمت دول أوروبا وكندا الى الحكمة؛ ذلك أن ما يجري في فلسطين أمر لا يقبله لا عقل ولا قلب؛ فلم يعد وجود دولة الاحتلال ضمانة حقيقية للحفاظ على مصالح الغرب، بل إن العكس هو من يحدث وسيستمر حدوثه، لذلك فقد أرادت دول الغرب المؤثرة الخلاص من هذا الداء، وإعلان البراءة من هذه الحرب التي تجري على البشر والحجر والشجر.

وليس هذا فقط، بل دولة كفرنسا تشارك المملكة العربية السعودية، بلد منشأ المبادرة العربية للسلام، في قيادة العالم نحو الانتصار للحق الفلسطيني، وبذلك كان من بين نتائج هذا المؤتمر الذي عقد في المؤسسة الأممية هو حضور فلسطين، واستحالا تجاوزها؛ فلا حل إلا الحل السياسي الذي طرفه الأساسي الشعب الفلسطيني.

فليس من المفاجأة أن تفشل دولة الاحتلال في شطب الشعب الفلسطيني، والسبب واضح لا يحتاج الى بحث ودراسة، وهو أن هذا الشعب متمسك بروحه، وبأرضه، وبأنه غير قابل للتجزئة، ولا للتحول الى تجمعات سكانية يتم البحث لها عن حلول لحياتها اليومية عبر تشغيل أبنائها كعبيد في المزارع والمصانع الاستيطانية.

إنقاص الشعب الفلسطيني لن يحلّ عقدة الاحتلال، كما ان هدم البيوت وتخريب الأرض الزراعية لن يمنح دولة الاحتلال أريحية البقاء وضمان الوجود، بل العكس هو الصحيح، فلسنا وحدنا من يرفض فعل الإبادة والاحتلال، بل كل إنسان فيه قطرة دم إنسانية يرفض معنا، وسيكون تواصل العالم مع دولة الاحتلال تواصلا حذرا، فسيصعب الثقة بدولة الاحتلال، بل لن تكون لا شعوب العالم ولا حكوماته متشجعة لإقامة علاقات معها، ولا يمكن أن يجري أي نوع من التطبيع معها بدافع الخوف، فتعرض الدول وحكوماتها لخطر الاحتلال أفضل من زوالها. وأي سلام هذا الذي يتم فرضه على شعوبنا العربية بقوة السلاح، والذي تنوي إسرائيل خلاله تمرير شرعنة الإبادة التي قامت وما زالت تقوم بها؟

واهمة دولة الاحتلال التي يسطو جنودها ورجال (أمنها) على أمان الشعب الفلسطيني، من غزة الى شمال الضفة الغربية ووسطها وجنوبها. واهمة دولة الاحتلال وشريكتها في الإبادة، تلك الدولة الكبرى التي صغرّت نفسها أمام شعوب العالم، والتي بجريمة شراكتها، لن تستمر في قيادة العالم.

ماذا يفعل الشعب الفلسطيني إذن؟ سيفعل شعبنا ما فعله من آلاف السنين، ألا وهو البقاء، فبقاء الشعب هو منتهى النضال الوطني، وليس لنا إلا أن نواصل إبداع هذا البقاء، في جوانب الحياة، وتوثيقها والتغني بها ومنح العالم (والتاريخ) عبرة وأملا بأن الشعب هو ضمانة نفسه.

كلام سيزيد عن الضرورة، في ظل عظمة شعبنا الفلسطيني في كل مكان، فإذا استطاع اللاجئون يوما فعل معجزة الثورة، فإن الشعب على أرضه سيكون أكبر المعجزات. الشعب هو أصل القوانين الدولية، وتعريف الدولة سياسيا ودبلوماسيا ينطبق علينا، فأين المفرّ؟

لا تريد دولة الاحتلال وشريكتها "ان تيجيها وجي"، فلم تفكر يوما بوجود هذا الشعب العريق، وارتهنت لعقيدة عنصرية لا يمكن الاستمرار باعتناقها وتقديسها؛ فكل البشر هم بشر، لذلك فإن النتيجة هي وجود دولة الاحتلال خارج الأسرة الدولية، التي ستجد نفسها، مهما أوتيت من دبلوماسية، ومن ضغط الولايات المتحدة الدولة المضيفة.