- 19 آب 2025
- أقلام مقدسية
بقلم : الشيخ مازن اهرام
قصة قابيل وهابيل، هي قصة إبليس وآدم، هي قصة إبراهيم والنمرود، هي قصة موسى وفرعون، هي قصة محمد صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم وكفار قريش، هي قصة الخير والشر إلى قيام الساعة قصة الغرب والشرق بل قصة العرب والعرب....
قصة الضحية والجلاد قصة الشيئ ونقيضه قصة الحقيقة والخرافة قصة القاتل يتمطى ويلتحف ثوب الضحية
تحولت قصة قابيل وهابيل أبني آدم عليه السلام إلى "أيقونة" تراثية" بل “سيمفونية" عَزفَ على أوتارها خفافيش الظلام بالآت الخيانة والغدر بالأخ
كلنا معرضون للخطأ والمعصية وارتكاب الذنوب، وهذا من طبيعة البشر ولكن ماذا بعد المعصية؟
تعدّ قصّة قابيل وهابيل أوّل قصّة قتلٍ حدثت في تاريخ البشريّة، وتحدّث القرآن الكريم عن هذه القصّة وذكر أدقّ تفاصيلها فما في طبيعة القصّة والحكمة منها كما وردت في القرآن الكريم.
قال تعالى:﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ ٢٧ لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ ٢٨ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ ٢٩ فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ ٣٠ فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْأَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ ٣١﴾.
إن هذا التلخيص لإقصوصة إبني آدم عليه السلام، يدلنا على انّ هذه الحكاية ينتظمها بطلان هما: قابيل وهابيل:
كما انّ هناك بطلين ثانويين هما: الغرابان اللذان اقتتلا فيما بينهما، ووارى أحدُهما صاحبه بعد القتل.
على مسرح الحياة تتلاحق فصول تلك المسرحية وتتكرر عبر الزمان والمكان وتختلف الوجوه على كوكبنا فما تنطفئ في جهة إلا اشتعل لهيبها في جهة أخرى وإلى متى أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم!!!
وهذا يعني، ان (الحادثة) التي تنتظم الأقصوصة هي: حادثة (قتل)،
تسبقها حادثة تقديم القربان، وتلحقها حادثة الدفن أما الأفكار التي تنطوي الأقصوصة عليها، فتتمثل في جملة من الظواهر، أبرزها:
ظاهرة (الطمع (الحسد) ظاهرة (الحرص) أو (البخل)، متمثلةً في تقديم الرديء من الزرع في عملية (القربان) كل زمان فيه فرعون، وفيه قارون، وفيه نمرود، وفيه أبو جهل، وإن تسمّوا بأسماء مختلفة! إننا نرتكب جريمة مركبة في حق الأجيال حين نملأ الفراغ بدراسة الطائفية والعنصرية «دَعُوهَا فَإِنَّهَا مُنْتِنَةٌ»
ويهمنا الآن أن نتحدث عن البناء الفني لهذه الأقصوصة؛ بناءُ الحدث في هذه الحكاية أو الأقصوصة، يأخذ تسلسله الزمني: إذ يبدأ بواقعة تقديم القربان، مروراً بواقعة القتل، وانتهاءً بواقعة الدفن.
ويلاحظ أن النص قد اختزل بعض تفصيلات الحدث، وأبرز البعض الآخر منها فهو يتحدث عن واقعة تقديم القربان، إلاّ انه لم يحدثنا عن أسباب ذلك، بل يتجه مباشرة إلى إبراز قضية القربان كما انه تحدث عن (القتل)، ولكنه لم يحدثنا عن تفصيلاته التي ذكرها المفسرون: وعلى العكس من ذلك، نجد النص قد أبرز عملية المواراة أو الدفن فيما يتصل بالغراب الذي بحث في الأرض، في حين قد اختزل واقعة الاقتتال الذي جرى بين الغرابين. ومن ثم فانه قد اختزل أيضاً واقعة المواراة لجثة هابيل.
إن كلاً من الاختزال أو الرسم لتفصيلات الحدث ينطوي على أسرار فنية ونفسيه تظل على صلة بطبيعة (الأفكار) التي يستهدف النص طرحها أما المتلقي كما تظل على صلة بطبيعة التلقي: من حيث ان الاختزال لبعض التفصيلات، يدع المتلقي أمام إمكانات متعددة، ليكشف بنفسه ما وراء الأحداث من دلالة ومعنى.
النص القرآني أبرز لنا من الأحداث ما هو خطير، وما ينبغي أن نستخلص العظة منه، في تعديل سلوكنا. أبرز لنا عملية (التقوى)، وأبرز لنا عملية (القتل)، تاركاً إيّانا مفيدين منهما ضرورة أن تتقي الشخصية وتنقي أعماقها من أية شائبة، وأن تُدرك بان (الحسد) يستجر الفرد حيناً إلى الاقدام على أبشع السلوك وهو القتل إن (الحسد) ـ والمَرَض تدرك مناشئه وأعراضه بوضوح ـ ينجم من بناء نفسي معقّد تختلط فيه الأنانية بالحرص، وتقتاد ـ من ثمّ ـ إلى كراهية الآخرين
ثم تتضخم هذه الكراهية حتى تستجر إلى أعمال عدوانية خطيرة تصل إلى حد قتل النفس الإنسانية ويعنينا الآن فقط، أن نذكر المتلقي، بان النص القرآني في سرده لحكاية قابيل وهابيل انما أبرز ظاهرة (القتل) بصفتها واحدة من نتائج الحسد، حيث اتجه النص القرآني بعد هذه القصة إلى الحديث عن الإسرائيليين: (من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل انه من قتل نفساً بغير نفسٍ أو فساد في الأرض، فكأنما قتل الناس جميعاً...) الخ.
وراء عملية الاختزال للتفصيلات أو عدمه، ومنها: حادثة الدفن أو مواراة الجثة.
(فبعث الله غراباً يبحث في الأرض ليريه كيف يواري سوءة أخيه. قال يا ويلتا أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب...) مقطع يحكى أن هناك غرابا يطلق عليه (غراب ابني آدم) وهما قابيل وهابيل، الذين قتل أحدهما أخاه الآخر حسدا؛ وهذا الغراب قد علّم ابن آدم (القاتل) كيف يدفن القتيل! ثم أصبحت سنّة الدفن والأخفى والأعظم دفن الحقيقة الإنسانية وانتفاء الآخر الصراع يستمر حتى يومنا هذا، ويمكن رؤية آثاره في العديد من الصراعات والحروب التي شهدتها البشرية عبر التاريخ.
تغيرت البلاد ومن عليها فوجه الأرض مغبر قبيح تغير كل ذي طعم ولون وقل بشاشة الوجه الصبيح قتل قابيل هابيلا أخاه فوا حزنا مضى الوجه المليح