• 15 آب 2025
  • أقلام مقدسية

بقلم : كمال ابو حلاوة.

بعد أنْ تابعنا ما يتردّدُ عن رؤىً وأحلامٍ مريضةٍ لا تمتُّ إلى الواقعِ بصلةٍ، والتي تحاولُ أنْ تُخيّلَ للعالمِ أنَّ مشروعك الواهمَ في الأردنِ قد يكونُ له مكانٌ تحت الشمسِ، فإنَّنا نُذكِّرُك – وبكل وضوحٍ – بأنَّ الأردنَ وشعبَه ليسا ضيعةً تُورَّثُ، ولا أرضًا تُساومُ عليها، بل هي وطنٌ تُذادُ عن حياضِه بالدماءِ، وتُحمَى سيادتُه بالإرادةِ التي لا تلينُ. لتعلمْ أيها النتن أنَّ الأردنَ ليس مجرّدَ حدودٍ ترسمُها اتفاقياتٌ، بل هو إرثٌ حضاريٌّ وتاريخيٌّ، تقفُ خلفَه إرادةُ شعبٍ عربيٍّ عريقٍ، توحّدتْ فيه الدماءُ الفلسطينيةُ والأردنيةُ في بوتقةٍ واحدةٍ، فكانتْ وحدةً لا تُفرَّقُها الأهواءُ، ولا تُضعفُها المؤامراتُ. إنَّ حديثك عن "مشروعٍ صهيونيٍّ" في الأردنِ هو ضربٌ من الخيالِ السياسيِّ الفارغِ، الذي لا يُجيبُ عليه إلا صمودُ شعبٍ يعرفُ معنى الوطنِ، ويدركُ ثمنَ الحريةِ.

إنَّ الوحدةَ الأردنيةَ ليستْ شعارًا يُرفعُ في المناسباتِ، بل هي حقيقةٌ راسخةٌ في ضميرِ كلِّ مواطنٍ يؤمنُ بأنَّ الأردنَ باقٍ بقاءَ الجبالِ. نحنُ شعبٌ عرفناهُ صامدًا في أحلكِ الظروفِ، ولن نقبلَ – اليومَ أو غدًا – أنْ يكونَ وطنُنا حلبةً لأوهامِ من يبحثونَ عن تعويضٍ عن فشلِ مشاريعهم في أرضِ فلسطينَ. فلتُدرك أنَّ كلَّ محاولةٍ للنيلِ من وحدتِنا الوطنيةِ ستُواجهُ بإجماعٍ شعبيٍّ لا يُراجعُ فيه أحدٌ، ولا يُتنازلُ عنه قيدَ أنملةٍ. والأردنُ – أيها النتن – ليسَ أرضًا بلا راعٍ، بل هو دولةٌ مؤسساتٍ، تقودُها شرعيةٌ هاشميةٌ عريقةٌ، جذورُها ضاربةٌ في التاريخِ، ومسيرتُها نابعةٌ من إرثٍ عربيٍّ أصيلٍ. لقدْ كانتِ القيادةُ الهاشميةُ – وما زالتْ – حصنَ الأردنِ، وعمادَ استقرارِه، وراعيَ وحدةِ أبنائِه. فمَنْ يظنُّ أنَّ بإمكانِه زعزعةَ هذا البنيانِ المتينِ، فإنما يُخاطبُ سرابًا.

ولن نسمحَ – أبدًا – بأنْ يُختزلَ الصراعُ الفلسطينيُّ الإسرائيليُّ إلى لعبةِ إملاءاتٍ جغرافيةٍ. فلسطينُ ليستْ بديلًا عن الأردنِ، والأردنُ ليسَ بديلًا عن فلسطينَ. إنَّ حقوقَ الشعبِ الفلسطينيِّ ثابتةٌ، ولنْ يتخلّى عنها شعبٌ يؤمنُ بعدالةِ قضيتِه. فبدلَ أنْ تُضيعَ وقتَك في أحلامِ التوسعِ الوهميةِ، عليك أنْ تعيدَ النظرَ في سياساتِك، وتُعيدَ الحقوقَ إلى أصحابِها. فليكنْ ردُّنا هذا واضحًا: الأردنُ شعبٌ واحدٌ، أرضٌ واحدةٌ، تاريخٌ واحدٌ.. ولنْ يكونَ – أبدًا – ساحةً لمشاريعَ خارجيةٍ. فدعْ أوهامَك جانبًا، وتذكّرْ دائمًا أنَّ الأممَ التي تُبنى على الظلمِ والاحتلالِ لا تدومُ، وأنَّ الشعوبَ الحرةَ لا تقبلُ إلّا العيشَ بكرامةٍ. واللهُ من وراءِ القصدِ.