• 28 آب 2025
  • أقلام مقدسية

 

بقلم : كريستين حنا نصر

 

          منذ الحروب التي عصفت ببلاد المشرق العربي من حرب لبنان  مروراً بسقوط  نظام صدام حسين وبعدها الربيع العربي، الذي لم يجلب أي ورود ربيعية بل على العكس من ذلك أدى الى حالة الفوضى ونشوب الحروب الدامية التي عصفت ببلادنا ، خاصة في منطقة الشرق العربي مثل دول لبنان وسوريا والعراق إضافة للحرب في غزة أيضاً، هذه الدول التي نجت من عواصف الربيع العربي ،  للأسف، منها لبنان والتي عانت الاسوأ من الحروب وما خلفته من بصمة طائفية ، هذه الحروب التي فككت المجتمع وتركت أثراً طائفياً وعرقياً في منطقتنا ، كما اسفرت عن تدمير العوائل خاصة فئة الشباب منها ، والذين وللأسف انخرطوا وشاركوا في هذه الحروب ، بل أن البعض منهم حارب لأجل مصالح واهداف الأحزاب المسلحة، فالشباب فقدوا أرواحهم إلى جانب تعليمهم ومستقبل تقدمهم إجتماعيا واقتصاديا وفكريا .

     وقد نتج بسبب هذه الأحداث المتلاحقة شرخ في المجتمع اللبناني خاصة بين المكون  الفلسطيني واللبناني ، حيث برز عن الصراع حالة تعمقت معها حدة الصراعات ، وبعض الشباب فقدوا أولياء أمورهم ومعلميهم بالمادة وكل ما يلزمهم والكثير منهم تيتموا، كما أنهم فقدوا التعليم ودمرت مؤسساته، علماً بأن قطاع التعليم هو الذي يؤسس لشباب ويؤهلهم للحصول على فرص العمل ، وفي وقت أصبحت فيه العوائل داخل لبنان تعتمد مادياً في معيشتها على ما تحصل عليه من تحويلات تأتي من خارج لبنان ، وبعد نكبة الحرب الاهلية في لبنان ، فإن بعض الأحزاب قد هُزمت مقابل ظهور أحزاب أقوى ، و منها مثلاً حزب الله ، الذي توج بلقب زعيم الممانعة والمقاومة  ضد اسرائيل ، حيث شهدت المرحلة قيام الحروب بينهم خاصة ما عرف بإجتياح عام 2006م  والتي دمرت جزءاً كبيراً من البنية التحتية في لبنان وتاليها كارثة تفجير المرفأ في بيروت ، ومؤخراً مساندة  حزب الله لغزة في الحرب وضمن ما يسمى وحدة الساحات ، وهذه المواجهات الأخيرة دمرت لبنان .

   هذه الفئة التي أصبح عنوانها الأسمى " شباب دون تعليم جامعي أو عمل " ، وعلى إثر ذلك تزايدت نسبة البطالة خاصة بين فئات الشباب ، وهذه الظاهرة تتزايد حتى الآن في ظل وجود مظاهر غلاء المعيشة المتزايد أيضاً في دول المشرق العربي ، وفي العراق وبصورة خاصة بعد سقوط صدام حسين واختفاء الجيش العراقي ، ظهر في العراق تنظيم داعش وعمد الكثير من الشباب العاطلين عن العمل بالإنضمام لصفوف داعش ، ازدادت الصراعات العرقية وتحديداً بين الأقليات ، فعلى سبيل المثال ما جرى في مدينة الموصل شمالي العراق وما شهدته من انتهاكات وتهجير قسري للمكون المسيحي ودُمرت بُنية الكنائس ، كذلك تعمق الصراع السني الشيعي في العراق ، وهيمنة إيران على الموارد النفطية للدولة ، الى جانب سيطرتها على الموارد والمداخيل الاقتصادية الأخرى بما فيها البنوك والمصارف ، مستغلة وجود ظاهرة الفساد والفاسدين بكثرة ، واستغلالها لصالحها ، وبالمحصلة فإن الشباب تأثر بشكل واضح خاصة بين العوائل التي لم تعد تتمكن من القدرة على تعليم الأبناء ، وهي التي كانت في وقت سابق خلال عهد نظام صدام حسين تعيش أوضاع تعليمية واقتصادية أفضل من الوقت الحاضر .

  ان الوضع في الشرق العربي وبكل أسف ومنذ مدة طويلة خاصة الوضع الاقتصادي الذي لم يشهد عملياً تحسناً ملحوظاً ، وتحديداً بعد الحروب والصراعات المتتالية ، بما في ذلك الحرب في سوريا والتي دامت لأكثر من 14 عاماً وما تزال مستمرة ، والأمور  الآن  في سوريا معقدة  والمشهد يغلب عليه التدهور  الأمني منذ سقوط نظام بشار الأسد البائد ، وقد دخلت سوريا أيضاً  مؤخراً حروب وصراعات طائفية وعرقية ، على سبيل المثال الساحل السوري ومدينة السويداء وغيرها من مناطق شهدت انتهاكات بحق الاقليات ، الى جانب ملامح ظاهرة أخذ بعض المسلحين لبيوت المواطنين السوريين وطردهم منها والاستيلاء عليها بالقوة . ويلاحظ واقع الصراع السني الشيعي الذي يتفاقم يوما بعد يوم ، وهو ما ينذر هذه الفترة باحتمالية نشوب صراع مسلح بين الجيش السوري وحزب الله في المنطقة الحدودية بينهما . وهناك أمر بالغ الاهمية وهو تزايد صناعة المخدرات التي أمتهنها النظام السوري البائد مع حزب الله ، وهي ظاهرة خطيرة أنهكت الشباب السوري وألقت بضررها على الدول المجاورة ، مثل الأردن ولبنان والسعودية التي كانت تعاني من دخول الكثير من الشحنات المهربة وبكامل أصناف وأشكال المخدرات .

كل ما يتعلق بآفة المخدرات أثر بشكل بالغ على الشباب العربي خاصة الضحايا الذين تأثروا من التعاطي والادمان ، وهذا الخطر سيشكل مستقبلاً عاملاً اساسياً في انخفاض إنتاجية الشباب الذين سوف يكونوا منتجين من الذكور والإناث ، والذين سيكونون مسؤولين عن بناء وتنمية بلدانهم في المستقبل . إن هذه الحروب والمخاطر في الشرق العربي كانت تداعياتها كارثية على فئة الشباب ولا تزال حتى اللحظة تنعكس سلباً عليهم ، وستبقى سلبياتها ما لم يتم حلها جذرياً ، بما في ذلك تحديداً تأثيرها على تعليم الشباب في العالم العربي، هؤلاء الشباب الذين لا يمتلكون وأسرهم المال اللازم لأجل التعليم ولا يتقن الأغلب منهم اي حرفة أو مهارة تساعدهم في الدخول إلى سوق العمل ، والبعض من فئة الشباب أصبح بحق ضائعاً وسط هذه النكبات التي اشتعلت وأثرت في المنطقة .

وبالطبع فان الصراع بين حركة حماس واسرائيل في غزة أثر الى درجة كبيرة على الشباب الفلسطيني في غزة ، والذين التحق الكثير منهم بصفوف حماس لخوض غمار الحرب الجارية الى اليوم ، وللأسف فإن فئة الشباب هي التي تدفع الثمن الاكبر جراء هذا الصراع في المنطقة ككل ، الى جانب  ذلك يلاحظ أن الكثير من الشباب فقدوا عوائلهم وأصبحوا ايتاماً بلا طعام أو مأوى بل مشردين ومهجرين ، لا يحصلون على التعليم وباوضاع صحية صعبة من المجاعة والأمراض والاوبئة التي تتزايد يومياً  وهو حقاً مأساة كارثية ، وبلا شك فان حرب غزة حتماً أثرت على المنطقة بالكامل ، خاصة انعكاسات الصراع على قطاعات حيوية مثل السياحة التي كانت توفر للشباب تحديداً فرص عمل عديدة ومداخيل جيدة ، اصبحت اليوم غير موجودة او متاحة ،  ففي الاردن على سبيل المثال تعرض قطاع السياحة للتأثر، حيث تقلصت وانخفضت الواردات المتأتية منه بشكل كبير، وقد اغلقت كلياً الكثير من الفنادق في مدينة البترا، جراء انعدام السياحة في هذه المدينة الاثرية المميزة ، وهي احدى عجائب العالم السبع ، والاردن أيضاً تعرضت فيه الفئات السكانية خاصة فئة الشباب الى واقع متدهور للاقتصاد جراء الصراعات المشتعلة في المنطقة ، وارقام البطالة تتزايد نسبها بين الشباب ، سواء المتعلم منهم او غير المتعلمين ، والكثير من الشباب المتعلم هاجر خارج الدولة بحثاً عن فرصة عمل ، خاصة السفر باتجاه دول الخليج العربي لتوفر فرص العمل هناك وبرواتب مرتفعة قياساً بما